معاصرته لمدرسة جدّه:
قد تقدّم أن الإمام الرضا عليه السلام قد ولد في نفس السنة التي توفي فيها جدّه الامام الصادق عليه السلام ـ أي في سنة ١٤٨ هـ ـ على قول جمع كبير من العلماء والمؤرّخين مثل الشيخ المفيد في الإرشاد ، والكليني في الكافي ، والطبرسي في أعلام الورى .. وغير هؤلاء كثير.وهناك من يذهب أبعد من ذلك ، فيرى أنه ولد بعد وفاة جدّه بخمسة أعوام . وعليه يصحّ القول بأنّه لم يعاصر مدرسة جدّه ، وقد أشرنا إلى أن الإمام الصادق عليه السلام كان يتمنّى أن يدرك حفيده الرضا عليه السلام ، مع ذلك فانّنا لا نتجاوز الحقيقة إذا ما ادّعينا بأن الإمام الرضا عليه السلام قد عاصر مدرسة جدّه من الناحية العلميّة ، فإذا تأمّلنا الحقبة الزمنيّة التي تأسّست فيها مدرسة الإمام الصادق عليه السلام في مطلع القرن الثاني الهجري ، تلك المدرسة الكبرى التي امتدّت اشعاعاتها إلى عصور ما بعد التأسيس ، وانتشر شذاها إلى جميع البلدان.
يقول الشيخ المفيد : نقل الناس عن الإمام الصادق عليه السلام من العلوم ما سارت به الرُّكبان ، وانتشر ذكره في البلدان ، ولم ينقل عن أحد من أهل بيته ما نُقل عنه ، ولا لقي أحدٌ منهم من أهل الآثار ونقلة الأخبار ، ولا نقلوا عنهم كما نقلوا عن أبي عبد الله عليه السلام فإن أصحاب الحديث قد جمعوا أسماء الرُّواة عنه من الثِّقات ، على إختلافهم في الآراء والمقالات ، فكانوا أربعةَ آلاف رجلٍ .
لقد اغتنم الإمام الصادق عليه السلام فترة الصراع الدائر بين الأمويين والعباسيين ، فشمّر عن ساعد الجدّ ، وقام بجهد علمي كبير من أجل التعريف بعلوم أهل البيت عليهم السلام ، وغدا مظلّة رحبة يأوى إليها طلاب العلم والمعرفة الحقّة.
ولما قوي ساعد العباسيين وخلا لهم الجو بعد انتصارهم على الأمويين ، استشعروا الخطر المحدق بهم من العلويين هذه المرّة ، فأخذوا يضيقون الخناق عليهم ، ولم يقتصر التضييق على الأرزاق ، وحريّة التعبير ، بل سدّوا عليهم المنافذ والمجالات من جهاتها ، ومن هذه المنافذ نافذة العلم والتدريس ، فبينما كان الطريق العلمي يكاد يكون مفتوحاً على مصراعيه أمام الإمام الصادق عليه السلام حتّى وصلت مدرسته إلى أوج مجدها العلمي ، وجد نفسه أمام عاصفة التحوّل السياسي التي أطاحت بالحكم الأموي وجاءت بالحكم العبّاسي ، الذي وقف بعنف تجاه كل التيارات التي يشمّ من ورائها رائحة السياسة ، وفي مقدّمتها التيار العلوي الذي كان بعض رجاله يقودون حركات تمرّد على السلطة العباسيّة هنا أو هناك ..
وجاء دور أبي جعفر المنصور ، ثاني خلفاء بني العبّاس ، فلم يستطع تحمّل ما يراه من امتداد مجد الإمام جعفر الصادق عليه السلام فمنذ تولّي السلطة « لم يهدأ خاطره ، فلم يزل يقلب وجوه الرأي ، ويديّر الحيل للتخلّص من الإمام الصادق عليه السلام لأن مدرسته قد اكتسبت شهرة علميّة بعيدة المدى فلم ترق له هذه الشهرة الواسعة »
ومن الشواهد على ذلك ما رواه نقلة الآثار من خبره مع المنصور لما أمر الرَّبيع بإحضار أبي عبد الله عليه السلام فأحضره ، فلمّا بصر به المنصور ، قال له : قتلني الله إن لم أقتلك ، أتلحدُ في سلطاني وتبغيني الغوائل ؟!
فقال له أبو عبد الله عليه السلام : « والله ما فعلتُ ولا أردتُ ، فإن كان بلغك فمن كاذب .. » (۲۳). فاتّجه إلى التضييق على الإمام الصادق عليه السلام مدّة حياته.
أنت تقرأ
مشهد حلم
Ficción histórica"بِكَ علَّقتُ الأمَانِي، يَا عَلِيِّ بْنَ مُوسَى الرِّضَا"🤍 قال الإمام الرضا(ع): من جلس مجلسا يحيا فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب