6- كيف بدأت الطبيعة؟ كيف بدأ الكون؟

3 0 0
                                    

هذا أول سؤال عقلي يمكن طرحه حين ننظر حولنا!
والإلحاد الجديد كالقديم تمامًا يجيب عن هذا السؤال بتقرير قدرة الطبيعة على الخلق والإيجاد.
فالطبيعة عندهم هي المسؤولة عن الإيجاد والتقدير والعناية والخَلْق، فقد نسبوا لها كل شيء.
الطبيعة عندهم هي: كل شيء؛ ولا شيء غير الطبيعة كما يقول اللاأدري كارل ساغان Carl Sagan().
فالطبيعة عند الملحد هي المعنى الأوحد في الوجود، حتى إن توماس هكسلي رفيق داروين وجرو داورين Darwin Bulldog كما كان يحبُّ أن يُسمى، كان يُطلق على الطبيعة لقب: السيدة الطبيعة Dame Nature.
فأكبر وَثَن اتُّخذ من دون الله حجمًا هو الطبيعة عند الملاحدة!
الطبيعة هي أكبر الأوثان حجمًا في تاريخ الكفر البشري.
فالإلحاد في حقيقته هو وثنيَّة، حيث ينسب للطبيعة المادية القدرة على الخَلْق والإيجاد والتدبير!
ولذلك ريتشارد دوكينز الملحد الشهير يُسمي الطبيعة بـ: "صانع الساعات الأعمى The Blind Watchmaker".

فالطبيعة تصنع وتخلق عندهم!
وهذه الصورة الوثنيَّة للإلحاد تجعله يندرج تحت الوثنيات التي ظهرت عبر التاريخ!
يقول الدكتور حسام حامد: "الملحد ارتقى جبل السَّفسطة، وبينما هو على وَشْك أن يقهر أعلى قمة من قمم السفسطة، وإذ تعترضه آخر صخرة، وما إن يصعد، إذا به يجد جماعة من الوثنيين كانوا يجلسون قبله في نفس المكان هناك منذ قرون"().
فما إن يصعد الملحد أعلى جبل الإلحاد، وفي لحظة ارتقائه أعلى قمةٍ من قممه، إذا به يكتشف وثنيَّة إلحاده.
فالإلحاد يؤمن بقدرة الطبيعة وحتمية الطبيعة، كما يُؤمن الوثني تمامًا بقدرات قطعة الحَجَر التي يعبدها مع الله!
هذه هي النظرة الإلحاديَّة للطبيعة، وهي مسؤولية الطبيعة عن: إيجاد كل شيء!
لكنَّنا في القرن العشرين قد اكتشفنا حقيقة علميَّة مدهشة، وهي أنَّ: الطبيعة لها بداية، وأنها غير مكتفية بذاتها!
فقد أصبح من المُسلَّمات اليوم أنَّ: هذا الكون ظهر من اللازمان واللامكان؛ فجأةً ظهرت الطبيعة!
فالطبيعة ليست أزليَّة، واليوم هناك إجماع بين علماء الفيزياء أن الكون له بداية.
ففي لحظةٍ ما ظهرت مادة الكون، وظهر الزمان والمكان بعد أن لم يكن هناك لا مكان ولا زمان، هذا إجماع علمي!

وهنا تظهر الوَرْطة الكبرى أمام الإلحاد!
فالكون أتى فجأةً بمنتهى الضبط وبثوابت فيزيائية مبهرة، وبحُدود حرجة غاية في الدقة!
وبهذا فمن البديهي أن الكون ليس له دور في إيجاد نفسه فضلًا عن أن يُوجِد غيره.
وبالتالي لا يبقى إلا البديل الثالث، وهو أن لهذا الكون خالقًا!
{أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَا يُوقِنُونَ} [الطور: 35-36].
كان لاكتشاف ظهور الكون فجأةً وبثوابت غاية في الضبط، كان لاكتشاف هذا الأمر وَقعٌ شديدٌ على نفوس الملحدين.
يقول اللاأدري ديفيد بيرلنسكي David Berlinski: "ينزعج الفيزيائيون بشدَّة من حقيقة أن للكون بداية؛ لأن هذا أمر له لوازم دينية"().
ونفس الكلام يُؤكده ستيفن هوكينج في كتابه الشهير تاريخ موجز للزمن حيث يقول: "الذين لا يُحبّذون حقيقة بداية الزمن وبداية الكون، هم لا يُحبذون ذلك؛ لأن لهذا الأمر بُعدًا دينيًّا"().
أما الفيزيائي الملحد آرثر إدنجتون Arthur Eddington فيعترف اعترافًا قاسيًا فيقول: "إن فكرة أن للكون بداية هذه الفكرة بغيضة بالنسبة لي، فكرة كريهة تزعجني"().
فبداية الكون هي حقيقةٌ مزعجة لكل ملحد؛ لكن للأسف واقع الحال أن بعض الملحدين غير الدارسين للعلوم لا يعرفون هذه الإشكالات؛ ولذلك ربما يسخر بعضهم من إلزام أن الكون له بداية؛ لأنه لا يفهم أبعاد هذا الإلزام أصلًا، وبالتالي لا يشعر بأي إزعاج!

بصائر Where stories live. Discover now