4- هنا فلسطين.. 🇵🇸

27 8 0
                                    

"أحتسي قهوتي على نغمات السلاح.. هنا فلسطين.. "
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.

كان يوما أسودا آخر محملا بالكثير من الألم و البكاء و الشهداء..

منذ قليل مر بجانبي طفل لم يتجاوز السابعة بعد.. كان عائدا من جنازة عائلته كلها.. كيف كانت حالته!؟

لن أقول أنه لم يكن يبكي، لكنه يبكي و يبتسم لأن عاىلته كلها إرتقت شهيدة.. يبتسم و يحمد الله على مكاتيبه..

لكن نظرة مقلتيه الغارقة بالدموع مختلفة، لم تكن نظرة حزن أبدا.. بل كانت نظرة حقد على المحتل الصهيوني.. نظرة حقد و توعد بالإنتقام..

دمعة هذا الطفل البريء هي بداية رحلة إنتقامه لعائلته التي تمزقت لأشلاء بصواريخ العدو..

و هكذا نحن جميعنا.. إيماننا بالله و ثقتنا أن النصر لنا في النهاية ما يجعلنا واقفين على تراب فلسطين حتى هذه اللحظة..

رغم نزوحنا المتكرر إلا أننا لن نترك تراب هذا الوطن الذي سقي بدماء الشهداء.. لن نترك تراب وطني الأسير فلسطين.. سنبقى هنا واقفين في وجه كل من حاول السيطرة و الإحتلال..

هنا أرضنا.. و لن نترك جدران المسجد الأقصى مهما إشتد البلاء.. و مهما زاد القصف.. و مهما قدمنا الشهداء.. سنبقى.. لأننا إلى هنا ننتمي.. إما أن نعيش فوق تراب فلسطين.. و إما ان يضمنا التراب إليه شهداء..
نحن هنا نجاهد في سبيل الله قبل الوطن.. و الجهاد في سبيل أعظم ما قد يقوم به المؤمن في زماننا هذا..

سنرسم على جدران المنازل المهدومة بدماءنا وعدا أن نعود.. و نحيا على هذه الأرض مرة أخرى.. نحيا بها و نحييها مثلما كانت تعج بالحياة قبلا..

سنترك مفاتيح العودة قيدا على أعناقنا حتى النهاية.. فإن كتب الله لنا العودة سنعود.. و إن لم نعد.. سيعود أبناؤنا من بعدنا..

إننا في إبتلاء عظيم.. لا أعلم كيف نقف بهذه القوة.. و لكن الحمد لله.. الأيام تتجاوزنا رغم أننا لا نتجاوزها.. لا نتجاوز قدر الألم و البكاء فيها.. أعداد الشهداء و الجرحى.. المدن المدمرة.. الأحياء تحت ركام المنازل..

كل ذلك و نعيش جوعا و عطشا شديدا.. لا أعلم كم مرة على آخر مرة شربت ماءً حلوا..
في كل مرة أفقد الأمل فيها من النجاة يكتب الله لي حياة جديدة.. في نهاية كل يوم أسترجع ما حدث معي مذ بداية الحرب..

الحمد لله الذي منحني قوة على التحمل.. و صبرا و إيمانا يملئ صدري طمئنينة رغم كل ما حدث و ما يزال يحدث..

لا أعلم إلى متى ستسمر هذه الحرب.. و لكننا تعبنا يا الله.  فعجل لنا نهايتها بنصر و فتح مبين..

أنت القادر على كل شيء فإمنحنا قوة التحمل و الصبر على إبتلاءاتك يا رب..
أمي لم تعد تتحدث أبدا.. لم تتجاوز بعد إستشهاد علاء الدين و غياب زياد كذلك.. لا أنكر أني بنفس حالتها.. و لكن احتفظ بذلك بصمت.. هي لم تنطق بحرف واحد منذ يومين.. كل ما تفعله هو البكاء و الدعاء و هي تتمتم صامتة.. و معظم الوقت أجدها تجلس شاردة تسبح بصمت أو تقرأ من مصحفها..
أبي في أغلب الوقت غالبا و قلبي منقبض دائما قبل أن يعود إلى المخيم فأرتاح لكونه لم يحدث له شيء..

و زياد.. لا أعلم أين هو و لا مالذي حل به.. دعواتنا معه دائما أينما ذهب إن لم يكن قدم روحه شهيدا كباقي إخوتي.. لا اريد أن أفقد السند المتبقي من إخوتي..

شعارهم الظلم و الرذيلة، و شعارنا النصر و الإنسانية..

كل من يعرف أني كاتبة يقول لي توقفي عن الكتابة هي بدون فائدة، توقفي عن الكتابة عن القضية الفلسطينية.. توقفي..

و لكنها قضيتي! كيف أشاهد ما يحدث في وطني و أنا أجالس كتابا بصمت! و إن لم يكن بيدي شيء فإن بيدي سلاحا رفعته مع أسلحة المقاومة نصرة لوطني..

ربما لا أستطيع النشر حاليا، و لكني لن أتوقف عن كتابة ما عجز لساني عن نطقه.. عن كتابة ما أحرق قلبي ما آذاني و قواني.  عن الجرائم التي تحدث على أرض الأسيرة فلسطين..

إن الموت نهاية محتومة.. و أنا عندما يصل أجلي أريد أن أترك كلماتي هذه للعالم.. لأني كاتبة من قلب غزة و من قلب الحدث..
يراودني اليأس أحيانا في مسئلة الكتابة، لكن كلكات أخي الشهيد دائما ما تدفعني للمواصلة في مسيرتي ككاتبة مقاومة..

صحيح أن تاريخ السابع من أكتوبر غير حياتي، لكنه قواني قبل أن يضعفني.. زرع في نفسي حب الوطن و المقاومة..

زرع في نفسي إيمانا قويا و زادني نضوجا و قوة و أكثر عقلانية في إتخاذ القرارات..

كانت لدي ثلاث صديقات في المخيم.. صديقات أخوات.. إستشهدت إثنتان و بقيت واحدة.. 💔

و كأن ما فعله المحتل بالأطفال لم يكفي، فأصبح يضاعف قواته و يشن حملاته نحونا بدون ذرة إنسانية تذكر..

في كل مرة أرى فيها مشهدا قاسيا يزداد يقيني أن نهايتهم ستكون أسود و أقسى و أن عقابهم في الدنيا و الآخرة لشديد..

و نحن هنا في إنتظار وعد الله.. إن وعد الله حق.. حينها سيكون النصر لنا..

يحاولون طمس فلسطين فأصبح العالم كله فلسطين.. يحاولون تشتيت العرب لكن غزة هي قلب العالم.. مهما حاولوا و مهما ضربونا بالصواريخ و مهما دمرونا و كسرونا و عذبونا فإن النهاية واضحة!

سمعت عن أبٍ دفن رأس إبنه الشهيد و بعد أسبوع وجد جسده فعاد فرحا ليدفن كامل جثته..

و تلك أم وجدت أشلاء زوجها و عائلتها.. و أخرى لم تجد حتى الأشلاء!

الكثير من المجازر و المحارق مرت بنا..مجاز رفح.. لن تفارق ذاكرتي ما حييت.. لا أدري كيف نجوت من هناك و لكن الحمد لله على كل حال.. تبقت لدي القدرة لتحمل تلك المناظر لأطفال بلا رؤوس.. و أجزاء أجساد مقطعة.. رائحة إحتراق لجثث ذلك اليوم لم تفارق أنفي لحد الآن.. ليس سهلا أبدا ما نمر به.. و تحسبونه هينا و هو عند الله عظيم.. ما لنا غير الله..

ضجة إخترقت مسامعي من خارج الخيمة فتركت ما كان بيدي و خرجت أنظر لما ينظرون إليه.. خرجت مباشرة لأني كنتُ أرتدي حجابي طول الوقت.. و هكذا جميع نساء المخيم.. نرتدي حجابنا طول الوقت إحتياطا لأي قصف قريب لنقوم بالنزوح مجددا..

لكن هذه المرة لم أرى ما أثار سكان المخيم، كنت أرى أناس مجتمعون حول شخص ما.. لم أكن أراه.. كنت أتسائل في نفسي من يكون.. حتى مروا بجانبنا و رأيت من هو..
.
.
.
.
.
.
.
.
اللهم عجل بالفتح و النصر 🤍🇵🇸





السابعُ من أكتوبر- مكتملة- حيث تعيش القصص. اكتشف الآن