5-مأزق

32 1 4
                                    

.

.

.

.

كم من مرةٍ نبحر بسفن رغباتنا نحو عاصفةٍ نعلم أنها قادمة، نجري وراء سراب الآمال ونغفل عن الرياح التي تعصف بنا. فنقع في فخاخ نَسَجناها بخيوطٍ من شهواتنا، كطائرٍ يغريه بريق الفخ حتى يجد جناحيه مكبلين.

لكنّ الحِكمة كالنّور الذي ينبثق من بين شقوق الجدران المهشمة، تُضيء لنا السبيل وسط الظلام.
فالمآزق التي نختارها أحيانًا كالأرض الوعرة، تُصقل أقدامنا لتصبح أكثر صلابة، وتمدّنا بالقوة التي لا تصنعها الطرق المستقيمة.

..

كانت المدينة تغرق في ضبابها البارد، والمباني تتعالى بنوافذها الطويلة وأبراجها المهيبة، تسير آنستازيا في شوارِعها التي تنبض بالأرواح مُنذ الصّباح الباكِر ، على الجميع كسب قوت معيشته .
المحلّات قد فُتحت مُنذ السادسة، سوق تورينتو يُعد من أكبر أسواق الجملة و التجزِئة ، حيث يأتي التُّجار من مختلف بقاع إيطاليا لتسليع محلاتهم من هذا السوق ، كما ينشهر بأنواع الأقمشة و مختلف أصناف منتوجات القمح .

عيناها تتلفّت ذات اليمين و ذات الشمال وسط الزحام ، تُحاول إلتقاط منظر مألوف يدلّها على المحل الذي ذكره ديلان ، إستغرقت وقتًا و هي تائهة في الأرجاء ،تدخل كل محل أقمشة تراه لعلها تجده هناك.

*

بدأ يدوى صوتٌ مِن أعلى بُرجٍ في المدينة ، جرسٌ حديدي ضخم يُقرع كُلّ ساعة ليجعل الناس على دراية بالوقت.. رفعت رأسي لأرى ذلك البُرج البعيد، أشعّة الشمس التي بزغت بوضوح في تمام الساعة العاشِرة صباحًا جعلتني أجمع جفناي على مقربة من إحتضان بعضهما البعض ، لفَح صدري نسيم من الإنزعاج جعل ثغري يهتف بغيظ لم يُسمع خلف الضوضاء التي أتوسّطها.

" ذلِك الأحمق ، كان عليه ان يكون دقيقًا في وصف الموقع "

أرغمت قدميّ على الإستمرار ، و خطى بي إدراكي نحو برج الجرس ، لعلّ ديلان يفهم مُرادي و يذهب الى هناك ليلقاني. عاهدت نفسي أن لا أرجع للوراء مهما كانت الأسباب ، دخلت في عالم عزمت أن اكون سيدته. راجعت ذاتي و أنا أخطو في المدينة ، اسألها ما ان كانت هذه رغبة انا في أوج استعدادي للوقوف أمام زنادها، أم هي مجرد نشوة عابرة ستخلد في دُبر الندم.

قطع سيل أفكاري كفّ قيّد معصمي ، ظننت أنه لذئب جائع اشتهى مفاتِني، فقد خضت مشاجرات عدّة منذ مغادرتي المنزل إثر معاكسات لم أكن في مزاج مناسِب لمجاراتها. أدرتُ رأسي و تذخّر لِساني لِفضح المعتوه الذي تجرّأ على لمسي وسط العامّة ، سُرعان ما آلفت عيناي تلك الهيئة الملثّمة ، و تلك الأعين الباسمة التي تشبهت بالمروج الخضراء ، توصّدت إحداهن في لمحة لتغمزني قبل ان يدوي صوته الخافت قرب مسمعي .

نجمة فيكتورياحيث تعيش القصص. اكتشف الآن