الفصل الثاني

99 4 0
                                    

                                 
نهضت من فراشها يكاد ألم رأسها وصداعها النصفي يعصف بها من جراء سهرة الأمس ، تمالكت نفسها لتقوم وتوجهت ناحية النافذة . 

أصبحت تكره النوافذ والأسقف والحيطان ، وكأنها جميعا قد وجدت لتسجنها ، وكأنها لم تملك حريتها يوما واحدا في حياتها . 

تساءلت في نفسها :  
" كيف أمكنني الصمود بعد كل ما مررت به ؟! .

لماذا تتشبث روحي بتلك الحياة المؤلمة رغم فقداني لعقلي تارة وفقداني لأحبتي تارة أخرى ؟.!" . 

جلست على طرف فراشها تتمنى من الله أن تنهمر دموعها كما السابق ، فجفافها لن يودي بحياتها بسهولة إنما يقتلها ببطء . 

" لا شيء في عينيك يمنع الدموع " ، هكذا صرح لها طبيب العيون الذي زارته مؤخرا  . 

" أتعذب كل دقيقة من الآلام التي في قلبي ، لم أعد أنام بأريحية ، 
 
كل ليلة يا الله أقول ربما غدا لن أستيقظ ، ولكني أرى الصباح يتخلل نوره جفوني فتؤلمني تلك الغصة في قلبي من جديد  ". 

رن هاتفها ليقطعها من مناجاة ربها ، إنها رسالة جديدة . 

" هدية عيد ميلادك ، صور تلك العقود بألف هدية ". 

شهقت في دهشة واتسعت عيناها مما تراه أمامها ..... 

فعلى شاشة هاتفها ظهر خيطا جديدا في لعبة سعد الجرار ..
                           *******                        

استلقت نهلة في حوض الاستحمام مغمضة العينين ، تذكرت يوم حفلها في دبي حينما عادت متلهفة تنبض كل خلية منها بالشوق والحب لخالد وقد رأت بعينها غيرته من جاسم ، خرجت ليلتها من الحمام لتجد اتصالاته المتكررة ليطمئن على وصولها . 
تمنت في أعماقها لو كان حيا حتى لو لم يكتب لها الاجتماع معه لكن يكفي وجوده بين الأحياء .
 
ظنت أن هذا تحقق في باريس عندما رأت شبيهه المحتال وإليزابيث الزائفة ، رضيت بإن لا يذكر إسمها أو حبها أو تضحيتها مقابل أن يحيا هو فقط . 
ولكن حتى هذا الطلب لم يعد متوفرا . 

" هل كان الحفل حقيقيا ؟ أم هو وهم إيضا ؟ لربما لم يكن هناك أي شيء في ذاكرتي حقيقيا وكأنما فقاعة كبيرة من الأكاذيب والأوهام قد ابتلعتني بداخلها فلم أعد أرى غير ما تحتويه ونسيت ما كان خارجها " . 
فتحت عينيها التي تحجرت بلا دموع ،  نهضت لترتدي ملابسها وخرجت من الحمام . 
أجفلت عندما رأت سعيد أمامها جالسا على السرير بيده زجاجة عطرها المفضل ، نهض مبتسما ما أن رآها ، ألتفت يده تلقائيا حول خصرها وقربها منه ، لثم عنقها بشفتيه ، التصق بجسدها ثم أمسك بوجهها بين كفيه ، انحنى ليقبلها حينما أدارت وجهها بعيدا ، زفر في عصبيةوقال غاضبا : 
" لحد أمتى يا نهلة ، أنا جوزك وليا حق أكون معاكي وجنبك ". 
ابتعدت عنه لتجلس على الفراش بلا أي ردة فعل مما زاد من حنقه فحطم المرآة المواجهة لها بقبضته في قوة أخافتها فتراجعت ملتصقة بالسرير . 

" أنا مش ها أصبر على الدلع ده كتير ، سنتين عدت وأنا ملتزم بوعدي معاكي مش ها أقرب ليكي غير برضاكي وأديتك وقت كفاية ، أنا عايز أعرف ليه وافقتي ترجعي لي ما دام قلبك مش معايا ". 

هدأ من إنفعاله قليلا عندما أحس أنه على وشك خسارتها ثم أكمل :
" مستنية ايه ، يقوم من بين الأموات ويرجعلك ، ده على جثتي ، أنا معاكي ... في حياتك وفي قبرك ". 
ضغط على أسنانه في قوة ثم قال: 
" وحتي لو قلبك مش معايا بكرة غصب عنه يبقى معايا ، أنا يكفيني النهاردة جسمك ."  
واندفع تجاهها متجاهلا تشبثها بالفراش ، متجاهلا الدماء التي تسيل من يده ، وجذبها بالقوة إلي صدره ، حاولت أن تدفعه بعيدا عنها صارخة بكل ما تملك من عزم لكنهلم يعبأ وشرع على إكمال ما بدأه . 
حاولت مقاومته عبثا فهي تعلم قوته وضخامة جسده ، أحست بأن الأكسجين ينسحب من رئتيها وقوتها تخمد شيئا فشيء . 
لم يستوقفه إلا غيابها عن وعيها تماما فتحول عنها في كبرياء ، هو لا يريدها جثة يتحكم في جسدها ، هو يريد امتلاكها روحا وجسدا معا ، أن تهبه مشاعرها كلها وأن تنسى غريمه . 
لم تعي شيئا مما حولها فانتفض واقفا في غضب وتركها ومضى إلي غرفته ساخطا . 
                      
                         *******                        
أنسلت أشعة الشمس من بين ستائر غرفتها لتوقظها ففتحت عيناها في بطء ، أحست بثقل رأسها التي مالت على الوسادة تلقائيا . 
تجولت عيناها حولها في الغرفة لترى أثار ما حدث بالأمس لكنها لم تجد أي شيء ، الغرفة مرتبة كعادتها والمرآة ......  
شهقت بدون صوت ونهضت من مكانها متجاهلة صداع رأسها لتتحسس بيدها المرآة أمامها ، لا شيء محطم !!! 
تضاعفت دقات قلبها فتراجعت في بطء لتجلس علىطرف الفراش تنظر بين الحين والأخر للمرآة وكأنها ماعادت تصدق شيء . 
ليس هناك من آثار للدماء لا على الأغطية ولا الأرضية .
أحست بالاختناق الشديد فارتدت ملابسها وخرجت للذهاب إلي عملها مشتتة الذهن . 

في الشركة ، أمسكت بإحدى الملفات في يدها تراجعه هربا من الذكريات والأفكار التي تلاحقها . 
تجمدت نظراتها فجأة وظلت تفرك عينيها في دهشة وهي ترى ندى أمامها ، ظنتها تهيؤاتها التي تزورها من حين لآخر . 

أدارت نظراتها في المكان تتأكد أنها لا تزال في العمل ، لم تصدق تلك الأعين المشوشة لكنها صدقت خفقات القلب التي لا تتعالى هكذا إلا لها ، قلبها قد خرج كليا من جسدها ليعانق تلك الروح الماثلة أمامها . 
" تلك المفاجأة الغير متوقعة والعناق الطويل الذي اشتقت له ، لم أكن أحلم به قط يا صديقتي. 

متى وكيف ؟ لا أدري وليس مهما كما توقعت ، بل المهم أنك أمامي الآن وأنا أحتاج وجودك بجانبي أكثر مما مضى ، رغم خطاباتي التي أرسلتها لك أرجو منك البعدإلا أن الكلام كان أسهل بكثير من تنفيذه ، 
ففراقك كان أشد ألما من ألمي الذي أحمله بداخلي ". 
احتضنتها في ألم وشوق ، ارتعش جسدها وهو يتساءل هل هذا إيضا خيال ؟ .

" وحشتيني يا نهلة،  على فكرة انا سألت إيمان وهي اللي دلتني على مكانك،  محبتش أزورك في الفيلا قولت هنا أفضل ، يعني من المطار عليكي علطول يا فندم ". 
التقطت أنفاسها ثم أكملت:  
" فترة طويلة عدت عليا وأنا مش عارفة أوصل لك ، خوفي وجبني خلوني أضعف من إني أقاوم ، سافرت عشان ما استحملتش القهر هنا بس مقدرتش ، مقدرتش يا صديقتي أكون خاينة زيهم ،  لو فضلت كاتمة الحقيقة جوايا ها أموت بيها يا نهلة ومش ها أقدر أسامح نفسي أبدا ." 
حاولت حبس دموعها وهي تقول : 
" نهلة ، أنا عارفة أن زيارتي مفاجئة وأن اللي ها أقوله ها يكون تقيل عليكي بس أنا مبقتش عارفة أعيش بكم الأسرار اللي جوايا ، أوعديني إنك تسامحيني وأنا هأحكي لك على كل حاجة ".
بدأ حدس نهلة بدق ناقوس الخطر وعلت الدهشة وجههاوهي ترى دموع ندى التي اندفعت في غزارة ليخيم التوترعلى الأجواء. 
" نهلة ، أنتي عارفة أن بابا اتجوز بعد ماما الله يرحمها ، اتجوز واحدة أصغر منه بكتير وطبعا عمري ما حكيت عنها قبل كده لأن أساسا مكنش فيه أي احتكاك ما بينا ، بابا اتجوزها في فيلا جديدة وعاش معاها هناك وكان بيزورني زي ما أنتي عارفة في شقة ماما اللي رفضت أني أسيبها وأسكن معاه رغم توسلاته الكتيرة بس كنت حاسة اني وجودي في شقة أمي أفضل ." 
التقطت أنفاسها من بين دموعها وأكملت دون أن ترفع عينيها من الأرض وكأنها تحمل وزرا بهما وتخجل من مواجهة نهلة :
" ولما مات بابا الله يرحمه انا رجعت من دبي عشان الميراث ومشاكله وكده ، والحق يقال الست اللي كان متجوزها بابا كانت رافضة تاخد أي مليم من حقها اللي كتبهولها قبل موته ، تقدري تقولي أنها كانت زاهدة فيه تماما وده اللي خلاني أستغرب من سبب جوازها من راجل ضعف عمرها لو مكنش الفلوس هيكون أيه ؟ وعرفت السبب منك بعد كده ، كنت متخيلة أن سيطرة أخوها دي على الاغراب وبس ، متخيلتش أنه كده حتى على أهل بيته وأنه السبب في جوازها بالغصب من بابا ."
اختلست نظرة لوجه نهلة الذي بدا مترقبا للمفاجأة التي تخفيها ثم خفضت رأسها مجددا في تأثر .
" هتستغربي طبعا من كلامي أنك صاحبة الفضل إني أتعرف على الست دي عن قرب واللي مكنتش أعرفها أو حاولت حتى أني اتعرف عليها بسبب .... بسبب أخوها وجبروته وأفعاله وكنت مفكراها هي كمان زيه ".
صمتت مرة أخرى وقد بدا الانفعال يغزو وجهها ثم سحبت نفسا طويلا وأطلقت تنهيدة قوية وأكملت: 
" الست دي هي سها الغريب وأخوها سعيد اللي أعرفه من قبل جوازك أو بالأحرى أسمع عنه من بابا اللي كان شريكه في شركة المقاولات وكان بيخاف منه حرفيا ، أنتي كنتي عارفة أنه بابا مهندس وعنده شركة مقاولات بس متعرفيش تفاصيل طبعا عن شركائه ، وعشان كده انا كنت اول الرافضين لجوازكم وبشدة خصوصا بعد ما عرفت أنه هو الراجل اللي جالك أدام الكلية بعربيته السودة ، واللي أتغيرت كل حياتك بعدها من اليوم ده ، للأسف مشوفتش وشه يومها وأنتي مذكرتيش اسمه لما حكيتي لي ، وكرهته أكتر بعد تهديده المباشر ليا لما عرف أني صاحبتك المقربة واللي خلاني فترة كبيرة مكنتش على اتصال بيكي بعد جوازك منه ولما شجعتك تعملي له محضر ... جالي البيت وهددني بأذيتك أكتر لومبعدتش عنك أو حاولت تحذيرك بأي شكل ، وانا كنتأجبن من إني أخسرك فسكتت واستسلمت لتهديده ." 

اندفعت مرة أخرى الدموع من عينيها قوية ثم أكملت في صوت يخالجه الحزن: 
" حتى لما ماتت سها مقدرتش أجي أعزي فيها وها أعزي مين أساسا وأنا بكره سعيد ده لدرجة الموت ".
" ويوم ما جالي ملفك يا نهلة واتعرض أدامي توظيفك في دبي فرحت لك من قلبي حسيت أن ربنا بعتهالك فرصة للبداية تاني بعيد عن جبروت سعيد،  وإني ها أكون السبب في مساعدتك رغم أن الاستقدام مكنش مني من الأساس  ".
رددت نهلة في دهشة : " مكنش منك ؟."
أطرقت ندى برأسها مجددا : 
" اللي استقدمك هو نواف وطلبك بالإسم وبالبيانات كاملة ، تقدري تقولي كان عايزك جوه شركته هو بالأخص ".
هزت نهلة رأسها متسائلة في فضول: 
" ليه ؟."
هزت ندى رأسها فهي لم تجد إجابة لهذا السؤال بعد ولكن نهلة وجدتها ، تذكرت الرسالة التي أرسلها نواف لسعيد منذ سنتين عندما كانا في باريس ، لم تكن تلك الرسالةوهما إذا ، هي لم تنسى محتواها قط .

" أنا نسيت بكيفي ما جرى منك مع زوجة أخوي الخاينة ، ودرتك عايش لأني أبا هذا لكن بالله لن أدرك هذي المرة ."
رددت نهلة بأعين متسعة من الدهشة :  
" عشان سعيد كان عشيق إليزابيث ونواف عاش على أمل الانتقام منه وأنا كنت اللعبة بتاعتهم ، طليقة سعيد وبنته تحت إيديهم ، وخالد .... يا ترى كان عارف بده ؟ ".
هدأت نهلة من أنفاسها المضطربة ثم أكملت وهي تحدث نفسها  :
" طيب نواف وبيكره سعيد عشان كان عشيق إليزابيث بس ليه سعيد  بيكره خالد للدرجة دي ؟، وليه نواف مفكرش يتخلص من سعيد ، ليه سكت على أفعاله طول الفترة دي ؟! ." 
فغرت ندى فاهها في ذهول فأشارت إليها نهلة أن تكمل على أن تعود لهذه النقطة بعد الانتهاء . 
ساد الصمت المكان،  صار لا يسمع إلا صرير المفاجأت وتصفيق الأيام. 
توترت ندى وهي تكمل حديثها مرة أخرى:  
" ، ولما .. خالد عمل حادثة يا نهلة كلمتك ع تليفونك كانمغلق ومعرفتش أوصلك وبعدها بحوالي ساعة كلمنيسعيد وشدد عليا وهددني لو حاولت أني أبلغك بحادثة خالد أو حتى أفكرك بيه مش بس ها أذي نفسي ده أقسم بالله أنه ها يخفيكي لأخر العمر ومحدش منا ها يعرف لك طريق وساعتها  من خوفي ما أقدرتش أسأله يعني ايه أفكرك بخالد ؟ ومنعني أني أنزل مصر غير لما يقولي وبعد حوالي أربع شهور طلب مني أنزل وعرفت ليه في الوقت ده بالذات ، عرفت أنك فقدتي الذاكرة ونسيتي خالد وكمان كنتي نسياني شخصيا عشان كده سعيد مسبنيش أنزل غير لما افتكرتيني وبقيتي بتسألي عني كتير،  و لما رجعت لك الذاكرة وسافرتي معايا عشان تشوفي خالد ، سعيد سافر في نفس اليوم على طيارة خاصة ولما أنهرتي وأغمى عليكي قدر يرجع بيكي مصر وطلب منا كلنا نمثل المسرحية اللي أنتي عارفاها ، حتى دانا حفظها دورها كويس ونبه عليها تنسى خالد خالص بحجة أنك تعبانة ولو أفتكرتيه ها تأذي نفسك زي ما حاولتي كذا مرة فعلا وكلنا شوفنا ده ". 
شردت نهلة قليلا عند جملتها الأخيرة ثم سألت في شك: 
" ندى ، هو أنا لما كنت بأذي نفسي كنت بعمل ده ازاي
، أقصد يعني أنا كنت بعمل ده قدامكم أو حد شافني وأنا في الحالة دي ." 
" لا يا نهلة ، أحنا كنا بنلاقي الممرضة معاكي جوةالأوضة وبتتصل بالدكتور بسرعة وبتبلغه أنك حاولتي تنتحري تاني ، وكنا بنشوفك بعد الدكتور ما يوصل إيدك عليها علامات جروح عميقة بتنزف دم لدرجة في مرة اتأخرت الممرضة وأذيتي نفسك ومعرفناش نعمل ايه فطلعنا على المستشفى علطول وده كان من ستر ربنا لأنك نزفتي دم كتير وكنا ها نفقدك ."  
لم تعقب نهلة على كلامها وشردت في تفكير عميق قطعه صوت ندى . 

" نهلة ، فيه سر كمان لازم أتخلص منه لأنه .... لأنه بيحسسني بوجع رغم أن ربي اللي عالم أنه مبيأذيش حد غيري بس لازم تعرفيه مني أفضل ما تعرفيه من حد تاني ". 
انتظرت ردا لم تجده من نهلة التي تسمرت ملامحها تنتظر رفع الستار عن المفاجأة الجديدة . 

فاليوم هو يوم الاعترافات العظيم ولا يعلم لمن سيمنح صك الغفران . 

" انا كنت .... وخالد ، يعني أقصد " تلعثمت في حزن ، ثم استجمعت قواها وقالت :
" انا كنت بحب خالد قبلك يا نهلة حب مؤلم وموجع ، تقدري تقولي من طرف واحد بس ، وخالد عمره ما حس بيا ولا حركت فيه شعرة زي ما بيقولوا ، عاش ومات من غير ما يعرف ولا يحس بحبي له ".

انهمرت دمعتان ساخنتان على وجنتيها تشقان طريقهما نحو الانتحار كمثيلاتها .
لم تتحرك نهلة من مكانها قيد أنملة ، ظلت ساكنة على وضعها تتأمل وتتفحص وجه ندى في برود وكأنها تتساءل :
" أين صديقتي ؟، لابد وأنها ليست الجالسة أمامي تبعثر خزانة أسرارها العميقة ، أين كنت أنا حين لم أرى تعابير وجهها الحزين ؟، كيف كنت أحكي عن مشاعري تجاه خالد بكل وقاحة ؟، كيف لم أرى وأنا أنظر إلي وجهها وفي داخل عينها بكل جرأة كل هذا الألم ؟، هل كنت عمياء إلى هذا الحد أم أصبحت من الأنانية بدرجة لم أنتبه فيها لمن يعنيني أمره ، فقدت دانا في أوج غباءي وفقدت ندى في قمة أنانيتي " .
نهضت من مكانها واحتضنت ندى التي أجهشت بالبكاء وأطلقت لمشاعرها العنان بعد البوح بما اختزنته في صدرها كثيرا وكان يؤلمها عدم مشاركة نهلة به.
وأفضت لها الأخيرة بكل ما وصلها من رسائل وصور وبكل ما علمته من زاهد ، واتسعت عينا ندى من الدهشة والهلع ، فربما لم يقابل عقلها كل هذه القذارات دفعة واحدة إلا على شاشات التلفاز في مسلسلات إجرامية أو أفلام سيكوباتية . 

هي ك " نهلة " لم تتخيل أبدا أن العالم الصغير الذي تحيا فيه قد يكون أكثر سوادا من الظلام ،  أو نسخة مضغوطة قذرة من العالم الكبير تحمل فيها من الأعداء ما يفوق طاقتهم . 
لكن الفرق بينهما أن نهلة قد عاشت هذا الكثير بالفعل وعانت في طريقها ما أصقلها ودفعها للتأقلم على الغوص في ذلك السواد ، فهي قد أدركت جوهر الحياة ، فالعالم ليس بجمال البدايات أبدا بل هو ببشاعة النهايات . 

غداً لن تمطر - الجزء الثانيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن