الفصل الثاني : رسالة نحو مجهول

27 11 5
                                    

عزيزتي ميراندا كيف حالك؟ هل العيش في موسكو مخيف؟
أما بعد ،

يبدو ان البؤس لن ينتهي ، الأمر مخيف في الخارج جدا بغض النظر عن المرات التي سقطت و فشلت فيها كان لازال لدي أمل طفيف لكن الظلام دامس دفن كل الأمال و الأحلام ، أعتقد أنه يمكنني المحاولة مرة أخرى ، لطالما ظلمت في هذه الأرض و ظلمت روحي حاصرني العار منذ ولادتي دون ذنب مني ، حاولت دائما اصلاح نفسي لكن بدون الجدوى ، عزيزتي ميراندا لقد سحقني الواقع لا اجد ما أقول لكنني لست على ما يرام انني اكثر حزنا و البؤس من الذي اظهره عزيزتي سأغادر نحو روما.

كان هذا هو كل ما أريد قوله تعبت من الكتمان بداخلي اردت تعبير قليلا عن ما يجري معي ، الوداع.

🕯️🕯️🕯️🕯️🕯️🕯️🕯️🕯️🕯️🕯️🕯️🕯️

خرجت على ساعة خامسة مساء لازلت الشمس لم تغيب بعد لذلك الحرارة لازلت تسيطر على المكان ، تمشيت هنا وهنالك بدون جدوى كأنني ابحث عن كنز غير معروف في بعض الاحيان كنت استرق النظر لأرى ما يجري في مقهى الحي ضللت اتمشى طويلا ، ارتدي ملابس بالية كأنها آتية من خردة و اترنح في سيري بغير اعتدال كأنني شربت كؤوس خمر أعد بيها نجوم الليل و نجم ليلي الخاص لم يأتي ، بعض من الذين جمعتني الطرقات معهم كانوا يسترقون النظر ليروا شكلي المهين بينما يتهامسون مع شركائهم و ينتهي الهمس بابتسامات ساخرة مع شفقة ملحوظة في اعينهم و بعض كانوا يضحكون بصوت عالي على شكلي وبعضهم كان يظنني مجنونة و يدعي الرب من اجلي.

اخدت اتمشى طويلا حتى إبتعدت عن مدينة قليلا حينها صادفت منظري المعتاد كرسي خشبي قديم متهالك أمام نهر المدينة ، كان هذا المكان مهجور منذ وقت طويل ولا أحد يأتي إلا هنا كثيرا ، جلست فوق الكرسي اسمع زقزقة العصافير وصوت المياه العذبة في بعض اللحظات راودتني رغبة بالسباحة لكن تذكري دائم بأنني لا املك ملابس غير التي ارتديها تحطمني مرارا و تكرارا و تمنع رغبتي في سباحة ، ضللت هناك انتظر المجهول ولم يأتي بعد توالت ساعة بعد ساعة و أنا اعد العصافير طائرة و اوراق الشجر و ايام غياب حبيبي عني ، مضى وقت طويل على الرحيل ألم يشتاق لي ولو مرة ، هل فكر بي لمرة واحدة؟ عددت مرور ثواني و دقائق و الايام ، بعدها بدأ الاحباط يتسلل إلى دواخلي شعرت في بعض اللحظات انني اريد البكاء طويلا وفي بعضها كبحت بكائي ، حولت بصري نحو الساعة القديمة بيدي لأرى ان ساعة تكاد تصل السابعة مساء وبعدها بدأ البرد يتسلل إلى الجو و تغيب الشمس ببطئ و نهضت من الكرسي اخيرا أخاطب نفسي قائلة "يبدو أن أحدهم لن يأتي اليوم" ثم غادرت مرة أخرى متوجهة نحو داخل المدينة ، كنت اسير بسرعة ولا انكر انه احيانا تنزل دمعة حارة من عيناي لكنني اكبح جماح نفسي مرة أخرى وكما الحال في الذهاب كان الحال في العودة نظرات الشفقة تلك لم تغادر احدا في الشارع ولم تغادرني أنا ايضا ، هكذا حقارة الإنسان لا أنكر في البداية بكيت قليلا عن حالي لكني تعودت البشر يتعودون على كل شيء في آخر وهذه هي الحقارة ، سرت طويلا حتى وصلت أمام العمارة التي اقطن فيها وان صح القول القمامة التي اقطن فيها ، انها عمارة متهالكة مضى عليها دهر منذ بناءها قد تسقط يوما على رأسنا تهشمه من يدري ، في حيطانها من الخارج تفوح رائحة بول نتنة و كريهة كل ما مضى سكير عن هذه العمارة يطلق بوله هنا ثم يمضي ، ان العمارة بأكملها نتنة وليس فقط حيطانها ، صعدت عبر الدرج لأصل الى اعلى العمارة كانت العمارة مبينة على وجهتين وفيها تسع طوابق وكل طابق يتكون من ثلاث شقات ، انه من المحزن القول عن هذا القفص شقة ، جميع شقق العمارة كانت صغيرة تتكون من مرحاض صغير و غرفة ضيقة لم يكن هنالك مطبخ ولا غرفة استقبال ضيوف ، اما عن شقتي كانت هي أسوء بالتأكيد الغرفة التي انام فيها وهي الوحيدة في شقة كانت كلها مغلفة بورق اصفر لأمنع دخول بعض قطرات الماء عند هطول الأمطار و يرتكز سرير قديمة بأفرشة مهترئة و شباك صغير يطل على جزء من نهر المدينة ، هنالك نهر واحد فقط يمر على كل اجزاء المدينة ، بعد مدة قصيرة تعودت على شقتي و اقول شقتي بهذه الحقارة أنا لا املك المال حتى من اجل ايجار هذا الشهر ، حاولت تجاهل ذلك مرارا ولكن لا املك المال بتاتا ، حتى المال من اجل شراء الطعام أنا لا أملكه ، كل ما أملك الآن هو طرف رغيف لن يكفيني ابدا ، تسللت تلك الأفكار مجددا لعقلي المجنون عن ماذا ان مت جوعا هنا ولا أحد يعرف ، وبكل صراحة لا أحد يعرف عن انني حية اذا هل يهتمون اذا مت؟ لا أظن ذلك من لم يهتم بحياتك لن يزعزعه موتك ، بقيت افكر طويلا عن مصدر المال ، احيانا فكرت في ان اكون خادمة عند الطبقة الأرستقراطية وفي بعض قررت اشتغال بالحانة بينما افكر في شكلي عن راهبة ، وضللت هناك افكر حتى ضللت طريقي الحقيقي تسلل بعض الخوف عن مصيري لترتعش يدي بشكل تلقائي ، صوبت بصري نحو الحائط لألمح أنا ساعة تشير نحو التاسعة مساء ، اعترتني رغبة كبيرة بالخروج فجأة و قررت هذه المرة امتثال لها لكن قبل أن أخرج حملت حبر و عدة أوراق ، نزلت اجري بخفة من الدرج فسرعان ما واجهتني برودة الجو اشحت بصري عن النهر لأستدير نحو شرق المدينة هذه المرة لم امشي طويلا ولم اسلب الكثير من الانظار لأن شرق المدينة مليئ بالحانات لذلك كل ما يوجد هنا هم بعض السكيرين و بائعات هوى ، عند اجتيازي لنقطة محددة وبعد ان جاءت ببالي ان لم يتبقى الكثير عن المكان المتوجهة نحوه اخدت اركض بسرعة كبيرة ولم اتوقف الا عند وصولي المكان المحدد استغرقت مدة في النظر حولي كنت أمام النهر و الشجر يحيط بي الجو منعش قليلا لكنه لم يستطيع التخفيف عن بؤسي اضطجعت الأرض بينما القي كل ما احمل ارضا اخدت ورقة من مجموعة الأوراق و حبرا بينما أكتب بينما الأشجار المظلمة تصدر اصواتا مخيفة و مريبة مع كل هبة ريح ، قبل أن اهيم تماما في ما اكتب غير واعية عن ما حولي ( عزيزي المجهول كيف حالك ؟ هل تمضي الأيام معك بخير ؟ اتمنى ان تكون افضل حال مني ، لو كنت هنا سأخبرك عن آسفي تام و سأعترف بخطئي سأقول انني خاطئة بينما احضنك لكنك لست هنا ، هل تتذكر عندما كنا نلتقي عند الهضبة خارج مدينة ولا احد يعرف بموقعنا غير السماء و اوراق تشرين بينما تسترق النظر الى وجهي و تخبرني عن انك كم تحبني ، اتمنى لتلك ليالي ان تعود لتأخدني إلى بر الأمان ، عزيزي لقد فقدت الأمان عندما غادرت أنت ، سألني الناس كثيرا عنك قلت لهم انك مسافر كي لا اتلقى اللوم ، عزيزي انه اخر أيام الصيفية وانت لم تأتي بعد ، هل ستكون هنا عندما تهطل الأمطار ام ستعود بعد دهر من الآن ، قد تسأل عن حالي ، عزيزي انا لست بخير تماما افتقدك بشدة ، أريدك ان تعود ، كانت الأيام قاسية علي تماما لذلك كنت اختبئ في بعض من ذكرياتنا القديمة موجودة في قلبي ، عد ارجوك عد ولا تنسى قصتنا كفاك سفرا و غيابا في غيابك نقصني كل شيء" انتهيت من كتب الرسالة رقم 20 منذ مغادرته بعدها رفعت رأسي إلى السماء لأشاهد القمر بينما أخاطب نفسي بصوت مرتفع قليلا " أيها القمر ايمكنني ارسال قلبي لك لكي تشفيه من اجلي" كنت فاقدة احساس الشعور بالواقع ولم انتبه لذلك الغريب الذي اقتحم محيطي و اقترب مني.

apocalypseحيث تعيش القصص. اكتشف الآن