{وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنطَلِقُ لِسَانِي(13)} الشعراء.
**
"أهلا بكِ في منزلك الجديد يا صغيرة"
تردد صدى ما قاله داخل عقلي كزلزالٍ حطم آخر ثباتٍ كان لديّ... أنا أصبحت أخاف من كلمةِ منزل! لم أعد أريد منزلاً فقط أتركوني وشأني.
كنت أغرق داخل شيءٍ ما... أغرقُ داخلي ولا عِلم لي ماذا يقول ذلك الرجل ولم ينتشلني من هذا الغرق سوى صوت صرير صدر من الباب الحديدي المهترئ الذي أقف أمامه. رفعت بصري وياليتني لم أفعل، المكانُ كان مظلماً للغاية وما أقصد به مظلم هو أن عيناي آلمتني من شدة الظلام وهناك روائح مقززة جعلت من معدتي تضطرب طالبةً إفراغ ما فيها...لكنها بالفعل فارغة.
أنا خائفة، بل مرتعبة...قلبي يخفق بشدة وبالكاد أشعر أنني أتنفس، جسدي يرتعش والبرد يزحف نحو دواخلي ببطء.
لم أنتهِ من استيعاب مشاعري حتى جُذبتُ مرةً أخرى من قِبله إلى داخل الحجرة، فلم يكن مني سوى أنني صرختُ وقاومتُ بجسدي الهزيل، لكن لا فائدةً تُرجى... فالمعادلة كالآتي طفلة خائرة القوة ولم تأكل منذ يومين ورجلٌ بالغ، النتيجة هي مئة للرجل مقابل لا شيء للطفلة.
لم يتوقف صراخي حتى عندما شعرتُ بحرارة كفِّه فوق وجنتي الصغيرة."أصمتي ستحتاجين صوتكِ بعد قليل يا صغيرة"
أنا خائفة... أنا خائفة... أنا خائفة... أنا خائفة... أنا خائفة.
لا أستطيع تمييز أي شيء من حولي، فكل اتجاهٍ أنظر إليه مظلم، وكأنني فقدت نور عيني. وتلك الرائحة أزكمت أنفي... الخوف شل حواسي كلها، فلم أعد أعرف من أين يأتي صوت ذلك الرجل، وحتى كلماته لم أعد أستطيع ترجمتها داخل عقلي. كان يستمر في جذبي بقوة وانا أحاول التركيز لأشعر بما يحيطني لكن كل ما شعرت به هي تلك البرودة التي تنبعث من الكرسي الحديدي الذي أجلسني فوقه عنوة، ساحبًا كلتا ذراعي الصغيرة إلى الخلف، مقيدًا إياها بشيء بارد، وكأنها أغلال من الحديد المتجمد.
"ماذا حدث أين هو صوتكِ أطربيني به! "
بالكاد كنت استطيع التقاط أنفاسي، أغمضت عيني حاجبةً عنها الظلام الموحش ألتجئ إلى عتمة اجفاني الدافئة.
" لابأس سنرى كم من الوقت ستحتملين الأمر دون أن تصرخي..."
سمعت صوت خطواته تبتعد ثم تعود مجدداً ببطء.
"سأهديكِ هدية صغيرة قبل ذهابي"
كنت أنتظر منه أن يهديني قطعةً من الحلوة فهذا ما كان يفعله أبي كل مرة يقول فيها أنه سيهديني هدية صغيرة، ومجرد التفكير بأنني سأتناول الحلوة جعل دموعي تتوقف وعيناي تنفرج والإبتسامة ترتسم فوق شفتي من جديد...