الفصل الأول

842 40 3
                                    

نوفيلا وعادت الذكرى
يا ألمًا مزق فؤادي إربا
ياعشقًا دمر حياتي وجعلها خربا
كنت حبيبًا أنطق إسمه طربا
تركت لك وجداني فعلمتني الأدبا
ذهبت بعيدا أبحث عنك بين كل صوب وحدبا
لما عدت تسحب معك الذكرى تتوقع مني الرحبا
لا لن أرحب بمن شق قلبي ولم يراع يوما قربا
خواطر
سلوى عليبه
الفصل الأول
هل تعطينا الحياة مانريد يوما؟ أما أنها دائما ما تختبرنا بقسوة، لقد اختبرتني الحياة مرارًا ولكنها ابدا لن تستطيع كسري؛ فسأظل أقاوم وأقاوم وسأقف ضد تيار حياتي حتى أستعيد قيادة سفينتي وأرسوا بها لبر الأمان مهمًا تطلب الأمر من تضحيات.
تهرول بطريقها حتى لا تصل متأخرة على عملها الذي التحقت به من شهور قليلة بعد توصية صديقتها فاطمة والارز تعمل بالشركة منذ سنين.
فتلك هى "إلما" فتاة جميلة تتمتع بجمال هادئ بعيناها البنية ووجهها القمحي المستدير والذي يزينة حجاب يتماشى مع ملابسها الأنيقة العصرية المكونة من تنورة أنيقة من الچينز يعلوها كنزة صوفية لتتوافق مع ذلك الطقس الشتوي القارص، مما يعطيها مظهرا جذابا أنيقا ومحتشم.
وصلت لمكتبها قبل الوقت بخمس دقائق. نظر إليها زميلها قاسم وقال بإبتسامة: مالك جايه تجري كده ليه؟
نظرت إليه بأبتسامة مجاملة: أبدا انت عارف إنى مبحبش أتأخر والنهاردة المواصلات عكست معايا.
إبتسم لها بحب وقال: بس الحمد لله وصلتي على ميعاد الشغل. ثم أكمل بعشق يراه الأعمى: وكمان أنا قلتلك إنى فى ضهرك ومتقلقيش من أى حاجة ممكن تحصل وأنا موجود.
زفرت بهدوء وذلك لٱحترام قاسم إلا أنها لا تريد أن تدعه يبني قصورا من الرمال وستهدمها أمواج الحياة بقسوة.
تحدثنا بحياء وقالت: أستاذ قاسم انت عارف أنى مبفكرش فى أي حاجة دلوقت غير شغلي وبس، وصدقني إنت غالي عليا قووي وعشان كده بقولك إني مش هقدر أضحك عليك.
اقترب من مكتبها بهدوء وقال بحزن: أولا أنا قاسم وبس وثانيا بيه يا إلما ؟ ايه مش عايزة تدي لنفسك فرصة؟
اغرورقت عيناها بالدموع وقالت: إنت عارف إني مريت بتجربة قاسية جداا انتهت بالطلاق وكمان أجهضت إبني وصدقني دلوقت أنا بحاول أستجمع نفسي من جديد، بحاول ألاقي إلما اللى ضيعت طريقها وسط زحمة الحياة وعشان كده مش مستعدة لأي نوع من أنواع الإرتباط وعشان كده محبتش أضحك عليك.
أكملت بحزن: صدقني قلبي خلاص مبقاش فيه مكان لأي حاجة تانيه غير إني أداوي جروحة.
تحدث برجاء: طب خليني أكون معاكي وأساعدك أنك تداوي قلبك وتستعيدي حياتك من تاني.
تحدثنا بخفوت وهى تطأطأ رأسها ارضًا: صدقنى حاولت مرة إنى أخلي حد يداوي جروحي فكان هو أول واحد زود جرحي ودمرني بزيادة وعشان كده قررت أداوي نفسي بنفسي.
أبتسم بألم وقال: أنا طبعا هحترم رغبتك، بس هيفضل جوايا أمل إنك ممكن تفكري وتغيري رأيك وصدقينى بعد كلامك ده إحترامي ليكي زاد وكمان تمسكي بيكي زاد.
زفرت بألم على ذلك الخلوق والذي لا تجد به عيبا واحدا فهو وسيم بملامحه البيضاء ووجهه المستدير وعيناه البنية وشعره الحريري المائل للإصفرار وجسده المتناسق ويزيد عليه أنه مهذب ويصلي ولا يقترب للسجائر أبدا ولكن ماذا تفعل بندوب روحها، فعليها أولا أن تداويها حتى لاتظلم شخصًا آخر معها فيكفيها ظلما لنفسها.
إنتهى يوم عملها فى الثالثة عصرنا وقفت بإنتظار صديقتها فاطمة والتى تعمل بالسكرتارية.
أتت فاطمة وهى إبتسم بشدة وتقول: أه ياندله مفوتيش عليا ليه النهاردة فى الإستراحة زى كل يوم.
إبتسمت إلما وهي تقول: كان ورايا شغل كتيير قوووي  وماصدقت إنى أخلصه فمعرفتش أطلعلك.
إتجها للخارج حتى يستقلان الحافلة المتجهة لمنطقتهما السكنية.
ففاطمة وإلما أصدقاء منذ الصغر حتى انهما التحقا بنفس الجامعة ونفس الكلية كلية التجارة ولكن إلما تزوجت من ابن عمها عبدالله بعد التخرج مباشرة فلم تعمل، أما فاطمة فالتحقت بالعمل بتلك الشركة بعد توصية إبن خالها والذى كان صديقا لشخص يعمل بها فالتحقت بقسم السكرتارية وتزوجت من ابن خالها ذلك ومازالت تعمل حتى الآن.
أما إلما فوقع الطلاق بينها وبين ابن عمها بعد وفاة أبيها بعدة أشهر فعادت مرة أخرى خالية الوفاض فساعدتها فاطمة بالإلتحاق بالحسابات فى الشركة التى تعمل بها خاصة عندما أعلنوا عن احتياجاتهم لمحاسبين جادين بعملهم، فساعدها زوجها وتوسط عند صديقه حتى قبلوها بالعمل والحق يقال فهي عملت بجد وأثبتت مهارتها وجديتها  بالعمل في بضع أشهر وفقط.
وهي الآن تعيش مع والدتها مرة أخرى خاصة بعد ان تزوج جميع أخوتها.
مرت الأيام وهي على نفس الحال لا يوجد جديد بحياتها، فصباحا هي بعملها وتعود منه لمراعاة والدتها والتى أنهكها المرض خاصة بعد وفاة رفيق دربها ونصفها الآخر، ومما جعل الحزن يتمكن منها هو طلاق إبنتها من أبن عمها والذي لم يراع أي صلة دم بينهم، بل إنها قد تفاجأت بمعاملته الغير آدمية لإلما والتي لم تكن تخبرهم بشئ حتى لا تكون سببًا لصراع عائلي وتفرقة بين أبيها وعمها.
شعرت بالذنب تجاه إبنتها خاصة وهي من إستغلت حالتها النفسية السيئة لإقناعها بزواجها من ابن عمها.
ولهذا فقد قررت ألا تضغط عليها مرة أخرى حتى لا تقع بنفس الخطأ، فشجعتها على العمل رغم إعتراض إخوتها الرجال بحجة أنها ستعيش وتأخذ معاش والدها  ولا يوجد داع لعملها بعد أن أصبحت مطلقة.
ولكنها رفضت وبشدة وأخبرتهم أنها ستتركها تعمل حتى تحاول أن تداوي جراحها ويكفي ما قد حدث معها.
نزل الجميع برغبة الأم وبدأت إلما بالخروج لسوق العمل ونجاحها بعملها جعلها تشعر بالراحة ولو قليلا وأنها بطريقها الصحيح.
مرت عدة أشهر أثبتت إلما نفسها بعملها، حاول قاسم التقرب إليها أكثر من مرة ولكنها كانت ترفض بهدوء وخجل.
رن هاتفها الخلوي فالتقتطة بإبتسامة وهى تقول: أيوة ياستى الناس اللى مشغولة عننا دي ومش عارفين نشوفها.
.............................
فتحت فمها بذهول لما سمعت وهى تقول: بجد طب ليه كده وياترى مين هيجي مكانه.
..................
معقوله لسه متعرفيش يافطوم برضه. على العموم ياستى خلصي براحتك وانا هستناكي ونروح سوا.
أغلقت الهاتف فسألها قاسم بفضول : هو فيه حاجة ولا ايه.
أجابته باندهاش: تخيل مستر إيهاب المدير ساب الشغل عشان مسافر أوروبا وهيشتغل هناك وبلغهم من يومين بس ومحتاسين ومش عارفين مين هيجي مدير مكانه.
هز رأسه بإستنكار وقال: غريبة يعني، بقى هو مكانش يعرف انه مسافر غير من يومين.
استغرفت بالتفكير قليلا وقالت: الصراحة أنا مكنتش برتاحلة وحاسة  انه عمل كده مخصوص عشان يحط الشركة فى ورطة.
أمن على كلامها وقال: تصدقي عندك حق، أنا لما كنت بروحلة بالحسابات كنت بحسه عايز يطلع أى غلطه وخلاص وساعات كان بيقف على حاجات مش مستاهلة.
أكمل بلا مبالاة: يالا احنا كده كده شغلنا معروف وملناش دعوة باللى بيحصل المهم شغلنا مظبوط مهما كان مين المدير.
أومأت بتأكيد : أيوه طبعا.
مرت عدة أيام لم يحدث بها اي جديد غير أن الجميع يتساءل من سيأتي لشغل ذلك المنصب والذي يطمع به الكثيرون خاصة وأن مالك الشركة الرئيسي ليس مقيمًا بمصر، بل إن ذلك فرع من ضمن الأفرع الكثيرة لتلك السلسلة الضخمة من الشركات.
تجلس إلما بمكتبها وهي منهمكة بعملها على الحاسوب النقال حتى ناداها قاسم وقال: إيه يا إلما من ساعة ماجيتي وانت مشغولة فيه إيه؟
رفعت رأسها بإرهاق وهي تقول: بحاول أظبط الاحصائية بتاعة الشهر اللى فات عشان عندي إحساس كده إن لما المدير الجديد يجي هيطلب كل الأوراق الخاصة بالشغل وخاصة الحسابات فى الفترة الأخيرة.
نهض مرة واحدة وقال: هروح أجيب قهوة ليا وليكي ونكمل اللى ناقص كله ومتقلقيش أنا مراجعهم كذا مرة والحمد لله الشغل مظبوط، وكمان متنسيش ان لازم الورق يتراجع ورانا من مدير الحسابات نفسه.
تمام وانا هكلم فاطمة وأشوفها فاضية ولا ايه عشان استراحة الغدا.
هكذا أجابته إلما بهدوء.
إتصلت على فاطمة والتى أجابتها على الفور.
أيوه ياست فاطمة هاه هتنزلي نتغدى ولا أطلعلك.
............................
يعنى ايه مش هينفع تنزلي ولا ينفع أطلعلك؟
................... ... .
مالك يابنتى حاساكى كده قلقانه! هو المدير الجديد وصل ولا إيه؟
............
لا طبعا وانا هيوصلني عنه أخبار منين يعني غير منك يافالحة.
................
خلاص، خلاص انا هتغدى فى المكتب مع القهوة اللى هيجيبها قاسم وخليكي انتي فى شغلك مادام مضغوطة كده.
أنهت المكالمة وأخرجت ما معها من "ساندوتشات" لكي تتناولهم حتى تتابع عملها .
دخل عليها قاسم وهو يقول بحماس: مش المدير الجديد وصل والدنيا مقلوبه بره.
رفعت نظرها إليه وهي تقول بإستغراب: غريبة يعني فاطمة مقالتليش مع انها كانت معايا على التليفون، بس أنا حسيتها مرتبكة مش عارفه ليه؟!
وضع قدح القهوة أمامها ثم اتجه لمكتبه وهو يقول: شكله شديد وجد، بس عموما احنا ملناش غير شغلنا وبس.
انتهى اليوم كالعادة و انتظرت إلما صديقتها فاطمة والتى أتت وهي تبتسم بوجهها ورغم ذلك شعرت إلما بوجود خطب ما.
مالك فيكي أيه؟ حاساكي كده زي مايكون متضايقة من حاجة.
هكذا سألتها إلما بقلق.
أجابتها بمدارة : لا أبدا، بس كل الحكاية إن الشغل متعب النهاردة.
سألتها إلما بإستغراب: أه صحيح إنت ليه مقولتليش إن المدير الجديد وصل.
إبتلعت فاطمة رمقها وهي تقول: أبدا بس من ساعة ماجه وهو بيؤمر ومبطلش طلبات لغاية ما تعبت، فنسيت أقولك من ربكتي وانشغالي.
أمسكت يدها وقالت: يالا يالا عشان نروح الواحد ماصدق إنه خلص شغل أصلا.
ذهبتا كالعادة لمنزلهما رغم شعور إلما بوجود خطب ما بفاطمة ولكنها دائما ما تقول أنه لايوجد شيئ بها.
وصلت إلما لمنزلها لتجد أخيها الأكبر يجلس مع والدتها.
ألقت السلام وجلست معهم وهي تشعر بوجود كلام داخل فم أخيها والذي صدق حدسها حيث قال:
فيه عريس يا إلما شافك وعايز يتقدملك.
وقفت بغضب وهي تقول: بس أنا قلت إني مبفكرش فى الموضوع ده خاالص، أنا خلاص جربت حظي ومش ناوية أعيد نفس المأساة تاني.
وقف أخيها بغضب هو الآخر وقال: يعني إيه؟!
هتفضلي من غير جواز، وكمان ماتشوفيه يمكن يعجبك، الراجل مفيهوش غلطة وظروفه زي ظروفك هو كمان مطلق وعنده إبن عايش مع مراته.
صرخت بشدة: إنتوا ليه مصممين على جوازي، هو أنا تعباكوا قووي كده، حرام عليكوا انتوا معشتوش اللى أنا عشته، ولا شفتوا اللى أنا شفته، إرحموني بقا حرام عليكم.
أشفق أخيها عليها وأخذها بين ذراعيه وهو يهدهدها ويقول: صدقينى ياحبيبتي انا خايف عليكي، خلاص مش عايزة تتجوزي بلاش أنا آسف مش هفتح الموضوع ده تاني.
أجهشت بالبكاء داخل أحضان أخيها عندما تذكرت ماحدث لها على يد الملقب بزوجها السابق والذي للأسف يكون بن عمها.
كانت والدتها تنظر إليهم وعيناها تذرفان الدموع على حال إبنتها، فهي حاولت إثناء إبنها عن الحديث معها بهذا الموضوع ولكنه صمم عليه وقد حدث ماحدث.
لم يتركها أخيها حتى هدأت وابتسمت حتى لاترى تلك النظرات بعين والدتها وهي نظرات الحزن والذنب معًا.
دخلت لغرفتها بعد أن استعدت للنوم، تسطحت على تختها وهى تنظر لسقف الحجرة وعيناها تذرفان الدمع وتقول: للأسف قلبي انكسر واتفتت ومبقاش فيه حته سليمة ممكن تحاول مع أي حد تاني.
أتى الصباح وهو يحمل بين طياته الكثير والكثير، فالقدر يعطينا دائما فرصًا أخرى ولكن هل سنستغلها أم سنتركها تمر من بين أيدينا كما تمر المياه ولا نقدر على الإمساك بها.
تقابلت كالعادة هي وفاطمة والتي أخبرتها أنها هي من ستنزل لها فى الاستراحة ولا داعي لصعودها إليها حتى لايغضب عليهم ذلك المدير الجديد.
دخلت مكتبها وبدأت بإنهاء عملها حين دخل عليهم مستر شريف رئيس الحسابات وهو يقول: قاسم ، إلما ياريت تحضرولي كل الإحصائيات والورق اللى يخص آخر صفقات خلال الشهرين اللى فاتوا عشان سيادة المدير عايز يراجعهم.
أجابته إلما بثقة: حضرتك كده كده كنا بنراجعهم قبل مانبعتهم لحضرتك.
أومأ برأسه وقال: تمام، نص ساعة ويكونوا على مكتبي عشان عندي إجتماع مع المدير كمان ساعة.
سأله قاسم: هو إحنا هنحضر الإجتماع يامستر ولا إيه؟!
أجابه شريف بلا مبالاة وهو بطريقه للخارج: لا، بس لو احتجنا أى توضيح ممكن ساعتها نبعتلكوا.
كان العمل على قدم وساق وبالفعل انتهوا من مراجعة كافة العقود والأوراق وذهب بها قاسم لمستر شريف والذي أخذهم ضمن أرواق كثيرة لذلك الإجتماع.

بمكتب أنيق بالطابق الرابع تجلس فاطمة على مكتب السكرتارية وهي تتابع عملها بوجه متجهم حين رن هاتف المكتب ليستدعيها المدير فى طلب ما.
دخلت فاطمة وهي تقول بجدية: أفندم حضرتك.
نظر إليها وهو لا يعلم لمٓ هي متجهمة هكذا وقال: ياريت تبعتي لموظفين قسم الحسابات لأن محتاجهم يوضحولنا كام نقطة فى الورق.
شعرت فاطمة وكأن الأرض تميد بها وقالت بخفوت: تمام هبعت لأستاذ قاسم على طول، بس بلاش إلما أرجوك.

وعادت الذكرىحيث تعيش القصص. اكتشف الآن