الفصل الثالث
ومال لقلبي كطفل يشتاق لقطعة من الحلوى فيذهب لشراءها فرحًا وبعد أن يلتقطها بيده يتذكر أنه لايجوز أكلها فهو مريض بالسكري؛ فها أنت لي كقطعة حلوى أشتاق إليها ولكن فى قربها دماري ورغم هذا يظل إشتياقي لها يزداد طوال العمر.
تقابلت مع فاطمة صباحا بعد أن اطمأنت عليها بالأمس، لم تتحدث ولم تقطع فاطمة صمتها بل احترمته وبشدة. وصلتها للعمل وذهبت كلا منهما بطريقها إلا أن تحدثت إلما وقالت: هتنزلي ساعة الإستراحة نتغدى سوا ولا أطلعلك.
نظرت إليها بعدم إستيعاب وقالت: هتطلعيلي عادى يعني.
نظرت لعيناها وقالت: أنا مش نعامه هدفنا راسي فى الرملة وكل جسمي ظاهر، وكمان مانا قابلت عبدالله هو ومراته وسلمت عليهم كمان.
اقتربت منها فاطمة وقالت: بس عبدالله غير بسام يا إلما.
إبتسمت إلما بحزن وقالت: صدقيني كل واحد فيهم جرحني بطريقة مختلفة عن التاني، بس فى النهاية كلها جروح وألم ولازم أواجه.
أومأت فاطمة وقالت: تمام، بس أنا اللى هنزل ماشي وكمان عشان أحكيلك على اللى خلدون عمله لما عرف إني حامل.
شعرت إلما بالسعادة لذلك الخبر والذي طال إنتظاره من صديقتها فزوجها خلدون كان يعاني من بعض المشاكل الصحية وكان يداوم على العلاج.
إقتربت من صديقتها وقالت : وعشان الخبر الجميل اللى هون عليا اللى حصل ده انا اللى هطلعلك عشان متتحركيش كتير يا أم جلمبو انتي.
افترقتا الصديقتان، ذهبت إلما لمكتبها مع قاسم والذي هب واقفًا عند رؤيتها ليسألها عن صحتها كيف أصبحت، خاصة وهي قد كانت أغلقت هاتفها عند وصولها لمنزلها حتى لاتتحدث مع أحد إلا تلك الفاطمة والتي اتصلت على والدتها مراراً.
اعتذرت لمستر شريف عما حدث وتفهم موقفها خاصة وأن وجهها مازال شاحبًا فتأكدت لديه نظرية مرضها.
أما عند بسام فكانت فاطمة تتعامل معه بجدية شديدة وبما أنها محترفة بعملها فهي لم تقصر به أبدًا ورغم هذا تتعامل معه ببرود وعدم تقبل تأكد منه بعد تكرر الكثير من المواقف مما جعله متيقنًا أن فاطمة تعلم ماحدث منه مسبقًا.
زفر بشدة وهو يراجع بعض الأوراق، فهو لايستطيع أن يكون بنفس المكان معها ولا يراها، كان يشتاق لها مرارًا فكان يخرج تلك الصورة الوحيدة والتي أخذها لها بالجامعة دون أن تعلم لرفضها الشديد لذلك الأمر.
أما الآن فهو يشعر بها، بوجودها، بدقات قلبها تحاوطه فكيف له أن يتخطى ذلك الأمر.
كان يجلس صديقه ونائبه هشام والذي يراجع هو الآخر بعض الأمور ولكنه أبدًا لم يغفل عما يحدث لصديقه.
فقال بمكر: روحلها.
رفع رأسه وقال بإندهاش: هي مين؟
ابتسم بسخرية وقال: مامتك طنط إبتسام، مش إنت مزعلها برضه وعشان كده إنت مش على بعضك.
نظر إلى صديقه بقوة وقال: عايز إيه ياهشام بالظبط، قول اللى عندك لأني عارفك.
نهض هشام بقوة وقال: إنت غبي، لا مش غبي؛ إنت أغبى إنسان أنا شفته بحياتي كلها.
وقف هو الآخر بعصبية وقال: أنا مش غبي، مش غبي، بس اللى كان لازم يحصل حصل وخلصنا.
ناظره هشام بتحدٍ وقال: لا مخلصناش، عشان إنت مش قاعد على بعضك وإنت عارف إنها معاك فى نفس المكان، لو كنا خلصنا بجد مكنش وجودها يأثر فيك كده، مكنتش لغاية دلوقت واقف محلك سر مكانك ومش راضي تقرب من أي بنت تانيه غيرها.
بحبها يا أخي، ارتحت.
هكذا رد عليه بسام بغضب.
صمت هشام ولم يرد وتركه ليخرج ما بداخله فأكمل بحنين وحزن: بحبها ومحبتش حد غيرها ومش هحب.
جلس على مقعدة بقوة وقال: هربت بعيد عنها وبيني وبينها بلاد وبرضه منستهاش، بالعكس حبها زاد فى قلبي وكنت متابع أخبارها لغاية ماعرفت إنها إتجوزت ، ساعتها أجبرت نفسي معرفش حاجه عنها تاني رغم حرقة قلبي ونار الغيرة اللى ولعت فيه.
ضغط بشدة على قبضة يده دليلا على انفعاله وأكمل: طول السنين اللى فاتت وهي مراحتش من بالي، بس كملت وعشت وحبها الحاجة الوحيدة اللى مخلياني مكمل.
رفع رأسه لصديقه وأكمل بدموع فزت عيناه: بس إنها تكون معايا ومش قادر أشوفها أو أكلمها هو ده الموت بالنسبة ليا ياهشام ، وكمان زمانها دلوقت مش عايزه تشوفني ومبتكرهش فى الدنيا قدي.
إبتسم هشام وقال: طب ولو قولتلك انها لسه بتحبك.
نهض من مكانه مسرعا واقترب من عشان وأمسك كتفيه بلهفة وقال: بجد، طيب مين قالك؟ يعني عرفت إزاي؟ قول بقا فيه إيه؟!
ضحك هشام بقوة وقال: هو انت عاطيني فرصة أتكلم أصلا، بص ياسيدي .
وقص عليه ماسمعه من إلما وفاطمة بالأمس؛ فهو قد إستمع لكلامهما بالمصادفة.
تألم بسام لسماعه كلمات إلما وقال: بس إيه الجديد يعني ياهشام، المشكلة لسه موجوده وأنا مش عايز أظلمها معايا.
صباح به هشام بغضب: يا أخي إرحم نفسك وإديها فرصة وعرفها إنت ليه سيبتها زمان وإنك عشان بتحبها قووي قررت تبعد مع إني مكنتش مع قرارك لو كنت فاكر وقتها.
رد عليه بتخوف: ولو رفضت، انت متخيل لو رفضت هيحصل إيه؟ على الأقل أنا دلوقت عايش على حبها، مش عايز أتصدم.
إقترب منه هشام وربت على كتفه وقال: صدقني يا بسام أنا متأكد انها بتعشقك وهتتقبل اللى حصلك بسهوله، وكمان ماهو انكوا تبقوا مع بعض فى مكان واحد بعد كل السنين دى لها معنى وكمان تلاقيها مطلقة، يعني كل الأمور ميسرة.
تحدث بحزن:
-جرحتها.
- هتسامح.
-كسرت قلبها.
-قرب وصلح اللى اتكسر.
_خايف تبعد عني.
-عافر لغاية ماتخليها تقرب منك.
-خايف.
- حبك ليها يقويك مش يخوفك.
تركه هشام وذهب لعمله ولكنه أبدًا لايعلم ماذا فعلت به كلماته، جعلته يفكر بكل ماحدث له ولمَ تركها مجبرًا، وكيف ساءت حالته النفسية بعد إبتعاده عنها.
أتى وقت الإستراحة وصعدت إلما رغم تخوفها لفاطمة والتي وجدتها تجلس على مكتبها وكأنها تائهة.
اقتربت منها وقالت: مالك يا ام جلمبو فيه إيه؟
إبتسمت بارتباك وقال: هاه مفيش حاجة، يالا عشان ناكل.
فتحوا الكثير من المواضيع حتى قالت فاطمة مرة واحدة: إلما هو فرضا يعني إن بسام كان فيه ظروف صعبه هي اللى بعدته عنك، ساعتها ممكن تسامحيه؟
أجابتها إلما بإستغراب: ايه السؤال ده يا فاطمة؟
زفرت فاطمة بهدوء وقالت: لا أبدا يعنى جت فى بالي فقلت أسأل بس يعني.
تحدثت إلما بحزن وقالت: لو فعلا ده حصل كان المفروض يثق فيا ويقولي ظروفه وساعتها يسيبلي حرية الإختيار مش يكسر قلبي وتقوليلي ظروف.
سألتها فاطمة بإهتمام: طب فرضا هو حكالك مثلا ان فعلا عنده ظروف قهرية تخليه يبعد عنك أو مثلا إنه بيخيرك تفضلي معاه فى ظروفه، ساعتها هتعملي إيه؟
أجابتها إلما بصدق: صدقيني يافاطمة مهما كان حصل كنت هختاره هو مش حد تاني وكنت واجهت أي ظرف معاه مهما كان قاسي، لأن ساعتها بس كان هيبان قوة حبنا وتمسكنا ببعض، وكمان لو اللى بيحب حد موقفش جنبه فى ظروفه وأزماته هيقف جنبه إمتى يعني.
وقفت إلما بعد ان إنتهت من طعامها وقهوتها وقالت: يالا أنا نازله عشان أخلص شغلي ونتقابل واحنا مروحين.
إبتسمت فاطمة وقالت: بعد الشغل مش هروح معاكي عشان خلدون جايلى وهنطلع على الدكتور نطمن على الحمل.
بجد، ماشي ياستي بس أنا بقولك أهو تسميها إلما لو هي بنوته يا إما هموتك. هكذا أجابتها إلما بمرح.
ردت عليها فاطمة هي الأخرى: وأهون عليك يا حسب الله.
ضحكت إلما بقوة هي وفاطمة ولا تدرى شيئا عمن يناظرها بعشق زاد أضعاف ومعه زاد اشتياقه.
اقترب منهم وهي لم تأخذ بالها منه بعد.
تحدث بإشتياق: ازيك يا إلما.
استدارت بقوة لتجده أمامها بهيئته اللتي طالما جعلت قلبها يدق مرارا ومرارا.
إبتلعت رمقها واستدارت مرة أخرى لفاطمة وقالت بخفوت: سلام بقا يا فطوم، أنا نازلة أشوف شغلي، الاستراحة خلصت خلاص.
مرت بجواره دون أن تحمل حتى عناء الرد عليه وكأنه غير موجود بالمرة.
رفع صوته قليلا وقال بحزن: طب ردي حتى عليا السؤال، حتى لو بالغصب.
استدارت إليه وقالت بغضب: أنا مبعملش حاجة غصب عني ولو مش عايزه أرد مش هرد ماشي.
أبتسم بعشق مما جعل قلبها ينتفض من مكانه وقال: لسه زي مانتي، أقل كلمه تنرفزك وتعصبك.
اقترب منها وقال بحنين: متغيرتيش يا إلما، لسه بريئة ونقية وأي حد يقرأ اللى جواكي.
إغرورقت عيناها بالدموع ولكنها كانت دموعُ أبية رفضت النزول وقالت: لا يافندم أنا اتغيرت واتغيرت قوي كمان، اللى قدامك دي انداست واتغدر بيها واتخانت من أقرب الناس ليها.
اللى قدامك دي جربت الحب فقتلها وجربت جواز العقل فكمل عليها، لدرجة انى خلاص مبقاش عندي ثقة فى حد. فياريت تنسى إلما بتاعة زمان اللى انت اول واحد رشق سكينته فى قلبها.
تركته وهرولت بالنزول حتى لايرى دمع عيناها، أما فاطمة فنظرت إليه وقالت بتساؤل: ليه أنا شايفه فى عيونك حب كبيير ليها؟
نظر إليها وقال دون مواربة: لأنى بحبها ومحبتش غيرها.
أكملت تساؤلها وقالت: طب ليه عملت كده؟
نظر إليها ودخل مكتبه دون كلام.
جلست هى على مكتبها وهي تقول: لاااااا الموضوع كده كبيير ولازم أفهمه.
إنتفضت من مكانها حين استمعت لصوت قريب يقول: هو ايه اللى كبير يامدام فاطمة.
إبتلعت رمقها وهي تقول: حرام عليك خضتني يامستر هشام.
ضحك بقوة وقال: المهم سيبك انتي، أنا سمعت كل حاجه ولازم نساعدهم.
زفرت بقوة وقالت: أنا لولا سمعته بوداني وهو بيقول أنه بيحبها مكنتش صدقت وعشان كده وافقت على إني أساعدهم. بس برضه عايزه أعرف ليه هو بعد عنها.
تحدث بجديه وقال: هو اللى لازم يحكيلها يا مدام فاطمة، لأنها لما تسمع منه ممكن تعذره، خاصة أنها لسه بتحبه وهو كمان متنيل بيحبها وعمره مانسيها لحظه.
مرت ثلاثة أيام لم تلتق إلما ببسام، فهي كانت تتعمد ألا تراه أبدا، حتى جاء ذلك اليوم الذى استدعاها به مستر شريف ليراجع معها بعض الأوراق المطلوبة منه على وجه السرعة.
رن هاتف مكتبه وهو يعيد مراجعة الأوراق.
فالتقطه وقد استمع لما يقال ورد باختصار : تمام، ثواني يافندم وهبعته مع مدام إلما حالا، احنا كنا بنراجع فيه دلوقت.
انتفضت إلما من مكانها وقالت: ماتبعتهم يامستر شريف مع قاسم واهو كان بيشتغل معايا فيهم ومراجعهم معايا قبل كده.
نظر إليها شريف وكأنها برأسين وقال: مالك يا إلما فيه إيه؟! عمري ماعرفت عنك أنك بتكسلي عن شغل أو بتعتذري.
تراجعت بخجل وقالت: آسفة يامستر شريف، حضرتك عندك حق، أنا هطلع بالورق وأشوف مستر بسام لو محتاج حاجة تانية.
أخذت الأوراق المطلوبة وقلبها يرتجف من ذلك اللقاء، ستظل قوية، لن تضعف، لن تسامح، هكذا كانت تردد بينها وبين نفسها حتى وصلت المكتب فاطمة والتي عندما وجدتها قالت بإندهاش:
هو انت اللى جاية بالورق؟
أومأت دون كلام ففتحت فاطمة بالا حجرة المكتب لتدلف إلما للداخل بشموخ وكبرياء رغم عمق ألمها، وارتفاع وجيب قلبها حتى أنها كانت تعتقد أنه يستمع إليه.
تقدمت بعملية تحت نظرات الشوق المنطلقة كالسهام عليها علَّها تشعر بما يدور بداخله هو الآخر.
أجلت صوتها وقالت: الورق اللى حضرتك طلبته يامستر بسام.
أشار إليها حتى تجلس على منضدة الإجتماعات الخاصة بمكتبة دون كلام، وبعد أن جلست سحب المقعد المجاور لها وجلس عليه ببراءة مصطنعة.
انتفضت بغضب وهي تقول: حضرتك الكراسي كتيير، اشمعنى الكرسي اللى جنبي يعني.
أجابها بلا إكتراث: إحنا مش صغيرين يا إلما عشان نتخانق على كرسي.
ثم رفع رأسه ونظر بعيناها وقال بعبث: ولا إنتي خايفة من حاجة معينة.
جلست بجواره على مضض وبدأت بالإجابة على إستفساراته واحدًا الو الآخر بعملية دون النظر إليه، حتى فاجئها بسؤاله: اتطلقتي ليه؟؟
رفعت رأسها لتنظر لعيناه بلوم وعتاب ذبح قلبه، ليسرع بالحديث برجاء: أرجوكي بلاش النظرة دي لأنها بتقتلني.
إبتسمت بتهكم وقالت: النظرة بتقتلك، ده بجد والله، أنت مصدق نفسك.
وقفت مرة واحدة وقالت بدموع: إنت تعرف إيه أصلا عن الجرح والغدر، تعرف إيه عن واحدة نزلت من سابع سما لسابع أرض في أكتر يوم هي فرحانة فيه، تعرف إيه عن واحدة بتتجوز بس عشان لازم تتجوز لأن دي سنة الحياة، أطلقت ضخمة مريرة ساخرة وقالت: قالت ابن عمي أولى ومن لحمي ودمي بس للأسف إتضح إنها كلها شعارات مش موجوده واندبحت لتاني مرة، بس صدقني أنا كده كده كنت ميته فمكانش فارق أي حاجة.
إقترب منها بهدوء ومد يده ليمسك يدها بقوة وهو يقول بدموع تهبط عليها لا عليه: أنا آسف، آسف بجد والله أنا كمان كنت ميت من غيرك ولما عرفت إنك إتجوزتي فقدت الأمل فى الحياة ، بقت حياتي شغل فى شغل لغاية ما وصلت للمكان اللى أنا فيه بس عمري ماحسيت بطعم النجاح ولا الفرح غير لما شوفتك قدامي هنا.
ترك يدها وذهب اتجاه نافذة المكتب بخطًى وئيدة، نظر للخارج وترك عيناه وكأنها غارقة وسط شلال من الدموع، أكمل وقال: أنا مكنتش عايش، حياتي رتيبة ومتعبة، رغم كل اللى حصلي إلا إني حمدت ربنا عليه ومزعلتش.
إستدار إليها وقد هالها هيئته المذرية ودموعة المنسدلة.
أكمل وقال: مزعلتش غير عليكي وعلى اللى حصل ومحستش بقيمتك غير بعد فوات الآوان.
إهتز كيانها بأكمله عند سماعها لكلماته، خاصة كلمة" رغم كل اللى حصلي" كادت أن تسأله ولكن تراجعت رغم رجفة قلبها والتي تخبرها بصدق مشاعره.
لم يمهلها الكثير من الوقت للتفكير واقترب منها بهدوء حذر وقال: أنا عمري ما نسيتك ومقدرتش أحب غيرك ومعرفش إذا كان كلامي ليكي هيغير الواقع ولا لا؛ بس صدقيني أنا ظلمت نفسي قبل ما أظلمك يا إلما.
أنت تقرأ
وعادت الذكرى
Romanceإجتماعي رومانسي تركها بيوم خطبتها وأغلق كل مايتعلق به ليتدمر قلبها فتاتا ويجبرها أهلها للتزوج من ابن عمها ولم تعترض فأي شخص أمامها سواء، ليعاملها بقسوة لحبه وزواجه من أخرى دون علم الأهل، رضخت لأمرها حتى فاض الكيل وقررت طلب الطلاق وبدأت حياتها وعمله...