نركض مبتعدين عن سخافات الحياة ، منقطعين الأنفاس، غير آبهين بوجهتنا، أو إلي أين نحن ذاهبين، كل ما نريده الخروج من شرنقة الظروف المحيطة ، وعندما نري ضوء منبعث من نهاية الطريق يخبرنا بنهاية الألم، فنركض اكثر ولكن في النهاية نكتشف أننا نائمين علي فراشنا ووجهنا مسلط علي سقف الغرفة وما ذلك سوى تخيلات وأوهام ، وأننا مازلنا في نفس العالم ونفس الظروف فتتساقط دموعنا الحبيسة تعطي إنذاراً بالفشل ...... السحيق!!!
بقلمي : نوراناستيقظت بطلتنا " رهف " ذات العقد الخامس والعشرون ، بعيونها البنية الواسعة وأنفها المناسب لوجهها وفمها الممتلئ الوردي وجسدها الممتلئ نسبياً ،، تتألم ممسكة بعنقها وملامح وجهها يبدو عليه الامتعاض وتهتف تخاطب نفسها قائلة :
- آه يانا ياما ، جسمي متكسر علي الآخر ، أنا عارفة ايه اللي مخليني ساكتة علي شغلانة الحضانة ديه ، عيال مقرفة !!!دلفت امرأة عجوز نحيلة تستند علي باب الغرفة الخاصة ب" رهف " وبنبرة آمرة :
- ايه يا رهف كل النوم دا يا بنتي ؟ الساعة بقيت ١٠ بليل وأنتِ محطتيش لقمة في بُقك من الصبح ، كفاية المجهود اللي بتعمليه في شغلك .فركت أعينها وجاوبتها وهي تتثاؤب حتي أصبح صوتها خشن قليلاً :
- هقوم أكل يا تيتا حاضر ، اديني خمساية بس أظبط شكلي وأفرد جسمي لحسن هموت من التعب والله .ثم قالت وهي تتذكر شيئاً :
- هو صحيح في أكل ايه يا تري ؟فجاوبتها الأخري بثقة :
- عدس بجبة !!نظرت لها رهف باستياء وبتهكم :
- الله !!!! ياريتك كنتِ سيبتيني مش عارفة وكنت قومت اتفاجأت أحسنلي .ضربت السيدة العجوز كفاً علي كف من تصرفات هذه الفتاة :
- بت أنتِ!! ما إنتِ لو بتساعديني مكناش هناكل كل يوم عدس ، وكمان امبارح كان عدس أصفر ، فقولت أغيَّر ، غلطت أنا ؟جاوبتها رهف بضيق :
- حقك عليا يا تيتا ، يلا روحي شوفي بقي كنتِ هتعملي ايه!؟بجدية وحزن :
- كدة يا رهف !! طيب ...وقفت رهف و بسرعة بديهة توجهت لجدتها وقامت باحتضانها من الخلف وبصوت رقيق تتراجع عما قالته :
- آسفة آسفة آسفة، أنا كلبة وحيوانة وحمارة كمان ،، أنا بس اليوم انهاردة مكنش قد كدة ،، فتلاقيني باردة شوية ، حقك عليا يا فراولتي يا أحلي حاجة في دنيتي، اللي ملقتش غيرها بعد أبويا وأمي الله يرحمهم ..فقالت السيدة العجوز بمزاح ثقيل :
- ما هما عشان كدة ماتوا ،،، من تصرفاتك الغلسة !!!انقبض صدرها بحزن شديد ، ولكن تماسكت أمام جدتها وقالت بنبرة ضاحكة كاذبة :
- هنبدأ نجرَّح بقي !! أنا بقول أحسن أنزل أطفح العدس بجبة ..وأثناء الحديث قاطعهم رنين هاتفها فقالت جدتها بحزم :
- سيبي الزفت دا من ايدك شوية وانزلي عشان تأكلي ..فقالت بسرعة وهي تركض نحو هاتفها قبل أن ينقطع الاتصال :
- فوريرة !!! هنزل بسرعة جداً بس أشوف مين دا !!أمسكت هاتفها لتجده رقم غير مسجل مسبقاً ، فجاوبته لتجد صوت أنثوي يخبرها بحزم :
- مساء الخير يا فندم ، حضرتك كنتِ باعتة لإعلان شغل من فترة ، عندك ميعاد مقابلة مع أستاذ عمر الجبالي مؤسس الشركة بكرة الساعة ٩ صباحاً ، كل التفاصيل والعنوان هتلاقيها عند حضرتك علي WhatsApp.كادت تتحدث رهف لتخبرها بأن لديها عمل في هذا الوقت ولكن أغلقت الفتاة بوجهها مباشرة بعدما أخبرتها بهذا الأمر ..
فقالت وهي تحدث نفسها :
- ايه قلة الذوق ديه ؟! أنا مش عارفة أعمل إيه طيب ؟ مش هيرضوا يدُّوني إذن في الشغل ... عشان كنت واخدة ٣ أذونات في خلال الشهر دا ....قطعت حديثها جدتها التي تهتف بصوت مرتفع توبخها :
- الأكل هيبرد يا باردة !!! مش هقدر أسخنه تاني ..فقالت رهف وهي تضرب وجهها بشدة :
- يخربيت الأكل علي اللي عايز يأكل .. أنا في ايه وأنتِ في ايه ؟؟؟؟ يارب صبرني ..ظلت تمضغ الطعام بشرود وهي لا تعلم ماذا تفعل حتي قررت أنها لن تذهب لهذه المقابلة الخاصة بالعمل الجديد ........... وهي لا تعلم أنها لتوها قد ارتكبت أكبر خطأ قد ارتكبته في حياتها بأكلمها ...............