1

35 2 5
                                    

في أحد شوارع مدينة "أركان" المزدحمة، حيث تتداخل الأضواء النيونية الساطعة مع الظلال القاتمة التي ترميها المباني العالية، كان الليل قد أرخى سدوله، ليكشف عن عالم مليء بالغموض والأسرار. الشارع كان شبه فارغ، إلا من القليل من السيارات التي تمر بين الحين والآخر، وصوت ضجيج المدينة المستمر الذي يشكل خلفية لمزيج من الأصوات المختلطة: موسيقى بعيدة، حديث هامس بين بعض المارة، وصفير الرياح.

في هذا الجو المشبع بالتوتر، كان حنا يسير بخطوات سريعة. شاب في الثلاثين من عمره، طويل القامة، يتميز بجسده الرياضي ومظهره الذي يعكس مهنته. كان وجهه حاد الملامح، يحمل نظرة ثابتة ومتأهبة، وشاربه الخفيف يضفي عليه لمسة من الجدية. شعره الأسود القصير كان ممشطًا بعناية، ولكن هالات التعب حول عينيه كشفت عن سهر طويل خلف ملفات قضايا معقدة.

بينما كان يسير، كان يمسك بمجموعة من الأوراق في يده اليمنى، أوراق تلمع تحت الضوء المنبعث من أعمدة الإنارة. تلك الأوراق لم تكن مجرد أوراق عادية؛ كانت تحوي أسرارًا غامضة، أدلة قد تغير مسار قضيته الأخيرة، التي بدت أكثر تشابكًا مما اعتاد عليه. وبينما كان غارقًا في التفكير، سمع فجأة صوتًا حادًا يخترق الهدوء.

"توقف! ما الذي تحمله هناك؟"

التفت بسرعة ليرى امرأة تقف على الجانب الآخر من الطريق. كانت تقف بثقة ملحوظة، وكأنها تعرف كل شيء عنه. كانت ترتدي سترة جلدية داكنة، تظهر تحتها قميصًا رماديًا، مع بنطال أسود ضيق وحذاء جلدي يلمع في الضوء الخافت. شعرها البني المموج كان يتدلى على كتفيها بشكل فوضوي لكنه جذاب، وقبعتها العريضة كانت تغطي جزءًا من وجهها، مما أضفى عليها مظهرًا غامضًا. عيونها الخضراء كانت تلمع بتحدٍ، وكأنها تحدق مباشرة في روحه.

"من تكونين؟" سأل حنا بصوت مشدود، متوترًا وهو يحاول تحليل الموقف بسرعة.

"دعني أكون أنا من يسأل الأسئلة هنا." قالت المرأة وهي تتقدم خطوة نحو حنا. "ما الذي تمسكه في يدك؟"

"أوراق... أعمل عليها، هذا ليس من شأنك." رد حنا بنبرة حاول أن يجعلها حازمة، رغم أنه شعر بأن هناك شيئًا غير طبيعي في هذه المواجهة.

اقتربت المرأة أكثر، حتى أصبحت على بعد خطوات قليلة منه. كانت ليلى، وهي هاربة معروفة للسلطات، شديدة الذكاء والدهاء، متخصصة في التلاعب بالمعلومات والحصول على ما تريده بأي وسيلة. حنا سمع عنها من قبل، لكن لم يتوقع أن يقابلها هكذا، في شارع مظلم، وبمثل هذه الطريقة.

"أنت لست جيدًا في الكذب، أليس كذلك؟" قالت ليلى بابتسامة خفيفة، وكأنها تستمتع بالموقف. "ما بين يديك يمكن أن يكون شيئًا مهمًا، وأريد أن أعرف ما هو. لكن دعني أخمن، هل أنت متورط في قضية أكبر مما كنت تتوقع؟"

"هل أنت شرطة؟" سأل حنا بدهشة، محاولاً الحفاظ على هدوئه، رغم أنه بدأ يدرك أن الأمور تخرج عن السيطرة.

ترنيمة لهيبي حيث تعيش القصص. اكتشف الآن