فِي نِهَايَةِ يَوْمٍ طَوِيلٍ، وَبَعْدَ انْتِهَاءِ سَاعَاتِ العَمَلِ، قَرَّرَ جُونْغكُوك أَنْ يَتَوَجَّهَ إِلَى مَقْهًى صَغِيرٍ اعْتَادَ الذِّهَابَ إِلَيْهِ. كَانَتِ الأَضْوَاءُ الخَافِتَةُ فِي المَكَانِ تُضْفِي طَابِعًا مِنَ السَّكِينَةِ، فِيمَا هُوَ يَحْتَسِي قَهْوَتَهُ بِصَمْتٍ، مُحَاوِلًا أَنْ يَجِدَ قَلِيلًا مِنَ الرَّاحَةِ مِنْ مَشَاغِلِ اليَوْمِ.
بَيْنَمَا كَانَ يَهُمُّ بِمُغَادَرَةِ المَقْهَى، لَاحَظَ شَيْئًا غَيْرَ مَأْلُوفٍ عَلَى الطَّاوِلَةِ الَّتِي كَانَ يَجْلِسُ عَلَيْهَا. زَهْرَةٌ بَيْضَاءُ صَغِيرَةٌ، أَنِيقَةٌ وَهَادِئَةٌ، مَوْضُوعَةٌ بِعِنَايَةٍ بِجَانِبِ فِنْجَانِ قَهْوَتِهِ. وَبِجَانِبِهَا، وَجَدَ رِسَالَةً، فَفَتَحَهَا بِتَرَدُّدٍ. كَانَ يَبْدُو أَنَّ هَذِهِ الرِّسَالَةَ تَحْمِلُ شَيْئًا مُخْتَلِفًا.
قَرَأَ بِصَوْتٍ خَافِتٍ، وَكَأَنَّهُ يُكَلِّمُ قَلْبَهُ الَّذِي بَدَأَ يَتَمَلَّكُهُ شُعُورٌ بِالحَنِينِ وَالقَلَقِ:
"بِاسْمِ زَهْرَةِ الزَّنْبَقِ سَوْفَ أُحَدِّثُكَ،
عَزِيزِي جُونْغكُوك، أُحَيِّيكَ مُرَّةً أُخْرَى بِلَقَبِكَ الَّذِي طَالَمَا كَانَ حَبِيبًا إِلَى نَفْسِي.
هَذِهِ الزَّهْرَةُ البَيْضَاءُ هِيَ رَمْزُ السَّلَامِ وَالرَّاحَةِ، اللَّحَظَاتُ الأَخِيرَةُ قَبْلَ الغِيَابِ الأَبَدِيِّ. أُرِيدُكَ أَنْ تَعْلَمَ أَنَّنِي لَمْ أَكُنْ أَبْحَثُ عَنْ شَيْءٍ سِوَى السَّلَامِ، وَأَنَّ وُجُودَكَ كَانَ الهُدُوءَ الَّذِي أَحَاطَنِي فِي أَعْمَاقِ العَاصِفَةِ.
كَمَا تُزْهِرُ الزَّنْبَقَةُ فِي أَوَاخِرِ الأَيَّامِ، هَا أَنَا أَزْهَرُ بِهَذِهِ الرَّسَائِلِ لِأُخْبِرَكَ أَنَّنِي وَجَدْتُ رَاحَتِي مَعَكَ، وَأَنَّنِي الآنَ أَسْتَعِدُّ بِهُدُوءٍ لِلرَّحِيلِ. لَقَدْ مَرَّتْ تِلْكَ السَّنَوَاتُ وَنَحْنُ نَحْمِلُ آمالَنَا وَأَحْلَامَنَا، وَلَكِنَّنِي الآنَ أُدْرِكُت أَنَّ بَعْضَ الرِّحْلَاتِ تَنْتَهِي، وَأَنَّهُ مِنَ الحِكْمَةِ أَحْيَانًا أَنْ نَتْرُكَهَا تَمْضِي.
فِي هَذِهِ اللَّحْظَةِ، أُوَدِّعُكَ وَكَأَنَّنِي أَتْرُكُ حِمْلًا ثَقِيلًا، فَأَنَا أَرْحَلُ بِقَلْبٍ مَلِيءٍ بِذِكْرَيَاتِكَ، وَقَدْ حَانَ وَقْتُ الرَّاحَةِ. إِذَا جَاءَتِ النِّهَايَةُ يَوْمًا، تَذَكَّرْ أَنَّنِي كُنْتُ هُنَا، هَادِئَةً كَزَهْرَةِ الزَّنْبَقِ، وَسَأَظَلُّ فِي دَاخِلِكَ، رَمْزًا لِلسَّلَامِ الَّذِي كَانَ بَيْنَنَا."
جَلَسَ جُونْغكُوك صَامِتًا بَعْدَ قِرَاءَتِهِ لِلرِّسَالَةِ، حَائِرًا بَيْنَ الحُزْنِ وَالطُّمَأْنِينَةِ. انْهَمَرَتْ دُمُوعُهُ بِهُدُوءٍ، وَبَدَأَتِ الذِّكْرَيَاتُ تَتَدَاعَى بِبُطْءٍ، وَكَأَنَّهُ يَسْتَعِيدُ أَجْزَاءً مِنْ مَاضٍ مَحَاهُ النِّسْيَانُ، وَحَقِيقَةٌ صَامِتَةٌ تَتَرَاءَى لَهُ كَظِلٍّ لَطِيفٍ.