الفصل الثالث: جُذُورُ العَذَابِ

14 1 0
                                    



فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ، كَانَ المَنْزِلُ مُظلِمًا، وَهَادِئًا إِلَى حَدٍّ يُشْعِرُ لُوكَ بِالرَّهْبَةِ. صَوْتُ خُطُوَاتٍ خَفِيفَةٍ يُمْكِنُهُ سَمَاعُهَا مَعَ كُلِّ نَفَسٍ يَأْخُذُهُ. أَصْوَاتُ تَحَرُّكَاتٍ خَفِيفَةٍ مِنْ غُرْفَةِ وَالِدَيْهِ كَانَتْ تَمْلَأُ جَوَّ المَنْزِلِ بِذَلِكَ التَّوَتُّرِ الَّذِي أَلِفَهُ. لَا يَزَالُ لُوكُ صَاحِيًا فِي سَرِيرِهِ، يَتَسَاءَلُ عَنْ صَبَاحٍ جَدِيدٍ، وَكَيْفَ سَيَكُونُ لَوْ أَنَّهُ يُمْكِنُ لَهُ أَنْ يَفِرَّ لِوَاقِعٍ آخَرَ.

بَعْدَ لَحَظَاتٍ، انْفَتَحَ بَابُ غُرْفَتِهِ بَهُدُوءٍ، وَظَهَرَتْ أُمُّهُ، مَارِي، بِنَظْرَتِهَا المُنْهَكَةِ وَتَعَابِيرِهَا الَّتِي تُعَبِّرُ عَنْ تَعَبٍ طَوِيلٍ. جَلَسَتْ بِجَانِبِهِ عَلَى سَرِيرِهِ وَهِيَ تُحَاوِلُ إِخْفَاءَ بُؤْسِهَا.

"لُوك، أَعْرِفُ أَنَّ الحَيَاةَ لَا تُنْصِفُنَا،" قَالَتْ بِنَبْرَةٍ مُمْتَلِئَةٍ بِالْحُزْنِ، "وَلَكِنَّنِي أَعْدُكَ أَنَّنِي سَأَحَاوِلُ أَنْ أَكُونَ قَرِيبَةً مِنْكَ، عَلَى قَدْرِ مَا أَسْتَطِيعُ."

بَدَأَ لُوكُ يُحَدِّقُ إِلَيْهَا، يَتَفَحَّصُ تَعَابِيرَ وَجْهِهَا الَّذِي أَظْهَرَ بَعْضَ آثَارِ المَعَانَاةِ وَالخَيْبَةِ. أَرَادَ أَنْ يُصَدِّقَ كَلَامَهَا، لَكِنَّ أَعْمَاقَهُ كَانَتْ تَشْكُّ، فَكُلُّ وُعُودِهَا السَّابِقَةِ بَاتَتْ مَجَرَّدَ أَحْلَامٍ تَبْخُرَتْ قَبْلَ أَنْ تَصِلَ إِلَى أَرْضِ الوَاقِعِ.

تَرَكَتْ مَارِي غُرْفَةَ لُوكَ وَهِيَ تَتَمْنَّى فِي قَلْبِهَا أَنْ تَسْتَطِيعَ تَغْيِيرَ حَيَاتِهِ، لَكِنَّهَا أَيْضًا تَعْلَمُ أَنَّ الطَّرِيقَ مُظْلِمٌ وَشَاقٌّ. قَبْلَ أَنْ تُغْلِقَ البَابَ، أَلْقَتْ نَظْرَةً أَخِيرَةً عَلَى طِفْلِهَا، وَهِيَ تَرْجُو أَنْ يُصْبِحَ أَقْوَى مِمَّا هِيَ عَلَيْهِ.

بَعْدَ أَنْ غَادَرَتْ مَارِي غُرْفَةَ لُوك، ظَلَّ الطِّفْلُ مُسْتَلْقِيًا يَنْظُرُ إِلَى السَّقْفِ، مُحَاوِلًا فَهْمَ الكَلِمَاتِ الَّتِي سَمِعَهَا مِنْ أُمِّهِ. كَانَ يُدْرِكُ أَنَّهَا تُحِبُّهُ، وَلكِنَّ هَذَا الحُبَّ مَشُوبٌ بِشَيْءٍ لَا يَفْهَمُهُ بَعْدُ. حَتَّى أَتَتْهُ كَوَابِيسُهُ كَالْعَادَةِ فِي أَحْلَامِهِ، تَسْرِقُ مِنْهُ النَّوْمَ وَتُرِيكُهُ عَوَالِمَ مِنَ الظَّلامِ وَالخَوْفِ.

فِي الصَّبَاحِ البَاكِرِ، اسْتَيْقَظَ لُوك لِيَجِدَ غُرْفَتَهُ بَارِدَةً، وَقَلْبَهُ مُثْقَلًا بِنَغَمَاتٍ خَافِتَةٍ تَحْمِلُ ذِكْرَيَاتٍ وَوُجُوهًا مِنَ اللَّيْلِ. كَانَتِ السَّاعَاتُ تَمُرُّ بَبُطْءٍ، كُلُّ صَوْتٍ صَغِيرٍ فِي البَيْتِ يُشْعِرُهُ بِالهَلَعِ. حِينَئِذٍ، سَمِعَ صَوْتَ تَحَرُّكٍ فِي غُرْفَةِ أَبِيهِ، الَّذِي اسْتَيْقَظَ بَعْدَ لَيْلَةٍ مِنَ الشُّرْبِ وَالثَّمَلِ. انْطَلَقَتْ تَحْرِيكَاتُ أَبِيهِ تُشِيعُ فِي أَرْجَاءِ المَنْزِلِ، وَهُوَ يُحَاوِلُ أَنْ يَسْتَعِيدَ تَوَازُنَهُ.

فوضى العائِلة ..Where stories live. Discover now