الفصل الثاني: شَظايا الأمَل.

25 1 0
                                    

--

كُلَّ صَبَاحٍ، يَسْتَفِيقُ لُوك عَلَى صَوْتِ الأَبْوَابِ تَصْطَدِمُ، وَقَوَارِيرِ الزُّجَاجِ تَتَحَطَّمُ فِي المَطْبَخِ. لَمْ تَكُنْ تِلْكَ الصَّوْتَاتُ مُجَرَّدَ أَصْوَاتٍ؛ بَلْ كَانَتْ صَدَى الأَلَمِ الَّذِي يَسْكُنُ كُلَّ زَاوِيَةٍ فِي المَنْزِلِ. كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ وَالِدَهُ دَانْيَال، مَا زَالَ غَاضِبًا، مُتَخَبِّطًا بَيْنَ أَذْيَالِ الإِدْمَانِ. فِي كُلِّ مَرَّةٍ كَانَ يَسْمَعُ فِيهَا ذَلِكَ الصَّوْتَ، كَانَ شَيْءٌ فِي دَاخِلِهِ يَتَحَطَّمُ، وَيَزِيدُهُ ذَلِكَ الشُّعُورُ بِالعَجْزِ أَمَامَ تَصَرُّفَاتِ وَالِدِهِ.

تَحَرَّكَ لُوك بَطِيئًا نَحْوَ المَطْبَخِ، وَقَلْبُهُ يَخْفِقُ سَرِيعًا، وَكَأَنَّهُ يَسْتَعِدُّ لِمُوَاجَهَةِ كَارِثَةٍ. كَانَ دَانْيَال جَالِسًا عَلَى الطَّاوِلَةِ، يُحَمْلِقُ فِي زُجَاجَةٍ نِصْفِ مُلْتَفَّةٍ، وَعَيْنَاهُ مُحْمَرَّتَانِ كَاللَّهِيبِ. لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ شَيْءٌ يُقَالُ، وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَجْرُؤُ عَلَى التَّحَدُّثِ. كَانَ الصَّمْتُ كَفِيلًا بِإِبْلَاغِ كُلِّ مَا يَجُولُ فِي الخَاطِرِ.

حِينَ دَخَلَتْ مَارِي المَطْبَخَ، رَفَعَتْ نَظَرَهَا إِلَى دَانْيَال بِحَذَرٍ، ثُمَّ أَسْدَلَتْهُ نَحْوَ الأَرْضِ. لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ جَدْوَى مِنْ نِقَاشِ أَوْ جِدَالٍ، فَكُلُّ الكَلِمَاتِ الَّتِي تُحَاوِلُ إِخْرَاجَهَا سَتَضِيعُ فِي سُكْرِهِ وَغَضَبِهِ. أَخَذَتْ تَجْمَعُ بَعْضَ القِطَعِ المَكْسُورَةِ وَهِيَ تَمْنَعُ دُمُوعَهَا مِنَ الانْهِيَارِ. لَمْ تَكُنْ تُرِيدُ أَنْ يَرَاهَا لُوكُ بِتِلْكَ الحَالَةِ، فَهِيَ بِالنِّسْبَةِ لَهُ مَصْدَرُ القُوَّةِ وَالمُلَاذِ.

بَيْنَمَا كَانَتْ مَارِي تَجْمَعُ الأَشْلَاءَ، خَرَجَ لُوكُ مِنَ المَطْبَخِ بِصَمْتٍ وَتَوَجَّهَ إِلَى غُرْفَتِهِ الصَّغِيرَةِ. جَلَسَ عَلَى سَرِيرِهِ يَتَأَمَّلُ الحَائِطَ الخَالِيَ، الَّذِي كَانَ يَبْدُو كَمَا لَوْ كَانَ سَطْحًا صَامِتًا لِكُلِّ المَشَاعِرِ المَكْبُوتَةِ. كَانَ يُمْسِكُ بَيْنَ يَدَيْهِ دُفْتَرَ الرَّسْمِ القَدِيمِ، وَيُحَاوِلُ أَنْ يُمَارِسَ مَا كَانَ يُحِبُّهُ مِنْ رَسْمٍ وَتَلْوِينٍ. لَكِنْ رُسُومَهُ لَمْ تَكُنْ تَكْفِي لِطَرْدِ الأَفْكَارِ السَّوْدَاءِ الَّتِي تَدُورُ فِي رَأْسِهِ.

فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ، عِنْدَمَا غَفَا لُوكُ عَلَى سَرِيرِهِ، حَلِمَ كَالمُعْتَادِ بِمَكَانٍ مَخْفِيٍّ بَعِيدٍ، غَابَتْ عَنْهُ كُلُّ أَصْوَاتِ الشِّجَارِ وَالكَسْرِ. كَانَ المَكَانُ مُضَاءً بِضُوءٍ خَافِتٍ دَافِئٍ، وَهُوَ يَمْشِي بِحَذَرٍ بَيْنَ الأَشْجَارِ، يَسْتَمِعُ لِصَوْتِ الرِّيَاحِ تُهَمْسُ فِي أُذُنَيْهِ. فِي تِلْكَ اللَّحَظَةِ، شَعَرَ بِالسَّلَامِ الَّذِي لَمْ يَجِدْهُ قَطُّ فِي الوَاقِعِ. لَكِنْ، مَا إِنْ بَدَأَ الضَّوْءُ يَتَلاشَى، حَتَّى اسْتَيْقَظَ لُوكُ عَلَى الصَّوْتِ المَأْلُوفِ لِلشِّجَارِ فِي غُرْفَةِ الجُلُوسِ.

فوضى العائِلة ..Where stories live. Discover now