بَدَأَتِ الأُمُّ تُخَطِّطُ بِحَذَرٍ، تُدَبِّرُ لِكُلِّ تَفْصِيلٍ صَغِيرٍ فِي خُطَّتِهَا. كَانَتْ تَعْلَمُ أَنَّ الخُرُوجَ مِنْ هَذَا العَالَمِ المُظلِمِ سَيَتَطَلَّبُ شَجَاعَةً وَتَخْطِيطًا دَقِيقًا. وَعَلَى مَدَى أَيَّامٍ، أَخَذَتْ تَجْمَعُ قَلِيلًا مِنَ النُّقُودِ فِي مَكَانٍ سِرِّيٍّ بَعِيدًا عَنْ أَعْيُنِ زَوْجِهَا، تَتَصَرَّفُ بِحِيلَةٍ وَبَصِيرَةٍ لِتُدَبِّرَ لِمَا قَدْ يَكُونُ الفِرَارَ المَنْشُودَ.
فِي تِلْكَ اللَّيَالِي الطَّوِيلَةِ، كَانَتْ تَجْلِسُ إِلَى جَانِبِ لُوكَ وَتُحْدِثُهُ عَنِ المَكَانِ الَّذِي سَيَذْهَبَانِ إِلَيْهِ، وَعَنْ الحَيَاةِ الَّتِي سَيَبْدَآنِهَا فِي مَدِينَةٍ بَعِيدَةٍ، حَيْثُ لَا يُوجَدُ خَوْفٌ وَلَا ضَجِيجٌ. كَانَتْ كَلِمَاتُهَا تَحْمِلُ بُشْرَى الأَمَلِ، وَتَجْعَلُ عَيْنَيْ لُوكَ تَلْمَعَانِ بِبَرِيقِ الحُلْمِ.
مَرَّتْ أَيَّامٌ تَتْلُوها أَيَّامٌ، إِلَى أَنْ حَانَ اللَّيْلُ الَّذِي رَأَتْ فِيهِ الأُمُّ فُرْصَتَهَا المُنْتَظَرَةَ. كَانَ زَوْجُهَا مَحْمُومًا فِي نَوْمِه، وَصَوْتُ شَخِيرِهِ يَمْلَأُ المَنْزِلَ. لَمْ تَنْتَظِرْ طَوِيلًا، سَرِيعًا جَمَعَتْ أَشْيَاءَ ضَرُورِيَّةً فِي حَقِيبَةٍ صَغِيرَةٍ، وَأَمْسَكَتْ بِيَدِ لُوكَ الَّذِي كَانَ يَنْظُرُ إِلَيْهَا بِنَظْرَةِ أَمَلٍ وَتَرَقُّبٍ.
وَفِي ذَاكَ المَمَرِّ الضَّيِّقِ الَّذِي يَقُودُ إِلَى بَابِ المَنْزِلِ، تَوَقَّفَتْ لِلَحْظَةٍ، نَظَرَتْ إِلَى الوَرَاءِ كَأَنَّهَا تُوَدِّعُ كُلَّ الأَحْزَانِ وَالكَآبَةِ الَّتِي عَانَتْ مِنْهَا. وَبِهَمْسَةٍ رَقِيقَةٍ، قَالَتْ: "هَذِهِ نِهَايَتُنَا هُنَا، وَبِدَايَتُنَا هُنَاكَ."
سَارَا فِي ظِلِّ اللَّيْلِ، مُحَاطَيْنِ بِصَمْتٍ وَحَذَرٍ، يُشَارِكُونَ الأَرْصِفَةَ وَظِلَالَ الطُّرُقَاتِ. كَانَتْ قَلْبُهَا يَدُقُّ بِسُرْعَةٍ، وَلَكِنَّهَا كَانَتْ تُحَاوِلُ أَنْ تَتَظَاهَرَ بِالهُدُوءِ أَمَامَ لُوكَ، فَهُوَ يَحْتَاجُ إِلَى قُوَّتِهَا.
بِمُرُورِ السَّاعَاتِ، وَبِعَدَمِ وَجُودِ مَكَانٍ آَمِنٍ يَجِدُونَ فِيهِ الرَّاحَةَ، أَخَذَ التَّعَبُ يَفْتُكُ بِجَسَدَيْهِمَا. كَانَتِ الأُمُّ تَعْرِفُ أَنَّ طَرِيقَهُمَا طَوِيلٌ وَمَلِيءٌ بِالمَخَاطِرِ، وَلَكِنَّهَا أَيْضًا كَانَتْ تَعْرِفُ أَنَّ كُلَّ خُطْوَةٍ تُقَرِّبُهُمَا مِنَ الحُرِّيَةِ.
----
عِنْدَمَا بَدَأَتِ الشَّمْسُ تُشْرِقُ بَطِيئًا فِي الأُفُقِ، بَدَأَ العَالَمُ يَكْتَسِي بِنُورٍ خَافِتٍ يُخْفِي بَعْضَ ظُلْمَةِ اللَّيْلِ. كَانَتْ قَدَمَا لُوكَ تُؤْلِمَانِهِ، وَعَيْنَاهُ تَشْتَكِيَانِ مِنَ النُّعَاسِ، وَلَكِنَّهُ تَمَسَّكَ بِيَدِ أُمِّهِ بِقُوَّةٍ، يَشْعُرُ أَنَّ تِلْكَ اليَدَ تُقَدِّمُ لَهُ الأَمَانَ وَتَعِدُهُ بِالغَدِ.
YOU ARE READING
فوضى العائِلة ..
Mystery / Thrillerتدور القصة حول عائلة تعيش في حي شعبي، حيث الأب المدمن على الكحول يمارس العنف تجاه ابنه الوحيد، لوك، الذي يعاني من تأثيرات هذه البيئة السلبية. الأم، ماري، تكافح لتوفير لقمة العيش من خلال عملها كساقطة شوارع، وتسعى جاهدة لحماية ابنها من قسوة والده. يست...