كما لو أن غيابها لم يستغرق سوى لحظةً ..فتحت عيناها بتثاقلٍ.. تشعر بتعبٍ حمّ.. ظمأ شديد.. فمها جاف للغاية و هذا ما شغلها أكثر من صحوتها ..
لم تنتبه حتى إلى المكان الذي استفاقت به.. لم يتسنّى لها الوقت لتدرك أيّ شيء.. اخترق الصوت العزيز مسامعها متلهفًا متلوّعًا :
-فريال هانم.. ماما.. ماما انتي سمعاني.. فتحي عنيكي و بصيلي.. أرجوكي.. ماما ..
لسانها الثقيل تحرّك بصعوبةٍ كبيرة و هي تترجم شعورها بالواقع إلى كلماتٍ.. و الحقيقة إنها كانت كلمةً واحدة.. اسمه هو :
-عـ.ـثـ..ـمـ.ـان !
سمعته يتأوه كما لو إنه يتألم بالفعل.. ثم أحسّت بذراعيه تحيطان بها.. إنه يحتضنها الآن.. يضمها إلى صدره الخافق متمتمًا :
-روح عثمان.. روح عثمان و قلبه يا فريال هانم.. انتي كويسة ؟
كلّميني.. سمعيني صوتك أرجوكي.. قولي أي حاجة.. كلّميني يا ماما !!أخذت النقاط السوداء في التلاشي أمام عينيها.. لترى وجهه بوضوحٍ.. و يسعد قلبها بلقائه أخيرًا.. فهذا فلذة كبدها.. ابنها.. رجلها و المعنى الوحيد لحياتها هو و شقيقته ..
أين هي "صفيّة" يا ترى ؟
-عثمان !
نطقت اسمه بطريقة أفضل هذه المرة ..
تشكلت ابتسامة متألمة على ثغر "عثمان".. مسّد على رأسها بحنوٍ قائلًا و دموعه تنهمر غزيرة من عينيه :
-أنا هنا.. أنا جنبك.. أنا معاكي يا ماما.. مش هاسيبك من إنهاردة.. مش هاسيبك أبدًا.. و هاعملك كل إللي انتي عايزاه.. شمس هاتمشي.. مش هاتشوفيها و لا تسمعي عنها تاني.. أوعدك.
ابتسمت ابتسامة لم تصل لعينيها و قالت بصوتٍ هامس :
-لأ.. أوعدني انها تفضل.. و انك ترعاها و تاخد بالك منها.. طول ما انت عايش.. دي أختك يا عثمان.. شمس أختك.. زي صافي بالظبط !
عبس "عثمان" مدهوشًا.. لوهلةٍ خشى أن تكون أمه لا تزال تحت تأثير المخدر.. لكنه سمعها تؤكد من جديد و هي تضغط على يده القابضة على يدها :
-انت راجل العيلة دي.. انت مكان ابوك.. عمرك ما خيّبت ظنّه.. و لا ظنّي يا حبيبي.. انا آسفة يا عثمان.. آسفة عشان انا اللي خيّبت ظنّك ..
-ششششش ! .. اسكتها واضعًا اصبعه فوق شفاهها
و أردف مداعبًا خدّها برقةٍ :
-انتي عمرك ما خيّبتي ظنّي.. انتي اجمل و انقى واحدة شافتها عنيا.. انتي فريال هانم.. ست الهوانم.
ابتسمت له ثانيةً.. و قالت :
-ممكن أطلب منك حاجة ؟
رد فورًا : اؤمريني.. اللي انتي عايزاه مهما كان أجيبه تحت رجليكي و حالًا !!
أنت تقرأ
كُرْسِيِّيٍّ لَا يَتَّسِعُ لِسُلْطَانكَ _ سلسلة "عزلاء أمام سطوة ماله"ج٤
Romanceتعرفين أنّي منذ التقينا أعتزلتُ النساء وعاهدتكِ بألا امرأة سواكِ و ألا حبيبة سواكِ يا شذى الورد و مذاق الشهد أنتِ لي على رؤوس الأشهاد ثوري.. قاومي.. و حتى حاربي لن يزيدني إلا عناد إني أحرقتُ سفني من خلفي و أقسمتُ أنّي باق نسيتِ أم لا شئتِ أم لا لم أ...