منذ تلك الليلة، قررت روزالين أن تتجاهل ألكسندر تمامًا. لم يعد يعني لها شيئًا، وكأن وجوده منعدم. حتى عندما يكون أمامها، لم تكن تنظر إليه أو تعيره أي انتباه.
على مائدة الطعام، أصبحت تتناول طعامها وحدها في غرفتها، تتجنب الجلوس مع الآخرين، لا تريد أي احتكاك، ولا أي توتر إضافي.
لم يمر الأمر دون أن يلاحظه فيكتور. في البداية تجاهل ذلك، ظنًا أنها بحاجة لبعض الوقت، لكنها لم تعد إلى المائدة أبدًا. وفي إحدى الأمسيات، قرر مواجهتها.
عندما طُرق باب غرفتها، لم تتوقع أن يكون هو. فتحت الباب، فوجدت فيكتور واقفًا هناك، تعابير وجهه لم تكن غاضبة، بل تحمل اهتمامًا واضحًا، وكأنها أصبحت جزءًا من هذا المكان، من هذه العائلة.
"لماذا لم تعودي تتناولين الطعام معنا، روزالين؟"
تراجعت خطوة للخلف، مستشعرة الجدية في نبرته. لم يكن سؤالًا عابرًا.
"أفضل البقاء بمفردي، سيدي."لم يبدُ مقتنعًا. عبر الغرفة بخطوات هادئة، ثم استدار لينظر إليها مباشرة.
"هل ضايقك أحد؟"
التقت عيناها بعينيه للحظة، ثم أشاحت بوجهها بعيدًا. لم تكن تريد أن تتحدث، لا تريد أن تشرح.
"ليس هناك شيء، سيدي."
ظل يراقبها للحظات، ثم زفر ببطء، وكأنه يفكر فيما سيقوله بعدها. "إيزابيل تفتقدك."
شعرت بانقباض في صدرها، لكنها لم تُظهر ذلك. أبقت ملامحها هادئة، لكن أصابعها التي تشابكت أمامها كانت مشدودة.
"أنا معها طوال اليوم."
"لكن ليس أثناء الطعام. لقد سألت عنك اليوم."
لم ترد. كانت تعلم أن إيزابيل ستلاحظ غيابها، لكنها لم تكن مستعدة للجلوس على المائدة مع ألكسندر بعد كل ما حدث.
نظر إليها فيكتور طويلًا، ثم قال بصوت أكثر هدوءًا:
"إذا كان هناك أي شيء يزعجك، يمكنك إخباري."
رفعت عينيها إليه، وهذه المرة رأت في ملامحه اهتمامًا صادقًا، ليس مجرد كلمات مجاملة. لكن ما الفائدة؟ لن تقول شيئًا.
"شكرًا، سيدي."
لم يضغط أكثر. اكتفى بالنظر إليها للحظات قبل أن يغادر، تاركًا الباب مفتوحًا خلفه كما لو كان يمنحها فرصة للتراجع عن قرارها.
لكنها لم تفعل.
---
في الأيام التالية، لاحظت روزالين التوتر الذي بدأ يتسلل إلى القصر. الهمسات بين الخدم، النظرات القلقة، الأخبار التي تتناقلها الألسن عن احتجاجات بدأت تتزايد في القرى المجاورة.
![](https://img.wattpad.com/cover/382349489-288-k442818.jpg)
أنت تقرأ
فوضى
Historical Fictionفي ذروة الاضطرابات التي تعصف بمملكة فرنسا، إذ تموج البلاد بصراع طبقي لا يرحم، تصل الآنسة روزالين، شابة ذات طموح وعزم، إلى قصر آل مونتيني، حيث عهد إليها بتعليم ابنتهم الصغيرة. إلا أنّ القصر، بشموخه وأبهته، لا يخفي ما يعجّ به من أسرار دفينة وخلافات مس...