مع اهتزاز العربة تحتها، جلست روزالين بجوار ألكسندر، عيناها مثبتتان على الطريق المظلم الذي يمتد أمامهما. رغم الهدوء الظاهري الذي كانت تحاول الحفاظ عليه، كان هناك اضطراب داخلي يتغلغل في أعماقها. لم تستطع إنكار الشعور بعدم الأمان الذي بدأ يحيط بها. طوال حياتها، كانت تعرف جيدًا أن مشاكل الفقراء تختلف تمامًا عن مشاكل الأغنياء، لكنها الآن وجدت نفسها غارقة في الأخيرة، حيث المراوغات السياسية والمخاطر القاتلة تحيط بها من كل جانب.
لم يكن الأمر مجرد رحلة محفوفة بالمخاطر، بل كان اختبارًا لإرادتها، وكأنها دون وعي قد ربطت مصيرها بمصير هذه العائلة. ألكسندر، رغم تهكمه الدائم، كان الشخص الذي وجدت نفسها إلى جانبه في هذا الوضع، وكان عليها أن تثبت أنها ليست عبئًا عليه، ولا على أي أحد.
كان ألكسندر جالسًا بجوارها، محدقًا في الخارطة التي قدمها له توماس. أشار إلى الطريق الملتف عبر الغابة، الطريق الذي سيقودهم إلى المزرعة حيث يحتفظ الطبيب بالأعشاب. رفع عينيه نحو روزالين للحظة، فوجدها جالسة بهدوء وثبات، كما لو كانت واثقة تمامًا من قرارها. وهذا ما أثار غضبه أكثر.
كان يشعر برغبة عارمة في الصراخ في وجهها. لقد عاندته، أصرّت على المجيء رغم أنه رفض بوضوح. لو لم يكونوا في وضع حرج الآن، لتوقف فورًا وأعادها إلى الكوخ بنفسه. لكنه لم يكن يملك هذا الخيار، ولا حتى الوقت للجدال معها.
نظر إليها من طرف عينه، كانت تجلس على الجانب الآخر من العربة، ذراعاها معقودتان بإصرار، ووجهها يحمل مزيجًا من الصلابة والهدوء الذي لم يكن يطيقه. كيف يمكنها أن تكون بهذا الهدوء؟ ألا تشعر بالخوف؟
قال لها بسخرية، محاولًا استفزازها:
هل أنتِ متأكدة أنكِ تريدين الانضمام إلي في هذا؟ إنه طريق طويل ومحفوف بالمخاطر، وأنتِ فتاة... لا أعتقد أنكِ قادرة على تحمله. وبصراحة، لا أظن أنني سأكون قادرًا على مساعدتك إن وقعتِ في مأزق.لم تبدُ روزالين متأثرة بكلماته، بل رفعت حاجبها قليلًا وكأنها تقيّم حديثه، ثم ابتسمت برفق وقالت بثقة هادئة:
سأكون بخير. في الواقع، أنا لست من العائلة... أما أنت، فأنت من يحتاج إلى المساعدة بصراحة.انعكست ألسنة اللهب الصغيرة من نار المصباح على عينيه الرماديتين، مما زاد من برودة النظرة التي وجهها إليها. فكّ شفتيه قليلًا، لكنه لم يقل شيئًا على الفور، وكأنه يبحث عن طريقة مناسبة للرد. كيف يمكنها أن تكون بهذا الهدوء المزعج؟ كيف تتحدث وكأنها لم تدخل في أمر يفوق قدرتها؟
ألكسندر، بعد لحظة من الصمت، قال بنبرة منخفضة لكنها مشحونة:
تعتقدين أنكِ قادرة على احتمال هذا، أليس كذلك؟ تعتقدين أن الأمر مجرد رحلة طويلة، ومجموعة قرارات سخيفة؟ أنتِ لا تفهمين، روزالين. هذا ليس مجرد طريق وعِر، هذه حياة قد تنتهي في أي لحظة.

أنت تقرأ
فوضى
Ficção Históricaفي ذروة الاضطرابات التي تعصف بمملكة فرنسا، إذ تموج البلاد بصراع طبقي لا يرحم، تصل الآنسة روزالين، شابة ذات طموح وعزم، إلى قصر آل مونتيني، حيث عهد إليها بتعليم ابنتهم الصغيرة. إلا أنّ القصر، بشموخه وأبهته، لا يخفي ما يعجّ به من أسرار دفينة وخلافات مس...