بدايه جديده

14 1 11
                                    

دخل إلى الحمام ليأخذ دشًا، والمياه تنهمر على وجهه بهدوء. كانت تلك اللحظات القصيرة تحت الماء تعيده إلى ذكرياته، يعيد استرجاع اللحظات التي قادته إلى هذا العالم الغريب. شعره المبلل يتناثر على وجهه، وذكرياته المؤلمة تتدفق كالماء، يتمنى لو أن كل ما يحدث مجرد كابوس سينتهي حين يستيقظ.

بعد الاستحمام، اتجه نحو سريره ووضع رأسه على الوسادة، محاولًا إغراق أفكاره الثقيلة في نومٍ عميق. ومع ذلك، لم يكن النوم طويلاً
---
في صباح اليوم التالي، وقف آريان أمام نافذة غرفته يراقب شروق الشمس الذي لم يعتد على رؤيته بهذا الشكل من قبل. تراقصت أشعة الشمس على أسطح المباني من حوله، مشكّلةً صورة من النور والظلال لم يرَ مثلها في عالمه السابق. كان يحدّق في الأفق بملامح جامدة، كأنه يحاول أن يستوعب واقعه الجديد.
"هل هذا هو المكان الذي سأقضي فيه العقوبة؟" فكر في نفسه، وشيء من الرفض يتسلل إلى ملامحه. "عقاب... عجيب كيف يمكن للنور أن يبدو كالسجن."
تذكر حينها كلمات الخادم، الذي قال له إنه سيجد أوراقًا عند استيقاظه، سيحتاجها لتقديمها إلى الجامعة.
غيّر ملابسه ووقف أمام المرآة للحظة يتأمل ملامحه. كان وسيمًا للغاية، طويل القامة بجسدٍ رياضي، له حضور قوي وهيبة لا تخطئها العين. حدّق في نفسه ببرود، "أهذا ما بقي لي؟ ملامح جميلة في عالم لا ينتمي إليّ."

ارتدى ملابسه ونزل من غرفته ليغادر، وبينما كان ينزل الدرج، لمح أحد الشباب يحاول فتح حديث معه، لكنه تجاهل الكلام وابتعد ببرود. كان في داخله رغبة في الحفاظ على المسافة، لا يريد أن يتقرب منه أحد، فهو هنا فقط ليكمل عقوبته ويعود لعالمه.

وصل إلى الجامعة، وكان منظر المباني الواسعة والمساحات الخضراء يغطي المكان بأجواء من النشاط والطموح. الطلاب يتنقلون بين القاعات والمباني، يحملون كتبهم ويتبادلون الأحاديث والضحكات. شعر للحظة بالغرابة وسط هذا العالم النابض بالحياة.

"كم هو غريب هذا العالم... مليء بالألوان والوجوه الضاحكة، لكنني أشعر أنني وحيد بين الجميع." فكر آريان.

عندما دخل، توجه إلى مكتب المدير، الذي رحب به وعرفه فورًا كونه الطالب الجديد. كانت كافة الأوراق جاهزة بفضل والده،...

ابتسم المدير وقال:
"أهلاً بك، آريان. سعيد بوجودك معنا."

رد آريان بنبرة خافتة، محاولًا كتمان ضيقه من الوضع: "شكرًا."

نظر إليه المدير باهتمام وسأله: "من أين أتيت يا آريان؟ وما الذي جعلك تختار هذه الجامعة بالذات؟"

تفادى آريان التعمق في التفاصيل، فأجاب ببرود: "أتيت من مكان بعيد، وأردت بدء فصل جديد من حياتي هنا."

ابتسم المدير وقال: "نحن نرحب دائمًا بالطلاب الطموحين، ويبدو أن لديك طموحات كبيرة."

لم يرد آريان، لكن في عينيه كان يظهر ذلك الصراع الداخلي بين رغبته في البقاء بعيدًا وبين ضغوط العقوبة.

تابع المدير حديثه بينما يمد يده بالأوراق: "آريان، هذه مستنداتك، وستبدأ اليوم بدروسك. إذا كنت بحاجة لأي مساعدة، لا تتردد في التواصل معي."

هز آريان رأسه بامتنان بسيط وقال: "شكرًا لك."

قاد المدير آريان إلى المدرج، وهو قاعة كبيرة تغمرها الأضواء الطبيعية عبر النوافذ الطويلة. كان المدرج مزدحمًا، والطلاب منشغلين في أحاديث جانبية وضحكات متفرقة. شعر آريان للحظة بارتباك وهو يقف وسط هذا الزحام، حيث كان الكل منسجمين ومرتاحين عدا هو.

"لما أشعر أنني الغريب بينهم؟ كم يبدو عالمهم مختلفًا عن عالمي..." فكر في نفسه، وهو يحاول تجاوز مشاعر الوحدة التي بدأت تتسلل إليه.

عند دخوله المدرج، لفت حضوره انتباه الجميع؛ وقفت الفتيات تنظرن إليه بإعجاب شديد، وهمس بعضهن عن مدى وسامته وصوته العميق الذي جذبهن. لكن آريان لم يهتم بأيٍ من ذلك؛ كانت مشاعره باردة، وتركيزه منصب على هدفه الوحيد... إنهاء هذه العقوبة.

وبينما كان يجلس في المدرج، لفتت انتباهه فتاة تُدعى ميرولا، كانت تتميز بجمالٍ فريد، به ابتسامة تضيء وجهها وتجعلها تبدو مختلفة عن غيرها. أدرك آريان أنها أجمل الفتيات اللواتي رآهن في هذا العالم، لكن سرعان ما عاد إلى طبيعته المتحفظة، رافضًا فكرة الاقتراب منها أو من غيرها، فهو يعلم أن قسوته قد تؤذيهم، وقرر ألا يسمح لأي شخص بالدخول إلى عالمه المغلق.

بين قلبينحيث تعيش القصص. اكتشف الآن