*"كانتِ السَّماءُ تُنذِرُ بالمطرِ، والرِّياحُ تُداعِبُ وجهَها المُرهَقَ كأنَّها تُعزِّيهِ عن خساراتِ الأمسِ. وقَفَتْ نُورُ أمامَ نافذةِ غرفتِها، تحملُ فرشاتَها المُرتعِشةَ، تُحاولُ أنْ تملأَ لوحتَها بالألوانِ، لكنَّ الأسودَ كانَ يزحفُ على كلِّ شيءٍ. رَحيلُ والدِها لم يتركْ لها سوى فراغٍ لا يُمكِنُ ملؤُهُ، وحُلمٍ يتلاشَى ببطءِ كظلٍّ في مواجهةِ الضَّوءِ.
في الخارجِ، كانَ الصَّمتُ يكسُو الأزِقَّةَ، لا تُقطَعُ سكينتُهُ إلَّا بأصواتِ أوراقِ الشَّجرِ المُتهامِسَةِ تحتَ وطأةِ الرِّيحِ. أغلَقَتْ نورُ عينيها قليلًا، تُحاوِلُ استجماعَ شَتاتِ نفسِها. هل يليقُ بالحياةِ أنْ تمضي هكذا، دونَ أنْ تنتظرَ أحدًا؟
رَفعَتْ رأسَها عندما سمِعَتِ الطَّرَقاتِ على البابِ. لم تَكُنْ تتوقَّعُ أحدًا. فتحَتْ البابَ ببطءِ، لتُفاجَأَ بعينَيْ ليلى، صديقتِها الوفيَّةِ، تغمُرُهما قلقٌ دفينٌ، وقالتْ بصوتٍ مُتقطِّعٍ: "نور... ثَمَّةَ أمرٌ عليكِ أنْ تَعرِفِيهِ الآن."*
ليلى: (تتأمل في عيون نور بحذر)
"نُور... شَيئًا سَيُغَيِّرُ كُلَّ شَيءٍ."نور: (تنظر إليها بقلق)
"مَا هُوَ؟"ليلى: (تبتسم ابتسامة باهتة)
"لَقَدْ ظَهَرَ أَقَارِبُ والدِكِ فَجْأَةً، وَيَظْهَرُ أَنَّهُمْ يُطَالِبُونَ بِحُقُوقِهِمْ فِي الأَرْضِ... فِي كُلِّ شَيءٍ تَرَكَهُ والدُكِ."نور: (تفاجأ وتشيح بوجهها بعيدًا)
"أَقَارِبِي؟ أُمِّي أَخْبَرَتْنِي أَنَّ وَالِدي كَانَ وَحِيدًا، لَمْ يَكُنْ لَهَ أَحَدٌ!"ليلى: (تتنهد)
"أنتِ لَسْتِ الوَحِيدَةَ الَّتِي كَانَتْ فِي الظَّلَامِ، لَكِنَّهُمْ ظَهَرُوا الآن، وَكُلُّ شَيءٍ أَصْبَحَ مَهدُودًا... أَكْثَرَ مِمَّا تَتَخَيَّلِينَ."نور: (تزداد الدهشة في ملامحها)
"وَمَن هُوَ يَزَن؟"ليلى: (تتحفز)
"يَزَن؟ هُوَ المُحَامِي الَّذِي يَتَحَدَّثُونَ عَنْهُ. وَهُوَ... هُوَ الَّذِي سَيَكْسِبُ لَهُمْ القَضِيَّةَ."نور: (بذهول)
"يَزَن... كَيْفَ؟"ليلى: (تنظر إليها بحذر)
"يَزَن لَيْسَ مُجَرَّدَ مُحَامٍ. هُوَ... هُوَ أَكْثَرُ مِمَّا تَتَخَيَّلِينَ. وَكَانَ قَرِيبًا جِدًّا مِنْ وَالِدِكِ. لَكِنَّنِي... لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقُولَ لَكِ أَكْثَرَ الآن. لَكِنْ، يَجِبُ أَنْ تَكُونِي مُسْتَعِدَّةً."نور: (تنظر إلى ليلى بنظرة جادة، ثم تقول بصوت منخفض)
"لَيْلَى... أَنَا لَا أَسْتَطِيعُ فَهْمَ ذَلِكَ. كُلُّ هَذَا، كُلُّ مَا كَانَ يَعْمَلُ عَلَيْهِ وَالِدِي طُولَ حَيَاتِهِ... هَلْ يُمْكِنُ أَنْ يُسْرَقَ هَكَذَا؟! هَذَا كَانَ تَعَبَ عُمُرِهِ."
أنت تقرأ
اطيَافُ المَشاعِر
Mystery / Thriller"أطيَافُ المَشاعِر" ليْسَت مُجَرَّد رُوايَة عن الحٌُب والخَسَارة، بلْ رِحلَة تَغوص في أعمَاقِ الرُوحِ الإنْسَانيَة، حيثْ لِكُل شخْصِية ظلٌّ من المَاضي ولِكلْ قَلْب ألمْ يبْحَثْ عن ضَوء.