الجزء الرابع

2 1 1
                                    

فِي غُرْفَةِ مَكْتَبَةٍ هَادِئَةٍ، حَيْثُ طَغَتْ رَائِحَةُ الْكُتُبِ الْقَدِيمَةِ، جَلَسَ مَالِكٌ عَلَى كُرْسِيٍّ خَشَبِيٍّ عَتِيقٍ، مُمْسِكًا بِيَدِهِ صُورَةً صَغِيرَةً لِآدَمَ. كَانَتْ عَيْنَاهُ مَلِيئَتَيْنِ بِالإِصْرَارِ، كَأَنَّهُ يُخَطِّطُ لأَمْرٍ بَالِغِ الأَهَمِّيَّةِ. فَجْأَةً، دَخَلَ يَحْيَى، صَدِيقُهُ الْقَدِيمُ، بِابْتِسَامَةٍ مَاكِرَةٍ.

يَحْيَى:
"هَا قَدْ أَتَيْتُ بِالْمَعْلُومَاتِ، يَا مَالِكُ. كَانَ الأَمْرُ بَسِيطًا بِالنِّسْبَةِ لِي. هَذَا هُوَ مِلَفُّ آدَمَ بِالْكَامِلِ."

يَمُدُّ يَحْيَى يَدَهُ بِمِلَفٍّ صَغِيرٍ، مُغَطًّى بِغِلَافٍ بُنِّيٍّ، ثُمَّ يَضَعُهُ أَمَامَ مَالِكٍ.

مَالِكٌ (بِنَبْرَةٍ هَادِئَةٍ وَلَكِنْ حَازِمَةٍ):
"أَخْبِرْنِي، مَا الَّذِي وَجَدْتَهُ؟"

يَحْيَى (يَبْتَسِمُ بِخُبْثٍ):
"آدَمُ لَيْسَ كَمَا يَبْدُو. يَعِيشُ حَيَاةً عَادِيَّةً، لَكِنَّهُ تَرَكَ كُلَّ شَيْءٍ فَجْأَةً وَسَافَرَ إِلَى قَرْيَتِهَا. يَبْدُو أَنَّهُ كَانَ يَحْمِلُ فِي قَلْبِهِ سِرًّا، أَوْ رُبَّمَا أَلَمًا دَفِينًا."

مَالِكٌ (بِتَفْكِيرٍ عَمِيقٍ):
"هَلْ اكْتَشَفْتَ لِمَاذَا تَرَكَهَا؟"

يَحْيَى (يَضْحَكُ ضَحْكَةً خَفِيفَةً):
"لَا، لَكِنَّهُ هَرَبَ مِنْهَا وَكَأَنَّ شَيْئًا يُطَارِدُهُ. أَهُوَ خَوْفٌ؟ أَمْ نَدَمٌ؟"

مَالِكٌ (بِصَوْتٍ مُنْخَفِضٍ وَكَأَنَّهُ يُحَدِّثُ نَفْسَهُ):
"إِنْ كَانَتْ تُحِبُّهُ، فَسَأَجْعَلُهَا تَكْرَهُهُ. لَنْ أَسْمَحَ لَهُ بِأَنْ يُعَبِثَ بِمَشَاعِرِهَا مُجَدَّدًا."

يَرْفَعُ عَيْنَيْهِ نَحْوَ يَحْيَى بِثِقَةٍ:

"أُرِيدُ مِنْكَ أَمْرًا آخَرَ، يَا يَحْيَى. تَتَبَّعْ خُطُوَاتِهِ مُجَدَّدًا، وَأَخْبِرْنِي أَيْنَ سَيَذْهَبُ. لَا أُرِيدُ مُفَاجَآتٍ."

يَحْيَى (مَازِحًا):
"كَمَا تَشَاءُ، يَا مَالِكُ. يَبْدُو أَنَّكَ بَدَأْتَ تَلْعَبُ دَوْرَ الْمُرَاقِبِ."

مَالِكٌ (بِهُدُوءٍ وَثَبَاتٍ):
"الأَمْرُ لَيْسَ لُعْبَةً، يَحْيَى. سَأَحْمِي نُورَ، حَتَّى لَوْ كَانَ ذَلِكَ يَعْنِي أَنْ أَجْعَلَهَا تَكْرَهُ آدَمَ."

يَنْهَضُ مَالِكٌ مِنْ كُرْسِيِّهِ بِبُطْءٍ، وَيَتَوَجَّهُ نَحْوَ النَّافِذَةِ، حَيْثُ تَسَاقَطَتْ أَشِعَّةُ الشَّمْسِ الذَّهَبِيَّةِ عَلَى وَجْهِهِ، وَهُوَ يُرَاقِبُ الأُفُقَ الْبَعِيدَ، وَكَأَنَّهُ يَرَى نِهَايَةَ اللُّعْبَةِ الَّتِي بَدَأَهَا لِلتَّوِّ.
يَحْتَسِي يَحْيَى قَهْوَتَهُ بِهُدُوءٍ، ثُمَّ يَضَعُ الْفِنْجَانَ عَلَى الطَّاوِلَةِ، وَيَنْظُرُ إِلَى مَالِكٍ بِعَيْنَيْنِ مَاكِرَتَيْنِ.

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: a day ago ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

اطيَافُ المَشاعِرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن