الفصل الأول

577 33 22
                                    

علي الخروج من هنا الآن، لن أبقى لفترة أطول، أكاد أموت اختناقا ولكني.. لا أستطيع المغادرة.

سأحاول مجددا، سأستجمع شجاعتي وأخرج لكني ومجددا لم أستطع ولم أعد أحتمل مجرد التفكير في الخروج أم لا من شدة الحر، أنا أختنق.. سيغمى علي.

أظن أن بإمكاني الخروج بل أستطيع ذلك لكنني لا أريد لأني أخاف، أخاف من نظراتهم لي بعد كل ما قلته، سيضربونني بشدة فيشوهون وجهي البهي؛ إنهن حقودات وحسودات ومجنونات، سينهون حياتي بلا شك.

لذا إن كنت سأموت في الحالتين فأفضل أن تكون نهايتي على يدي بكرامة وليس على يدهم فتكون إهانة.

بدأت بالسعال الشديد، أظن أنه لن يتوقف حتى أرحم نفسي فأخرج من هذا الخزانة لكنني ما زلت خائفة.

تذكرت.. لقد كانت هنا في أحد الأيام تختبئ مكاني والذعر ينتابها بشدة، كنت أبحث عنها في المنزل فقد أتيت لزيارتها لعودتها من المشفى سالمة كما سمعت بعد تعرضها لحادث سيارة.

كنا صديقات منذ صغرنا وكانت تسكن مع والديها في ذلك البيت ذو الطابقين.

فتحت الخزانة ظنا مني بأنها تلعب لعبة الاختباء حتى أجدها.

وقد وجدتها بالفعل، كانت تغطي وجهها بكفيها فسألتها بقلق: تاشا، ما بك؟

لم تجب وإنما زادت من محاولة إخفاء وجهها بتغطيته أكثر بيديها.

كررت: تاشا، تاشا، ما الأمر؟

لم تجب، فاضطررت لإبعاد يديها عن وجهها بالقوة لأتمكن من رؤية ما بها، ورأيت أقبح منظر في حياتي، لقد كانت بنصف وجه فالنصف الآخر محترق.

سألتها بقلق: منذ متى حدث هذا؟

استمرت في صمتها مع بعض الدموع التي سالت تدريجيا قبل أن تمسحها بعنف.

قلت مهدئة: لا بأس، فقد خرجت حية من الحادث لذا كوني شاكرة على هذه النعمة.

رفعت بصرها نحوي بغضب فابتسمتُ وتابعت: إن كان باعتقادك أنك فقدت نصف جمالك بسبب هذا الحرق فأنت مخطئة لأنك ازددت جمالا في نظري.

رفعت حاجبها السليم دهشة فأردفت مؤكدةً ما قلت: أجل، فهذا الحرق يبرز جمال وجهك السليم أكثر وأكثر، كما وأنه يعطيك شيئا من التميز فكأنك ترتدين قناع أصلي.

عبس وجهها فاقتربت منه وأنا أتأمله بإعجاب لأقول: أحسدك على هذا، ولابد أن ثقتك بدأت في الازدياد بعد رؤيتك لنصف وجهك الجديد.

هكذا أخبرتها حين كنا في التاسعة من العمر وبعد تلك الزيارة بأسبوع وصلني أنا وعائلتي خبر انتقال تاشا ووالداها إلى بلدةٍ أخرى  فلم أعد أراها منذ ذلك الحين.

استمريت في السعال وكدت أغمض عيني لولا أن أحدهم فتح باب الخزانة ليقول مؤنباً: لقد اختفيت فبحثت عنك طوال الوقت لأجدك تجلسين براحة هنا وهدوء، انظري إلى نفسك أنت تسعلين بشدة أتريدين الموت اختناقا؟

وصل الهواء إلى رئتي، ها قد عادا للعمل مجدداً، لقد نجوت من الاختناق لكنني لن أنجو منهن أبدا.

أمسكت تاشا بذراعي لتسحبني فأقف على قدماي، رتبت لي ثيابي وقالت بحنان: أنا أعرف جيدا بأنك نادمة على ما قلتِه لكن إن اعتذرت لهن فلن يفعلوا لك أي شيء، تعالي معي الآن، سنعود وتخبريهم بأنك تقفين في صفهم وليس بصف الغبية مولا، حسنا؟

هذا ظلم بل ونفاق أيضا! أنا لست مثلهن لا أريد التصرف كما يردن، إن دافعت عنها فهو حقها لأنهم يستمرون بذكر مساوئها وأمور غير صحيحة عنها، إنهم يستقوون عليها سواء كانت موجودة أم لا، عندما أدافع عنها في غيابها فأنا بهذا قمت بالواجب فحسب، لم يكن عليهن بدء الهجوم اللفظي عليّ، على الأقل فلتغيروا الموضوع وحسب.

أمسكت تاشا يدي بإحكام وانطلقت خارجة من الغرفة، حاولت تحرير نفسي لكنني لم أنجح، فحاولت إيقافها بوقوفي لكنها استمرت في سحبي حتى وصلنا إلى الغرفة المجاورة.

وقفت بسرعة وبدأت بالارتجاف، لم تلحظ إحداهن قدومي حتى قالت تاشا وهي تصفق بيديها: الجميع انتباه، لقد أتت كارلين لتقول لكن شيئا.

اتجهت جميع الأنظار نحوي، ووقفت تاشا خلفي لكي تسطع الأضواء علي وحدي.

طال صمتي فقالت إحداهن بغرور: ماذا؟ أسنبقى هكذا طويلا أم أنك ستقولين ما تريدين حالا؟

قالت أخرى مؤيدة: فعلا إنها مزعجة تفعل ما تريد و..

قاطعتها تاشا بحدة: لارا اصمتي!

فصمتت لارا فورا، إنهن يرهبن تاشا فهي الأقوى بينهن، هي القائدة هنا ومساندتي في معظم الأوقات لكنها أبدا لا تفهمني وطالما لا يوجد أي تفاهم بيننا إذا فهي بلا فائدة.

لا يتجرأن على ضربي أو شتمي أمامها بل يكتفين بِذَلّي فقط، ولا يحاولن إخفاء الحقد والكره عن أعينهن فيظهرنه ببساطة وكأنه شيء عادي تماما.

قلت بتردد: أ.. أ.. أنا آسفة.

بل أنا حانقة غاضبة! كيف لي أن أقول آسفة وهن من عليهن الاعتذار وليس العكس؟

قلوبٌ نقيةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن