عرجت إلى ذلك البيت بِخطى تكاد تجزم أنها شبه مسموعة أو أن صاحبها لا يمشي على قدميه بل يملك جناحين . أياً كان ذلك فذاك الصوت كان كفيلاً بتحريك كامل جسدي اتجاهه, فقد استسلمت تماما له وَ كأنما خُدِرت حتى كاد ذلك الصوت يأسرني فَور سماعه , ربما اتخذت قراراً متهوراً كَوني شخص حذر في معظم الأمور , لكن هذه المرة تختلف عن سابِقاتها ,فالفُضُول كان من ترأس الساحة و َجعلني أخطو أُولى خُطواتي نحو البيت المُهترأ الذي يجعلك تعتقد من النظرة الأولى له أنه مَحض بيت مهجور يكاد صرحه ينهار في أي لحظة تُقابله.
فتحت باب البيت بعد أن طرقت الباب مراراً وتِكراراً دُونما جواب يُشبع فضولي بِأن هُناك أَحد في الداخل حتى عرفت أن الباب مفتوح بمفرده و لا يوجد أحد.
في الحقيقة لم أستطع الانتظار فقدمي أصبحت هِيا من تجرني نحو ذلك الصوت الذي أصبح واضحًا شيئا فشيئاً طالما تقدمت خطوة داخل البيت.
لم يكن ذلك البيت مكان يسر ناظريك و يشعرك بالراحة بل شبكات العنكبوت والجدران المتهالكة و الأثاث المهترئ والهدوء القاتل باستثناء ذاك الصوت الغامض كان كفيل بجعلك تشعر بنوع من الريبة تحويها بِضع قطرات من الخوف قد امتزجت مع قلق وعدم الارتياح ، ولكن هذا لم يكن كافياً لِابعادي من هنا، فرغبتي القوية لمعرفة سبب ذلك الصوت كان دافعاً قوياً للمضي قدماً متجاهلة تلك المخاوف .
ولكن رغم ذلك مازل ذاك الصوت يثير حيرتي ويجعل عقلي يحوم في متاهة لا نهاية لها .
ذلك الصوت لم يكن له ترنيمة خاصة أو إيقاع مُنتظم أو حتى صوت شيئ أو كائن يسهُل معرفته! ، بل كان مُجرد همسات غريبة تتغير نبرة صوتها كل لحظة ، فتارة تشعرك بالراحة والطمأنينة لتأسر عقلك وتأخذك في عالم تحلم بوجوده في الواقع ، وتارة تقبض قلبك حتى تشعرك بالندم لاتباعك لها أو انجذابك حتى نحوها ، و لكن الأغرب من ذلك كُلِه حينما تشعر فجأة بأن تلك الهمسات تنُاديك وكأنها تقول أنني بحاجة للمساعدة! .
في كل مرة أسمع فيها ذاك الصوت أشعر بأنين تختلج طيات تلك الهمسات وكأن هناك شيئاً يخنقها .
ترى مالسر وراء ذلك الصوت؟ أريد أن أكون أول من يعرف .
هذا ما قلته لنفسي حِينما حطت علامات الاستفهام في عقلي .أكره الحزن وخاصة ذلك الأنين الخفي في تلك الهمسات ذلك كافٍ لجعلي أشعر بِبعض الحماس لاكتشاف صاحب الصوت أو سبب تلك الهمسات المبهمة.
في النهاية أوصلتني قدماي إلى غرفة تَقبع في أحد زوايا البيت لأتوقف هناك بعد أن أكد لي حدسي أن باب الغرفة فقط هي من تفصلني عن معرفة سر الصوت ، حتما تلك الهمسات صادرة عن تلك الغرفة ذات الباب الخشبي المتآكل من أطرافه السفلى والغبار الذي تراه وكأنه غطاء لذلك الباب .
في البداية شعرت بنبضات قلبي تتسارع بعدما حاولت أن ألمس مقبض الباب حتى أن يدي كانت تتراجع تلقائيا كلما هممت بفتحه ، لم أكن أعرف سبب ذلك فالفرصة أمام عيني لاخماد فضولي ولكن لسبب ما قررت أن أتراجع عن فعلتي و سُرعان ما أَدرت ظهري للباب لأعود أدراجي متجاهلة ذلك الصوت و لكن ما لَبِثت أن أمشي بِضع خطوات حتى توقفت قدماي بعد أن أحسست بأن الهمسات ارتفع صوتها قليلاً .
في تلك الحالة وبسرعة البرق تقدمت بخطوات مهرولة لأفتح الباب بحركة خاطفة وسرعة وأثناء توتري ، حتى أعصابي بدئت بالتشنج أقف مصدومتا دون أن أتقدم خطوة واحدة عن عتبة الباب حالما فتحته .
صِدقاً لقد كانت الحقيقة صاعقة بالنسبة لي ، لقد شعرت بِسُخف تفكيري حتى أنني كِدت أن أدخل في حالة هيستيرية فقد ارتسمت على محياي ابتسامة بلهاء لا أرادياً وكأنها كانت تنبيهاً على أنني وصلت إلى الحد الأقصى من الهلوسة لأضع كل تفكيري في تهيئات لا معنى لها من الأساس بل كانت محض خيالات نَسجَتها مخيلتي وأقنعت عقلي الباطن بها حتى جعلت من نفسي تَنقاد بسهولة لها وتعمقت فيها حتى صدقت أنها حقيقة وليست مجرد هلوسات أو تهيئات .
في واقع الحياة ومن وَحي التجربة كثير منا يجعل من أفكاره النابعة عن حاجته الشديد لتحقيقها في أرض الواقع حقيقة يدخل في عالمها و يتعمق فيها و يعطيها أكثر مما تزن حتى تفقد الاحساس أنك تعيش مع هلوساتك فقد مزجت بين الواقع والحقيقة وغدوت غير قادر على التفريق بينهما لتصبح أقرب للشخص المصاب بمرض انفصام الشخصية .
لقد كان ذاك الصوت الذي أخذ جميع أفكاري وجعلني أذهب لأبعد من الوقع مجرد صوت اهتزاز باب دولاب ملابس خشبي نتيجة الرياح القادمة من النافذة المفتوحة بكاملها، ففي كل مرة يهتز جيئةً وذهاباً يختلف صوته بحسب قوة الرياح فيخيل لك أصوات وهمسات مختلفة غير منتظمة، خاصة و أن المعادن التي تربط الباب بالدولاب كالمسامير مثلاً و غيرها قد شبعت من لون الصدأ الأحمر ، فهذا كفيل بجعل الصوت مسموعا أكثر بمساعدة الرياح القوية التي هبت مساءً.
معظم الأمور تكون مجرد أمور صغيرة و بسيطة ولكننا نعطيها مساحة كبيرة من تخيلاتنا حتى نختلق و نشعر بأمور لا أصل لها .
آرائكم تسعدني 😉
تحياتي ^_^
أنت تقرأ
تهيآت من نوع خاص
Misteri / Thrillerذاك الصوت جعلني لا أقدر على التفكير في أمر عداه ................. ذلك الحماس الذي يجتاحني لمعرفة ما سره سوف يقتل فضولي قريبا جدا حينما أحصل على مرادي وأكشف غموض ذاك الصوت