~: يفصل بيننا شارع :~

3.8K 229 54
                                    

بين جدران الدير و اليتم انتشلتني تلك القلوب الصافية ، اختارتني من بين كل الاولاد الصغار هناك لتحتضني بحنانها و كرمها ، كنت صغيرا جدا فلا اذكر الكثير عن ذكرياتي هناك ، و لكنني لن انسى كيف اني بينهم كدت انسى انني يتيم .

لا اعرف ...  كم كان عمري عندما وصلت لذلك الحي الذي اذا وطأت قدماك ارضه و دنوت من جدران اهله ارتعش قلبك امنا و طمأنينة ، كان مرور الايام بينهم اجمل و يحلو يوماً بعد يوم .

كبرت و التحقت بالمدرسة ، حضيت بأصدقاء كثر ثم انضممت لنادٍ رياضي لاحضى بشعبيةٍ اكبر ، ولكنني لم أكن بذاك الفتى الذي يذهب للمدرسة مبكراً ، فاعتدت على ان اسمع ذاك الصوت الحاد يناديني بغضبٍ كل صباح :
هاااااااانيييييييييييي  ....
فأهرع فزعا : اااااااااه 😫😫
فتضربني قائلةً : هاني هاني هاني  الن تتعلم ابدا ابدا ان تستيقظ مبكراً !!
- و لكن امي ...
- لا اريد سماع لكن ... الان انهض هيا.
- امي ايقضي اخي ثم عودي إلي .
- اي اخ؟!
- الكبير يا اممممييي .
- حاتم مستيقظ .. هيا هيا .. علي ترتيب هذا ابتعد .
- اوووو ماذا عن الصغير .
- مجد ايضاً مستيقظ ... هيا يا ولد

فأنهض بكسلٍ لاجد اخوتي يصطفون عند الحمام فتعجبت بقولي :
الن تتعلموا ابداً ابداً ان تستيقظوا مبكراً؟!
حاتم بإنزعاج : عليك ان تتعظ بكلماتك قبل ان تعظ بها الاخرون .

و كالعادة يأتي ابي المتأخر عن العمل و يقول :
يا اولاد انها السابعة و النصف ... الن تتعلموا كيف تستيقظوا مبكراً.
فتأتي امي حاملةً سلة الملابس و تقول :
حبيبي الولاد يحتاجون لقدوةٍ قبل الواعظ .
و يجيب : على القدوة ان يعظ قبل ان يُقتدى به .
فتهز رأسها متنهدةً : لا اريد ان ارى احداً هنا عند حلول الثامنة و انت من ضمنهم .
فيسأل : و أين لؤي ؟!
فتجيبه : إن لؤي قد انطلق باكراً الى المدرسة ، أتسمع يا حاتم اصغر منك و يجيد الاستيقاظ بمفرده .
حاتم : عيبٌ يا امي أن تقول لي هذا ، كيف اقتدي بمن يصغرني سنّاً ، على هاني أن يفعل هذا فهو اصغر منه .
انا: ماذا ؟! ولك....
امي مقاطعةً : هياااااا اخرجوا ، كيف انظف البيت و انتم تحومون هنا ؟!

كان هذا روتينٌ عائليٌ يوميّ ، روتينٌ جميل رغم المنازعات التي تحصل فيه ، لكن الامور بدأت تتغير عندما سرنا في ذاك الصباح الى المدرسة ، رأينا رجلاً غريباً برداءٍ طويلٍ رثْ و قبعةٍ تغطي ملامح وجهه بالظل يقف مقابلاً لبوابة المدرسة على الشارع المقابل .
حين رأيته لا اعرف ما اصاب اطرافي .. فقد توقفت .. و عيني امعنت النظر فيه و اطالت التحديق اليه ... " متسول؟!" ... لا ادري ...
فرميت بصري على حاتم ... هو الاخر ... " ما باله؟! " ثم نظرت الى الرجل .... اردت سؤاله " هل هذه اول مرة ترى فيها متسول ؟!"... لم استطع .
فدفعني بكتفه .. التفت اليه ؟؟  .. فقال مجد : حاتم هيا ندخل .. و امسك بيده ، فابتسم اليه و دخلنا ... 

" ما ذاك الشعور الذي راودني؟؟" .... " ما تلك الافكار التي راودتني؟؟ " .... " انا .... أشعر بالخوف ".....

دفن بين رماد بيتناحيث تعيش القصص. اكتشف الآن