جلست بثينه تنظر الى جثمان والدها بعيون زائغة ودموع متحجرة تأبي ان تسيل..وقلب قد ملأه الفراغ
تذكرت ايام طفولتها وابوها يغمرها بحنانه ويسبغ عليها
بالحماية والرعاية..يهذبها وهى طفلة ويسامرها وهى فتاة يانعة..امسكت بيده الساكنه وضمتها الى صدرها واخذت تقبلها....ثم راحت فى نوبة بكاء صامت......
اقترب حسن منها وربت على كتفها واخذ بيدها بعيدا عن الجثمان. ثم خلع القلادة الزرقاء المعلقة فى رقبة الشيخ
واعطاها لبثينه التى وضعتها فى رقبتها كما كان يفعل ابوها
وحفروا له قبرا ودفنوه فى الصحراء ثم انطلقوا عائدين للممر
وعند وصولهم وجدوا البوابة المظلمة قد احتفت......
وصلوا الى مفترق الطرق...حانت لحظة الفراق
اضطربت القلوب..وارتعشت الأيدى ...وثبتت الأبصار تحدق فى الفراغ ...نظر حسن الى بثينه وقد تلاطمت الافكار فى عقله فأنعقد لسانه وعجز عن النطق فوقف ساكنا يرسل نظراته تحدثها بلوعة قلبه....وهى تنظر اليه ومازلت تلك الدموع المتحجرة تأبى ان تسيل فتلمع فى عينها كنجوم فى الفضاء السحيق......هزمها حزنها فنكست رأسها تنظر الى الأرض مستسلمة لقدرها..مد يده الى وجهها الحزين ورفعه
بأنامله المرتعشة ونظر فى عينها نظرة وداع......وشعر برغبة عارمة للعناق فاقترب منها واحاطها بزراعيه وتلامست القلوب واختلجت الانفس .وفى ذات الوقت تلامست القلادتان
فانبسق منهما نور يمتزج بالالوان كأنه قوس قزح اخذ يكبر حتى غمرهما وتوهج النور كضوء الشمس ثم اختفى ومعه اختفى الحبيبين......
وقف احمد وحيدا لايصدق ما حدث وظل يحدق فى الفضاء.عله يجد لهما اثر ..ولما استيأس من ذلك انصرف عائدا الى قريته يخبر اهلها عن حكاية الحبيبين فلم يصدقه احد وظنوا انه قد مسه الجنون فأنزوى فى بيته وحيدا يلعق مرارة الذكريات* بعد سنتين
يجلس احمد فى بيته حزينا .مهموما منذ فراق صاحبه
يسمع طرقات على الباب .قام لينظر من الطارق
فتح الباب فوجد امامه فتى وسيما تبدوا عليه علامات النعمة
نظر الى وجهه ذلك الفتي كأنى اعرفه . نعم ..نعم انه يشبه وجه صديقى حسن اخذ ينظر اليه وهو يحدث نفسه بهذه الكلمات فيذكره بالايام الغابره وتندفع الى عقله ذكريات الماضى فيشرد الى عالم آخر .
نظر له الفتى بابتسامة رقيقة ثم قال "ألن تدعونى للدخول؟"
احس احمد بالاحراج فاضطربت كلماته وهو يقول " آسف اطلت عليك الانتظار. تفضل بالدخول"
دخل الفتى وجلس على الاريكة التى كان يجلس عليها حسن
فازداد شوقه الى الماضى وغلبته دموعه فأخذ يمسحها بأطراف أنامله.....وبعد ان قدم واجب الضيافة للفتى سأله عن مراده فقال الفتى وهو ينظر الى عين احمد وكأنه يذكره بشيئ" ألا تعرفنى ؟" قال احمد وقد بدا عليه الاستغراب
" وهل تقابلنا من قبل ؟" قال الفتى " لا ولكن بالتأكيد انك قابلت ابى " قال احمد وهو يقلب فى ذاكرته " عذرا ومن ابوك؟" قال الفتى " انا إبن صديقك حسن!!!؛!"
قال احمد وهو ينظر الى الفتى فى ريبة "ايها الفتى انا لست فى حالة تسمح بالمزاح فقل ماتريد او ارحل
تبسم الفتى وهو يتفهم قول احمد ثم قال "سأذكرك بأشياءلايعرفها احد غيركما " ثم بدا يتلو على مسامعه حكايات ومواقف لايعرفها سواهما .....اندهش احمد من معرفة الفتى بهذه الوقائع ولكنه مازال لم يصدق انه ابن حسن فكيف يصدق ذلك وهو لا يصغره الا قليلا
بدأ الفتى يسرد على مسامعه ماحدث لوالديه
" عند وصولكم الى مفترق الطرق وحدث مارايته.اختفى والدى فى النور المنبثق عن القلادتين وغابا عن الوعى ولما استفاقا وجدا نفسهما فى عالم عجيب تملأه الزهور والرياحين ويعبق جوه الروائح الذكية .وتفترش ارضه المروج والانهار الصافية .انه عالم لم يطأه من قبل الا اصحاب القلوب الطاهرة
الزمان فيه له مقاييس أخرى فالسنة فى عالمكم تساوى عشر سنوات فى عالمنا .استقر والدى فى ذلك العالم وارتبطا برباط الحب والزواج وكنت انا ثمرة ذلك الحب .كان ابى دوما يحدثنى عن عالمكم وعن صداقتكم .وكان يحن الى رؤيتك ولكنه لا يستطيع العودة الى عالمكم فقوانين عالمنا تمنعه من ذلك....وعندما بلغت العشرين ارسلنى الى هنا ادعوك الى زيارته..بدا احمد يفهم ويصدق مايسمع فانفرجت اساريره
وغمرته الفرحه وأخذ يسأل الفتى أسألة كثيرة عن صديقه فى وقت واحد
قال الفتى مبتسما " تمهل قليلا ..عندما تلتقى به ستعرف كل شيئ عنه"...قال احمد " ولكن كيف جأت الى عالمنا ألم تقل ان قوانينكم تمنع ذلك ؟" قال الفتى " من جاء من هذا العالم غير مسموح له بالعودة اما من ولد فى عالمنا فمسموح له بزيارة عالمكم " قال احمد " وهل انا مسموح لى بزيارة عالمكم ؟"قال الفتى " انت من اصحاب القلوب الطاهرة وهؤلاء مرحب بهم فى عالمنا " ثم قال " والآن هل انت مستعد للذهاب " قال احمد فى لهفة "اجل...اجل لاداعى للانتظار ......
امسك الفتى بيد احمد وفى يده الاخرى قلادة كتلك التى كانت مع والده .مسح عليها فشع منها نورا قويا ثم اختفى حاملا احمد الى رفيق دربه الذى طال فراقه حيث لايسكن الا اصحاب القلوب النقية الطاهرةتمت بحمد الله
أنت تقرأ
اسوار الضوء
Fantasyحين تقود الصدفة الى اكتشاف مثير تبدا معه مغامرة خطيرة الى عالم اخر يقابل فيه الابطال كائنات خيالية وينجو من هذه المغامره من كان قلبه مملوء بالخير