عزف الرحيل
11
أصبحت الساعة الثامنة مساءً وزينب لا تزال لوحدها في خلوة مع نفسها تفكر هل ما فعلته بقدومها إلى هنا كان صحيحاً أم لا.. لم يقطع رحيلها إلى داخل أعماقها سوى صوت الباب الذي فتح دون استأذان وبقوة تشعرك بغضب ممسك قبضته كانت نهى، دخلت بصوت يملأه التحدي والسخط:
_من انت لتأتي هكذا فتسيطري على قلب عمي بساعات لم نستطع نحن بسنين امتلاك ابتسامة منه.
ارتبكت زينب فهي تخشى أنها أشعلت غيرة لم تكن بعلم عنها :
_لم أفعل شيئا يستحق غضبك يا خاله .
_ هل انت من قلت له أن يأتي ويحذرنا من مضايقتك! ماذا تعتقدين هل نحن وحوش سننهشك بأسنانا .
_لم أفعل صدقيني .
نهى وهي تهم في الخروج :
وغرفة أبني ستعود له ، لن اجعلك تسرقين ذكرياته منها.
صفعت بالباب والخادمة من خلفها قادمه فأوقفتها نهى بخبث :
_اسمعي "أوما" كل ما تطلبه منك هذا الفتاة لابد أن تأتي لي كي تخبريني به ، هل هذا مفهوم .
_حسناً سيدتي.
غادرت نهى المكان ودخلت الخادمه إلى زينب :
_آنستي ان غرفتك جاهزه .
زينب بنيتها الصافيه وخشيتها من ظلم أي شخص كانت الكلمات اللاذعه من نهى لا تنفك من خارطة عقلها لذلك رفضت الصعود وطلبت ان تنتظر قدوم جدها فأخبرتها الخادمه بأن الليلة ليلة الجمعه والسيد خليل يتأخر في شركته إلى الساعة العاشره ، فقالت لها:
_حسناً سأنتظره إذاً .
خرجت الخادمه وزينب لوحدها تشعر بالضيق في هذه الغرفة المغلقه فهي اعتادت على طبيعة القرية وسحر جمالها فلا شيء انقى من هوائها وأعذب من مائها لذلك أرادت أن تخرج إلى حديقة المنزل لعلها تزيح عن صدرها ما تشعره من ضيق.
خرجت لتصادف نهى وساره في صالون المنزل فقالت نهى لأبنتها بصوت عالي مقصود:
_مسكين أبني آدم هاتفته لكي أخبره بأن غرفته اُحتلت كي لا يُصدم حين مجيئه لكن لم يحالفني الحظ فهاتفه مغلق.
ساره التي لم تختلف عن والدتها في حبها لغيظ زينب :
_أمي سمعت ان المهاجرات كثر هذه الأيام فلا تتعجبي إذا احتلت جميع غرف المنزل .
لم تشاء زينب ان ترد على حديثهما المقصود فخرجت دون حتى أن تنظر إليهما مما أشعل ذلك الغيظ في قلب نهى.
........
جلست على العشب في حديقة المنزل الخلفيه تاركةً الكرسي الخشبي خلفها فارغاً ، تحسست بيديها الناعمتين برودته وطراوته فأغمضت عينيها تسترجع بذاكرتها إلى حقل الزهور حيث كانت تصنع لها والدتها طوق من الياسمين وتنشد لها قصيدة عن صلاة المشتاقين وتوصيها بها دائما فمازالت كلمات والدتها تطرق أذنها برقة الحب لتعيد لها ماضياً جميلاً( _ هل ترين جمال هذا الياسمين يا زينب وهو حول عنقك. _نعم يا أمي. _عندما تقفين بين يدي الله والناس نيام سيزينك رب العالمين بطوق اجمل منه تلتمسينه في روحك المهاجرة إلى خالقها ، ستحلقين إلى عالم يفوح مسكاً فيعطرك برائحة السمو عن ملذات الدنيا الصغيره ، فلا تدعي شيئاً يحول بينك وبينها فأنت أطهر من أن تبعدك عنها الذنوب لقد اجتهدت وأنا احملك في احشائي لأدخرك ليوم احتاج دعاؤك فيه فلا تنسيني يا حبيبتي.
ضمت زينب والدتها بحب:_أنا هي المحتاجة لدعاؤك بين يدي الله فلا تنسي اسمي يا أماه بين الأستغفار لأربعين مؤمناً. _ وكيف تنسى الروح جسدها يا حبيبتي.)
فتحت زينب عينيها على ظلمة السماء لتعود إلى واقع يخلو من أمها وأبيها:(أمي أنا بحاجتك ،ليت روحي تحلق إلى حيث تكونين لأهرب إلى وطن ذراعيك دون العوده إلى عالم لا يفوح منه رائحة عطرك ولا جميل صوتك، عجزت يا أماه ان أكبت من عيني شوقاً يتحدى قوتي فيطغى على ملامحي ليبوح كاشفاً أحزاني)
أشتد البرد على زينب في الخارج فقررت العوده بعد أن نظرت إلى السماء بنظرة أخيره قبل دخولها:(لا يمل من ينظر إليك وكيف أن كانت ليلة الجمعه وابوابك مفتوحة للسائلين ).
عادت لتجد المنزل هادئاً ، افتقدت أخيها عبدالله طويلاً فلا تعرف أي الغرف تطرق بابها لتجد عمتها فيها فجعلت تستكشف الطابق الأرضي فذهبت نحو رائحة الطعام لتجد المطبخ وبه خادمتان ، ألقت السلام عليهما ثم سألتهما أن كانتا شاهدتا عمتها صفيه فأجابتا بالنفي فسألتهما:
_هل تسكن عمتي صفيه هنا؟
فقالت إحداهما: نعم لها جناح خاص في المنزل .
فطلبت زينب من الخادمه ان ترشدها إليها.
#يتبع #