في الفريب مع منيرة...

235 9 9
                                    

الفريب : هو سوق اسبوعية لبيع الملابس المستعملة...
......................................................................
هو يوم السبت.. يوم عادي بالنسبة للكثيرين كسائر ايام الاسبوع المتلاحقة لكنه... ليس الحال بالنسبة لمنيرة...هو يوم السعد واليوم الذي طال انتظاره فالاسبوع كان طويل مرير ككل الأسابيع على منيرة التي تمزقت بين اعمال المنزل الشاقة و طلبات الزوج المجحفة التي لا تنتهي و سئمت من تعللاته وتذمره بكونه "رجل الدار" و لكن الرجل الحقيقي هو... منيرة...
هي واقفة امام المراة... تتامل التجاعيد التي وشمها" الهم" على وجهها رغم كونها مازالت تشق الثلاثنيات و تحملها نحو ذكريات شبابها القريب التي قصفها "المعمل" و كم تشتاق لذلك المعمل! كم تشتاق صوت ماكنات الخياطة! و ثرثرة العاملات خلفها! و صياح المسؤولة المزعج! فالعمل بالمعمل لو يكن بالهين لذلك فقد كان شاغلها الوحيد هو مغادرة ذلك الجحيم فاستغل الزواج ضائقة المسكينة و اتى ملتفا بلحاف المنقذ المحقق للطموحات والاماني و ووفى بوعده و انقذها من جهنم المعمل و لكن سرعان مانزع لحافه و اراها وجهه القبيح لتقع في فخ هذا الزواجوة تدخل قفص جهنم اقسى من جهنم المعمل الا وهو قفص الزوجية...
" ها منيرة وخيتي.، هيا النهار راح.. " على وقع كلمات الجارة تستفيق من تاملاتها وتعود إلى الواقع على اثر استراحة قصيرة فتحمل قفتها المزركشة مسرعة و تقود جارتها نحو معبد الحياة الا وهو" الفريب".... والطريق طويل و مازدها طولا هو ثرثرة الجارة المتواصلة فلا تنفك تتحدث عن المسلسل تارة ثم عن تلك الجارة و تعود بعد ذلك الى المسلسل و لكن منيرة لا تبالي على غير العادة فالشتاء قادم و الام سئمت تذمر ابنتها المتواصل المطالبة بمعطف يتماشى مع موضة العصر حتى لا تنبذها صديقاتها الغنيات المتزينات المؤمنات بجاملهن الزائف... و مع اقتراب منيرة من الفريب بدات اصوات الباعة تتعالى و ياله من منظر! اكوام من الملابس هنا و هناك مكدسة على شكل تموجات كامواج البحر تعبث بها الايادي وتعث فيها الفوضى... في الفريب تجد الغني و الفقير... المؤمن و الملحد... المشهور والمغمور.. . كلهم على اختلافهم تجمعهم الرغبة في اقتلاع ماتيسر من الملابس المستعملة بارخص الاسوام فالفريب "شيوعي" ...
و هاهي الان منيرة تشق طريقها وسط الجموع فتدفعهم و يدفعهونها و لا يهمها الا العثور على ذلك المعطف و ها قد وجدت ضالتها فتهرول نحوه مسرعة بتحمس كبير لكنها وقفت فجاة على اثر انقضاض امراة اخرى على ذلك المعطف فاخذت تشاهدها كالصقر و تتمتم في صمت لكنها لم تفقد الأمل ابدا بل كانت مصرة على ان الانتصار سيكون حليفها وهي مسألة وقت فحسب و كان الامر كذلك فسرعان ما تركت تلك المرأة المعطف لصالح منيرة لتنقض عليه الاخيرة بعد طول انتظار و تقلبه بكل حماس و قد كان حدسها صائب... هو المعطف المطلوب...
و على حماستها هذه انتهى يوم سبت اخر كان فيه الحظ حليفها على غير ايامات الاسبوع الاخرى و تعود الى سجنها فتقضي فيه ست ايام مضنية مملة ثم يأتي السبت...
تعود الى المنزل و تفتح قفتها و كانت الفاجعة... لقد اختفى المعطف... لابد من انها نسته في مكان ما بين الاكوام فتغادر مسرعة نحو الفريب على امل ايجاده مرة اخرى...

الرب "طحان" حيث تعيش القصص. اكتشف الآن