أول محادثة

56 2 0
                                    

فكرت كما لم أفكر من قبل في تلك الآونة، باطحة رأسي قليﻻ مبتسمة متعجبة موجهة عيني نحوه ثم نحو الجميع، هناك التقت عينانا أول مرة ، نعم نظرت في عينيك مباشرة و أحسست أن ردي كان ممتازا، و قد اعتدت أن أفكر بعد مكالمتي لأي أحد و أن اراجع كل تفصيل في ذهني، و في لحظات جد قليلة لم يكن أحد الحاضرين ليصدق ما يصنع في رأسي من أفكار، و ما كان أحدهم سيفهمها حتى لو وصلت رأسي بمكبرات الصوت، أنا عن نفسي لم أصدق كيف فكرت بتلك الكمية و في تلك المدة، و انتهيت الى الشعور بالرضا التام عن ردة فعلي و أنتهيت الى فكرة أشبعت ضميري و ابتسمت ابتسامة ماكرة مناجية نفسي
-لقد أجدى التفاني في التفكير في تسريع ردة فعلي!!!
أكثر ما شغل ذهني في تلك اللحظات هي كيف لم أتسرع لأجيب، فأنا ﻻ أراني تلك الفتاة التي توصف بتلك الكلمات الأربع، لكنني مع ذلك ماكنت لأغير اجابتي حتى لو اعاد الزمن نفسه...
و على عكس الكثير من المرات التي سبقت، أنا كم كان يحزنني ذاك الذي يحكم على الكتاب من عنوانه و غﻻفه، حاولت التعايش مع انتقادات الأشخاص الهدامة ، فمنهم من يقول أنني مغرورة ،و آخرون يطلقون علي الاشاعات لكي تتلطخ سمعتي الناصعة البياض، و منهم من يحكم علي من سوء تفاهم أو زلة بشر ! و سكوتي و رضاي الداخلي في موقف كهذا كان تقدما كبيرا بالنسبة لشخصيتي...
أذكر في يوم انني كنت و رفقة التي كانت تسرد حكاياتها كما اعتدت عليها، محاولة أن ﻻ أفقد تركيزي لأنها ترجتني أن أستمع الى كل تفصيل، فراحت تحكي و تحكي و صمدت لمدة كافية قبل أن أضع يدي على وجهي و أسرح قليﻻ فصاحت رفقة
-ركزي!!
و رفعت رفقة يدها لتلوح بها لزميلة لنا في نفس الوقت و لأنني الفت منها الضربات على الرأس و من كل اتجاه، فانني لم أكن مستعدة لتلقي واحدة أخرى، و رفعت يدي بسرعة و أنزلت يدها قائلة بهمس و ضاغطة على أسناني
-مركزة !!
فإذا بزميلتنا تلك تتجه نحوي و تقول
-لم أكن سآتي حين دعتني رفقة بكل الأحوال فﻻ تقلقي !
أحسست و كأن آخر شيء أود أن أشغل به ذهني المشحون هو تلك الفتاة الفاقدة للثقة في نفسها، لكنني و رغم ذلك رحت أشرح لها الحادثة بالتفصيل لكي أزيل سوء الفهم، أغاضتني الفتاة لأنني أحسست بجلوس الشيطان على أحد جانبيها يمنعها من سماعي هذا ان لم تكن هي الشيطان بنفسه فهي كأنما وضعت غشاء بينها و بيني منعها من أن تسمع كلماتي. و هناك فقط ، شعرت برفقة، فقد كنت لأول مرة من يعطي التفاصيل ،و من أكلم شارد الذهن ﻻ يستمع لحرف أقوله .....
مثل هذه المواقف ﻻ تزول من تفكيري بسهولة، أحلل و أعلل لأشعر نفسي بحال أفضل، فكرت في أنه كان سيجدي نفعا أكثر لو أمسكتها من اليد و صرخت هل تنصتين ؟؟
لكن اليوم، ﻻ تهمني هذه الفتاة، و ﻻ غيرها من الذين يسيؤون بي الظن، دعهم في ظنهم و دعني في ثقتي بنفسي، فان ارضاء الناس غاية لم يدركها أكمل البشر فأين أنا من كماله و عظمه.

هي واحدة من عديد المرات، كان الرجوع بالزمن ليساعدني على إراحة ضميري ... أما هذه المرة فالأمر مختلف،
-لو كنت متكبرة لما كنت هنا ، لولم أتقن اﻻ الدراسة لما كنت هنا و لو كنت شاردة لما كنت هنا.
فقالت رفقة
-ولو كانت "أنتيك" ما كانت هنا !!
و أطلقت قهقهتها في الأرجاء، تلك القهقهة التي ﻻ تكون بذلك الصدى اﻻ في الصباح عندما يكون صوت رفقة ﻻ يزال غليظا بعض الشيء، و هي تطلقها بقوة و تنقطع ثم تسترجع انفاسها ثم تنقطع ...
أكملنا اللعبة، او بالأحرى أكملوا، و لم يتكلم أحدنا مرة أخرى طيلة ذلك الوقت، بل ولم أتكلم ثانية طيلة ذلك اليوم...
عند دخولي الى المنزل، رن هاتفي لوصول رسالة على احدى مواقع التواصل، كانت رفقة كعادتها ، فما ان أهم دائما بتغيير حالتي الى "غير متصلة" حتى تبعث الي
-ccccccccccccccccc
لم أحسب في الحقيقة كم حرف (c) رفقة كتبت، لكنها أفلحت في جعلي أبتسم ﻻ أدري ما جعلني أفكر في أن حرف (c) أشبه برمز الاحتواء... كيف يمكن لهذه الفتاة أن تحتوي بحب نافذة رسائلي و تنتظر مجيئي بفارغ الصبر، أحببت هذا بها و لم اسأل يوما عن السبب. أظن أنني أحب الاكتفاء بفرضيات بعض السببيات لاحتمال أن تكون الفرضية نفسها أجمل ... و انا أقنعت نفسي أن رفقة هي صديقة عمري، اختﻻفنا رهيب، شجارنا عنيف، لكن الرابط بيننا أقوى من ان تكسره نقاط اختﻻفنا.
و بعد لحظات تظهر نافذة بها العديد من المتصلين، و اذا بكل المدرسة هناك، حسب تعريف رفقة طبعا، كانوا يتكلمون بدون نظام و عن كل شيء، و يمزحون غير واضعين النقط و الفواصل، تحدثوا عن اللعبة التي لعبناها يومها، لم أكن أقرأ كل الرسائل، بل كنت أقرأ اول الكلمات لأرفع عيني ثانية و أكمل قراءة روايتي الجديدة، لم أستعمل الانترنت أبدا اﻻ لقراءة الروايات.

في خضم خشوعي مع أحداث روايتي المشوقة وصلتني رسالة من أحدهم
-آسف
-ﻻ عليك ، لكن من؟
-ﻻ تعرفين من و تردين بﻻ عليك؟
-قلت أنك آسف
-و قلت ﻻ عليك، كيف تعفين عمن ﻻ تعرفين
-ربما لسببين
-ماهما؟
-أوﻻ، مهما فعلت من ضرر فأنا هنا بخير يعني لم اتضرر حتى لو كنت معنية و السبب الثاني يستلزمه الاول
-ماهو؟
-ﻻ يعتذر الكثير في وقتنا هذا. ..
-من ﻻ يعتذر ليس بخطاء، و من ﻻ يخطئ ليس بانسان
-أعرف بعضهم
-آسف
-ﻻ عليك
-هل تعرفين أصﻻ لماذا اعتذرت للمرة الثانية؟
-ليس فعﻻ ، أظن لأنني أعرف ذاك النوع من الناس لكنني أرجح أن ذنبك ﻻ يكفر عنه اﻻ "تأسفان"
-النوع من الناس ؟
-الذين ﻻ يعتذرون
-اه... بلى ... هو كذلك ...سديم
-نعم؟
-لم أقصد احراجك أمام الجميع، ﻻ أجدك متكبرة، و لو تأملتي كﻻمي فانني قلت يظن البعض و لم اقل أنك ...
-أنني؟
-أنك كذلك
-كذلك؟
-أرجوك سامحيني
-كفى ..كفى .. فالاكثار من الاعتذار يفقد قيمته، كما ان جوابي لم يكن لك، انت لم تكن اﻻ فرصة لأجيب بعضهم، كما تعرف الشيء نفسه و المنظار مختلف
-و أنت مختلفة
-ربما
-ﻻ، بل أنت كذلك
-أي من الكذلكين تقصد ؟
-رد بابتسامة، الآن أفهم لما يعتقدون أنك مغرورة. لأنهم ﻻ يفهمون لغتك...
ألصقت وجهي بالشاشة متعجبة ففي ذلك الوقت اختلطت علي أقواله، ثم قال المزيد ليغرقني في دوامته أكثر..
-علي أن أذهب

لست متكبرة، أنا انسانة عادية هيبتي وضعت حدا بيني و بين الناس و فقط الجريء منهم من يجازف و يكلمني، لكن فور مكالمتي ، يكتشف أي شخص أن تلك الشخصية التي تتبادر عند لفظ اسمي ماهي اﻻ شخص رسمه عقلهم ﻻ واقعهم، و كذلك هي المخاوف ﻻ وجود لها على الواقع فالظﻻم ما هو اﻻ استراحة للضوء، و المرتفعات تعطينا فرصة لنصير أقرب إلى السماء حيث كان يفترض أن نكون، كذلك أنا بالمدرسة أبث الخوف باقترابي لأنني فوبيا من نسج خيالهم..

ذهبت و لم أعرف اسمك منك ، ربما و لأنك لم تقله لي ، كنت لم أنادك به لأكثر من شهر ، ﻻ أعرف إن كنت لم تلحظ ، أم أنك تتظاهر بأنك ﻻ تﻻحظ...

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Mar 04, 2016 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

سديم (Sadeem)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن