__ أريد رؤية ملفي! قال الشيخ المنفعل وهو يلوح بقصاصة من ورق أمام وجه السكرتيرة.
أمام انشغالها الذي عده تجاهلاً، يزداد إصراره دون أن يرفع صوته أكثر من اللازم: أعطني ملفي.. المدير أعطاني هذه الورقة..
(لم يكن خفياً على أحد من الحضور تشديده على كلمة "مدير" عدة مرات في الجمل الثلاثة التالية)
__ انتظر قليلاً.. انتظر دورك! تجيبه بانفعال بعد أن استفزها أزيزه وإلحاحه.
تستسلم لحركاته الصبيانية - مثل طفل يرفض تناول طعامه - أخيراً.
__ دعني أر (تأخذ منه الورقة) أي مدير؟ من أعطاك هذه الورقة؟ ماذا تريد بالضبط؟
__ إنه المدير! هو الذي.. (أكتم غيظي حينما يكرر الكلمة للمرة المئة).
__ أي مدير؟ أرني هذا المدير الذي أعطاك الورقة؟
(تسأله بملامح جادة حائرة).
* * * * * *
كنت جالساً بالركن القصي من الطاولة الطويلة، مكلفاً بالملفات وضبط سجل تواريخ تسلم الشيكات وكذا تسجيل الملاحظات وشكايات الزبناء غير الراضين..
(انعزالي النسبي عن باقي فريق العمل هو ما جعل المسكين يستسلم لظنونه..)
... أختطف بعض الومضات، من حين لآخر، لأكتب قصيدتي عن قس وعذراء.. حينما أشار إلي العجوز باستماتة غريق في عينيه.الحقيقة أني - وإن لم أرفع رأسي قبل ذلك - كنت أتتبع الأحداث، وأنتظر بفارغ الصبر انتهاء هذه المسرحية.. رغم الحرج الذي قد تسببه سذاجته لي وله..
* * * * * *
يدرك المسكين - إن لم يكن يتغابى منذ البداية - فظاظة إصراره حينما تهاجمه السكرتيرة بشراسة وهي تشير إلى المدير بجانبها على الطاولة:
___ هذا هو المدير!
يرتبك مخاطبها ويتخبط أمام عجز كلماته المتداخلة عن إخراجه من هذه الورطة..
ينظر إلي المدير - الحقيقي - فأتحاشى النظر إلى عينيه وألتجئ إلى الأوراق أمامي.. غير أني لا أخفي مرحي وابتسامة ارتسمت على شفتي رغماً عني..كتمت ضحكتي.. أخفيت قصاصة الورق التي أخط عليها القصيدة لأتمها في وقت لاحق.. ثم عدت إلى العمل.