حملت أوراقي واتجهت إلى البحر ، اتجهت هناك لأرى ذلك المنظر الذي لطالما ملأ القلوب بمشاعر تختلف عند رؤيته وتهمس العيون بما في الخواطر من جنون لأجله ..
انه موعد غروب الشمس ، وقفت أمام ذلك البحر ، كانت الإلتجاج أفضل ما يوجد هناك ..
تشعر بأنك في صفاء بعيد عن الهموم ، تنظر حولك وترى البحر والشمس يتهامسان ..
انتظرت غروبك أيتها الشمس لأرى الإشعاع الهزيل الذي يودع البحر .. ويودع يوماً ما مضى من حياتي ..
انتظرت ذلك المنظر لأبقى لحظات مع نفسي أتأمل الشفق الأحمر وهو يحتضن التل وداعاً ..
انتظرت ذلك المنظر العجيب الذي يحول البحر والجو إلى مكان آخر ، مكان لن تنساه العين ، ينسيك الهموم والأحزان التي تكتم أنفاسك ويودعك بغروب يملأ القلوب بمشاعر عذبة ..
بدأ ذلك البحر يمتلأ بخيوط الغروب وأصوات تلك الأمواج تغرس الشوق في قلبي ..
في لحظة غروبك أيتها الشمس وأنت تاركة لنا منظر ترق به المشاعر وتلين .. منظر رائع يسحر عيون الكثير ..
منظر يحي القلوب البائسة .. إنه ذلك اللون لون الغروب .. الذي طوى صفحات الأمس وبث الحياة في النفس .. ملأ الأرجاء بعطره .. وغمر المشاعر بروعته ..
....
انقضت خمس ساعات تقريباً وأنا أتأمل ذلك البحر العجيب ، وأفكر فيما سيطرأ عليّ في المستقبل القريب ، ولا زلت أفكر في ردود أفعال الناس على حلمي الذي أتمسك به ، ولكن اذا أردتم الحقيقة ...
انا لا أبه لهؤلاء الأشخاص ، فهم لا يجدون إلا الحديث عن الناس وأخذ مشاكلهم وأمورهم الشخصية على محمل الضحك والسخرية ، ولكن إذا أردنا أن نعاتب المخطئ .. فالمخطئ هو من سمح لمثل هؤلاء التطفل على حياته ومعرفة أدق شؤونه ..
وفي النهاية الجميع مخطئ ..
استكملت سيري نحو منزلنا الذي عمّه الهدوء في ذلك الوقت ..
ومرت الأسابيع في سرعة فائقة وكأنها تسير ضدي ، وتريد من ذلك الموعد الذي لطالما تمنيت عدم مجيئه القدوم الىّ ...
اللعنه على سرعه الأيام ..
----
ولكنه لا مفر من ذلك ..
استيقظت بتثاقل وأنا أرجو أن يحدث أمر ما يغير مجرى الأمور أو على الأقل يلطف من حدته ..
......
'كانديل ، هل قررتي أخيراً ما هو المجال الذي ستدرسينه بالجامعة عزيزتي ؟'
'نعم ، امي '
'ماهو ؟!'
تحمحمت قليلاً قبل أن أفصح عن مرادي ..
' أريد دراسة علم النفس '
وفي جزء من الثانية تحولت الأم اللطيفة إلى وحش من الصعب تهدأته الآن ..
'ماذا قلتي ، علم النفس ؟! ، بعد كل التعب والإرهاق الذين بذلتيهما طوال تلك الأعوام تقولين لي علم النفس ؟!'
' نعم يا أمي ، فقط أريد دراسة ما أحب !'
'يجب أن تعلمي في البداية أنه بوسعك دخول مجال من المجالات الكبرى لأن مجهودك يرشحك له .. أما علم النفس فلن تجدي لك مستقبل فيه ، أخبريني ماذا ستعملين إذا درستي علم النفس ؟!'
'سأعمل أخصائية نفسية ، مع العلم أنه يجب وجود أخصائية نفسية في جميع المؤسسات ، مما يدل على أنني سأعمل بالتأكيد ..'
'ولماذا يا ابنتي ؟!، بإمكانك تحقيق مستوى أفضل بكثير من ذلك ..'
'أعلم أمي ؛ ولكنني وددت دراسة ما أحب !'
' كانديل ، رجاء فكري قليلاً قبل اتخاذك أي قرار '
'حسناً أمي '
......
ومرت سبعة عشر يوماً كسابق الأيام ، وأنا لا أكلّ ولا أملّ من إقناع والدتي برغبتي ، وأستخدم كافة الأمور لإقناعها إلى أن تمت اللحظة المرتقبة :
' حسناً ، حسناً يا كانديل .. تستطيعين دراسة علم النفس '
'حقاً' ومن شدة فرحتي ومقدار السعادة التي كنت فيها ، قد كان عناقها هو أول شئ يجب أن أحظى به ..
'حقاً يا عزيزتي ؛ ولكن يجب أن تأخذي حذرك في التعامل هناك ، فأنت مقبلة على أمر جديد عليك وغربة مظلمة ..'
' لا تقلقي أمي فأنا أستطيع '
وحاولت أمي تغيير دفة الحديث بالمزاح قليلاً 'حسناً لقد وافقت على علم النفس ، فلا تأتي إلي وتشتكي من قلة الوظائف فيما بعد ..'
ولحسن الحظ فقد حظيت بعناق دافئ للمرة الثانية ..
.....
وسرعان ما انتهت ساعات الانتظار تلك وحان وقت الرحيل ، كم أكره أوقات الوداع تلك !!
وانتهت بين التمني والدموع ..
وها أنا ذا مقبلة على عالم جديد ، وبلد جديد ، وأشخاص جدد ..
كم أتمنى أن تكون أفضل بكثير من سنواتي السابقة ..
.......
ولكنه 'تأتي الرياح بما لا تشتهيه السفن '
وجرت الأمور على نقيض ما تمنيت ، فقد وجدت وحدة تقتل الأجواء ، وتمضي الأيام عليك وحدك ولا يوجد معك إلا دقات الساعة تملأ المكان ..
..
وفي اليوم التالي :
ذهبت إلى مقعدي المعتاد وأنا أضع ذلك الأمر في نصب عيني 'يجب أن أتعرف على صديقة ما '
ولكنني وجدت شباناً كثيرون يحاولون التودد إلي لأصبح صديقةً لهم وبالتأكيد كنت أرفض مثل تلك الأمور ..
ولكن أكثر ما أزعجني هناك هو ' عدم المساواة '
فقد كانوا يعاملون الطلاب أهل المدينة أفضل بكثير ممن يأتي من أماكن أخرى ، وبوجهة نظري فيجب معاملة الجميع سواسية ..
ولكنهم في النهاية لا يجيدون إلا الحديث والأمر بما لم يفعلوه ولن يفعلوه ..
فتظل أفواههم تصرخ ليل نهار باسم الحرية والمساواة ولا يحققون أياً منهما ..
وإن ظللت تتحدث وتجاهد في سبيل تحقيق أمر من الأمور لأداروا ظهورهم إليك وتركوك تتحدث إلى الفضاء ..
أياً يكن فقد جئت إلى هنا بمعجزة ويجب عليّ عدم التدخل بتلك الأمور ..
فلنجعل تلك المدة تمر بسلام ..
فلنجعلها تمر بسلام ..
........
1.28
الثامن والعشرون من كانون الثاني :-
حذفت ذلك التاريخ من الرزنامة بكامل سعادتي وشوقي للعودة مرة أخرى ..
أخيراً سأعود إلى بلدتي ثانيةً .. أخيراً
.....
وبينما أنا أسير إلى منزلي وجدته مرة أخرى وبعد وداع طال العشر سنوات .. انه آدم ..
ومازال الشوق بداخلي من يوم أن فرقتنا الظروف ..
' ادم !'
'من ؟!'
'ألا تتذكرني ؟!'
'من ؟! كانديل !'
'نعم ، أنا '
' لا أصدق ، أخيراً رأيتك مرة أخرى '
' أخيرا ً'
' ولكن من يوم تلك المشكلة السخيفة وأنا لا أستطيع رؤيتك '
' وأنا كذلك '
' تعالي معي نجلس في مكان آخر قبل أن يرانا أحد '
' حسناً '
' مهلاً ، أين كنتي ؟! أقصد أنني أرى معكي حقائب سفر !!'
' نعم ، لقد كنت أدرس في المدينة '
' ماذا ؟! أتخرجت !'
' نعم ، تخرجت وأدرس علم النفس '
' علم النفس ! أهو جيد !'
'نعم ممتع جداً ، وأنت ماذا تدرس ؟'
' أدرس الأدب '
' جيد '
' حسناً ، سأتركك ترتاحي بعد سفرك وسنلتقي مرة أخرى بالتأكيد '
' حسناً'
لا تعلمون كم سعادتي بعد أن سمعت صوته ..
أخيراً رأيتك يا آدم ..
.....
ومن جهة أخرى :
' أمي ، أين أنت !'
' أنا هنا يا آدم أجلس عند الشرفة '
' حسناً أنا قادم إليك '
' ماذا تريد يا آدم ؟!'
' أريد أن أتحدث معك '
'تحدث '
' أتذكرين كانديل ؟! '
' امم تذكرتها ، وما شأنها بحديثنا ؟ ألم أقل لك منذ زمن ألا تأتي لي بسيرة لها '
' اسمعيني فقط أريد اخبارك بأمر ما '
' ماذا ؟!'
' كانديل تخرجت هذا العام وتدرس علم نفس '
' تخرجت ؟! ، وتدرس علم نفس ؟! '
'نعم '
' وماذا ستعمل اذا ؟ ، انا اعلم انها لم تكن تدرس جيداً، فدخلت أي قسم من الأقسام المتدنية !'
' ليس شرط يا أمي ، ف أنا حققت أعلى الدرجات وبالرغم من ذلك درست الأدب '
' أنت غيرها ، ولأنها ابنة ميرال فهي لا تدرس بالتأكيد '
' حسناً سأذهب الان '
' وداعاً '
...........
تمر الأيام وتجري فهي لا تهتم لشأن من يهتمون لها .. اللعنة عليها ..
يُعلِمُني الزمن أموراً خفيت عني ، أمور مؤلمة ، أمور تأكل لحمي ، وأُناس يأكلونه بإرادتهم .. اللعنة عليهم ..
..........
" الكابوس الثاني ":
" ليس كل ما تريده تحصل عليه كاملاً ، حتى وإن كان أقرب الناس إليك قد وافق ، فهناك من يعترض بغباء حتى وإن تشابهت الظروف لا يريد أن يعلمها بإرادته '
......
أنت تقرأ
The Nightmare | الكابوس
Short Storyالى من ظن ان تغيير البشر سهلاً ، وحلماً من الأحلامنا الوردية ، فلا تشحذ قواتك وآمالك في سبيل كابوس ..!