فاتِنة | Beautiful

640 82 154
                                    


_" سنقوم بقرعة لاختيار المتطوّع للعمل في دار الأيتام ليوم الأحد القادم "

يصدحُ صوت المعلمة في غرفة الصف العتيقة .

و يطير الطلاب حماسًا ، تتقطع الواحد منهم في سبيل أن يكون المتطوع المذكور ، طبعًا : ليس لأجل حبّ التطوع ، بل لاسباب اخرى : كالهروب من الحصص البغيضة على سبيل المثال لا الحصر :)

_" الرقم سبعة عشر .. أيكم يحمل هذا العدد ! "

تنهض فتاة في غاية الجمال متجاهلةً صياح مقعدها لدى تحريكه :

_" انا أحمله "

تفيض الهمزات و اللمزات لتغمر غرفة الصف عندها :

_"القبيحة !!"

_"هذا لا يناسبها أبدا"

"أشك في كونها ستبقي على حيوات الأولاد المساكين"

_"معلمة ، فلتختاري رَقما آخر من فضلك"

_"سيخاف الأولاد من قبحها لدى رؤيتها"

_"هذا مقرف"

ولا يقطع وابل الشتائم سوى صوت المعلمة الجهوري :

_" صمتًا أيها الحمقى ، ياللألفاظ البذيئة ! هالة ستذهب رغم أنوفكم ، فاخرسوا ، و لنبدأ درسنا "

.. هيَ كانت فاتنة الجمال ، غير أن أحدهم لم يلاحظ ذلك .. فلديها من الأخلاق ما يكاد يصل للحضيض من فرط قبحه ،

و تصرفاتها الهوجاء لا تزيدها إلا قبحًا في عيون الآخرين ..

لم تكن تبتسم ، أو تهمّ بمساعدة أحدهم أبدًا ، هذا إن لم نذكر احتقارها لمن حولها ..


___________


_" هالة ، عزيزتي ، ستذهبين الآن و سترافقكِ المعلمة رنا ، اعتنِ بهم جيّدا ، أعلم بكم هو قلبك واسع ، و تذكّري بأنهم لا يملكون أما ولا أبا ، أشعريهم بالدفء .. موافقة ؟ "

تلزم المعنيّة الصمت ، ثم تتجه لوجهتها ببرود .

ما لم يعلمه أحد ، أن رغبتها في التطوع في دار الأيتام لم تأتي من رغبة الهروب من الحصص ، لأن الأيتام هم وترها الحسّاس ، هي أحدهم في الواقع ، و لذا لا عجب أنها تود مساعدتهم بقدر ما تحتوي الأرض من حبّ ..

تقفُ أمامَ الباب ، تستعير نفسًا و تدلف ..

و أول ما يقابلها : صغيرٌ يطغى على وجنتيه الإحمرار ، يركض باتجاهها و يقف خلفها ، كمن يحتمي، و يهمس همسًا أخرقًا :

_" أختي ، احمِني منه "

تلتفت للأمام ، فترى صبيّا آخر يشق طريقه بسرعة ، كان الصغيران يلعبان المطاردة .. تلفتُ ثالثةً صوب الطفل الأول ، و تبتسم مستعيرةً جمالَ الكون .. ثم تحمل الطفل الأولَ على كتفها بحركةٍ سريعة ، و تجري .

يندهش الطفلان من سرعة رد ّفعلها ، يسعدانِ كثيرًا .. و يضحك الأوّل فيما يستمر الثّاني بالركضِ وراءَهما ضاحكًا هو الآخر ..

ينتهون بعد لهاثهم تعبًا .. و يتوقفون ، تُجلِس الطفلان عن يمينها و شمالها ، و تستمع لحكاياتهما التافهة ، و تراها جميلة ، فتبتسم . و لا تزال تستمع ..

_" أختي ، أنا أحبّك "

_ " أختي ، أحبّك أيضا "

ينشرح صدرها بعد طول انغلاق :

_" لمَ ؟ الجميع يكرهني "

_" إنّهم لا يملكون عقولًا .. "

_" أجل ، فأنتِ جميلة ، و طيبةٌ للغاية "

يستمرّ الملاكان الأبيضان بتعديد محاسنها على أصابعهما الضئيلة بشغف .

يبتسمان ، ثم يفزعان حالما يريان دموعها .. علّماها للتو أنها جميلة ، و بأنها تملك من الطيبة مقدار ما ، عاهدتهما ، و نفسها معهما : أن تكون أكثر جمالا و طيبة عندما تلقاهما مرة ثانية ، احتَضنهما بقوةٍ ، و بكَت..




_______________________





جدّةٌ تمشي بصعوبة ، و تحملُ من المشتريات الكثير ، تشقُّ طريقها بصعوبةٍ بالغة ، تُفلت أمتعتها ، و تُقيم ظهرها ثمّ تستعيدُ أنفاسها الهاربة .

و عندما تهمّ ثانيةً بحمل أمتعتها و المضيّ :

_ "جدّتي !!"

_ "حقا ! انها أنتِ ثانيةً ، علمتُ بأنّكِ ستأتين .."

_" جدتي ! دعيكِ منّي ، لكم من المرات سأخبركِ أن لا تحملِ أمتعةً بهذا المقدار لوحدك ، دعيني أساعدكِ .."

تبتسمُ الجدّة ، و تغمرها السعادة .

توصلُها إلى منزلها مع الأغراضِ ، ثمّ تودّعها باستعجالٍ دافئ .

_ "لمَ أنتِ بهذه العجلة دائمًا ؟ رغم كوني لا أعرفُ اسمكِ حتّى ، إلا أنّكِ لا تبدينَ أبدا من النوع العجول ؟"

تبتسمُ الفتاة بكامل جمالها ، و تهمس :

_" إنّه سرّ .. "

و تغادر بعدها ملوّحة ..





____________________






[في العالم القاسي : هناك دائما من يحتاج لمساعدتك ، فاركض تجاهَه بأقصى ما استطعت]

[في العالم القاسي : كنْ عالَمًا دافئ] ~








انتَهى .

*[الثامنُ و العِشرونَ مِن ديسمبرَ البَارد .2016 ]*

🎉 لقد انتهيت من قراءة فاتِنَة | Beautiful 🎉
فاتِنَة | Beautifulحيث تعيش القصص. اكتشف الآن