-سيول، الخامسة فجراً-
تشققت السماء لتوها مفصحةً عن وهجٍ معتم، وهج لا يشبه وهج الشمس ، تدرجات غامقة و لون فضاء دخاني ، تدرجات مقسمةً الكون لأربع أرباع....
و في الربع الرابع كانت هي ، تقبض على مظلتها الأرجوانية بيد ،و بيدٍ أخرى تحمل كيساً بلاستيكياً أسوداً تتراكض قطط الحي نحوه ما أن تفرغ الفتاة محتواه أرضاً لعابري السبيل ممن لا حول لهم و لا قوة.
بلا قصد منها تغني لحناً و تصفّر ، اللحن الفوضوي ذاته الذي ألِفَته و بات جزءً غير مقصود من لحظات انشغالها و تفكيرها كذلك....
الطريق ذاته كل يوم و خطوها الثقيل باتجاه محطة الحافلة ، في نفسها تعد عداً عكسياً منتظرة هطول أول قطرة مطر لهذا اليوم ؛ فهي مع ثقتها المحدودة بمن حولها لا تتمكن من عدم الوثوق بمذيع نشرة أخبار الطقس ، إنه معجزة لا يستطيع المرء التغافل عنها -على حد زعمها هي- فمنذ بدأت تهتم و تستمع لتلك النشرة الصباحية الموجزة باتت تنتظر برغبة شديدة أن يخطأ ذلك الشخص و لكنه يثبت لها يوماً بعد الآخر مدى هباء انتظارها وقوعه.
وقفت تحت سقف المحطة تحمي رأسها من استيطان قطرات باردة ، تقول أنها قد جربت السير تحت المطر مرة و كان ذلك أسوأ تجاربها ؛ كانت القطرات تدخل جسمها من حيث لا تدري فتولد قشعريرات لجسمها و اصتكاك أسنان مؤلم ،تقول أيضاً أن الشعور بالماء ينهمر عليها لأمر مرعب يشتت تفكيرها فتتيه بذلك عما يدور و يجري قريباً جداً منها .
رغم أن مظلة كبيرة كانت في قبضتها، إلا أنها عجزت تماماً عن استغلال مظلتها في أمرين بعد أن نسيت أخذ عُكازها هذا الصباح ، لذا و برأس المظلة الحديدي نجح الأمر و لم يصبها أي أذى كما فكرت في طريقها .
مزمار الحافلة المطلوبة ، تحفظه عن ظهر قلب رغم أنه مزمار في النهاية يشبه بصوته مزامير حافلات كوريا كلها ، إلا أن لأنينيه طابع مميز في أذنيها يساهم بشكل كبير بإعلامها بوصول حافلتها، كذلك رائحة الوقود المحروق بثلث ماء ممزوج معه ، تكاد تقسم أن سائق الحافلة يُخدَع في كل مرة يزود فيها حافلته بالوقود و لطالما أعلمته بذلك.
" إلى جانغام؟"
حياها سائق الحافلة بسؤالها عن وجهتها و في صوته ابتسامة دافئة ، فيما اتخذت هي مجلساً خلفه مباشرة لتجيب ب"لا"." إلى نهاية المدينة هذه المرة "
قد لا تكون مبصرة بما يجري حولها غير أنها تتخيل كيف أنه يطالعها باستغراب منذ أنها تصنع أشكالاً للمخلوقات في مخيلتها؛ سائق الحافلة مثلاً تتخيل أن له أعين من جميع جهات رأسه حسب تفكيرها ذلك ما يمكنه من رؤية الطريق و القيادة بمهارة .مالك متجر الحلويات في شارع منزلها ، تتخيل ذلك الرجل بأربعة ألسنة و عين واحدة ، له بنية دائرية و أطراف متعددة ،تعتقد بأنه كأخطبوط -هي لا تعرف الأخطبوط تماماً و لكنها لامست شكله في كتابٍ خاصٍ بأمثالها- فلا بد أن يمتلك أكثر من ذراع و يد ليلبي طلبات الزبائن بسرعة و أما عن ألسنته الأربعة فهي تجزم بأنه لا يحدثها كما يحدث البقية و لا يتحدث مع الزبائن الأثرياء كما يتحدث مع البسيطين منهم و لا يتكلم مع زوجته و أطفالها كما يكلم الناس بلطف.
" ألن تذهبي للمكتبة اليوم ؟"
سألها السائق بفضول يقطع عليها سيل صمتها لتجيب هي
" لا نفع من الذهاب إلى المكتبة "." ألم تخبريني بأنها ستساعدك على تغيير صورتي في مخيلتك "
قهقه مذكراً إياها بما قالته عن أعينه الكثيرة و نصف اللسان الذي بفمه -نظراً لأنه قليل الكلام- لتبتسم هي بفتور." خذني إلى نهاية المدينة و سأتمكن من رؤيتك تماماً كما أنت "
قالت ترتب خصلات شعرها اللتي لا تدرك هي كم جعلتها تطول......
أنت تقرأ
رحيق البرتقال
Fantasyترفع من قامتها قليلاً،تحلم بالتقاط أجزاء النور الممتد على طول الطريق واصلاً لرأس ظلها الذي لم تره يوماً... تظنّ أن النور شيئا ملموساً بما أنه يهدي الأشخاص و ينتشل عتمتهم من محيطهم، بكل إرادتها تود التقاط ذلك النور و طرح سؤالها عليه " ترى لماذا لا تز...