الفصل السادس
هل هو على حق؟
جالت الفكرة في راسها مرارا وتكرارا عبر الايام التالية, وادركت ان اكثر ما اثر بها كيف استطاع ستيف ان يصفها بدقة قبل وبعد زواجها. لكن الشيء الاخر المهم الذي كان يشغلها انه حقا ابعد نفسه نهائيا عنها وربما هذا هو سبب احساسها بالالم غالبا.
لم يكن هناك اي اهتمام بها من قبله, منا وانها لم تره كثيرا, وعندما كانا يتواجدان معا كان يعاملها معاملة عادية جدا, وهذا يعني حسب مزاجه. ومن الواضح انه ليس برجل يسهل العيش معه, مع ان جدته وزوجة ابيه يحتاجان الى من يصبر عليهما, هذا ما وجدت نفسها تفكر به مرة وتساءلت ان كانت لحسن الحظ, وتماما كما توقعت لوريتا, تعمدت لافينيا على اقامة حفل حفلة لثلاثين شخصا, وهم مزيج من سكان الجزيرة وبعض الاشخاص الذين التقت بهم.
وطلبت لافينيا مساعدة طاهي الفنق, ومع تلك التحضيرات للحفلة شغلت دافينا كثيرا, ولم تلاحظ ان لوريتا تتصف بشكل غامض هي الاخرى, كما وانها لم تلاحظ انها طلبت لة الخياطة من غرفة الغسيل لانها لم تكن تعلم بوجودها هناك, وان الوقت الذي كانت تمضيه في غرفتها بحجة رغبتها في الراحة, انها كانت تعمل على شيء مختلف تماما.
وفي الواقع, لم تكشف عن تلك المسالة الا بعد ظهر يوم الحفلة بالذات. تساءلت دافينا ان كانت لوريتا ستصر عليها لكي تحضر الحفلة وانها ستصر على الرفض, لكن الموضوع لم يطرح ثانية وربما لافينيا لم تتوقع حضورها مطلقا.
دخلت لوريتا الى المطبخ عند الساعة الثالثة وهي تحمل على ذراعيها قماش بنفسجي واظهرته امامها فبدا ثوبا رائع الجمال.
قالت دافينا وهي تلمع الاكواب: "اه هذا جميل جدا, وسيناسبك بدون ادنى شك."
لحظت ان كانديس تساعدها وتنظر الى دافينا باستغراب. لافينيا كانت ايضا في المطبخ تضع المكسرات في اوعية من الكريستال والفضة.
قالت لوريتا بفرح: "هذا ليس لي, بل لك."
وضعت دافينا منشفة الاطباق جانبا وقالت: "ماذا تعنين بقولك؟"
"لقد عملت على هذا الثوب لتتمكني من ارتدائه الليلة, كما وانني لم ارتده ابدا من قبل, وعلى عكس ما تعتقدين عزيزتي دافينا, هذا الثوب يناسبك اكثر مني لانه بلون عينيك تماما.
عدت دافينا الى الخمسة بصمت قبل ان تقول بحزم: "لكنني لن ادخل الى الحفلة لوريتا."
تدخلت لافينيا قائلة: "بالطبع ستاتين, وبعيدا عن اي شيء اخر, امضت لوريتا كثيرا من الوقت لاعداد هذا الثوب لك."
نظرت دافينا اليها بارتياب وقال: "لا تقولي لي انكما اتفقتما على هذا الامر."
قالت لوريتا وهي تبتسم: "امر غريب ومستحيل كما يبدو, لكن في النهاية, هذا ما حدث في الواقع."
نظرت دافينا وقالت بانزعاج: "حسنا يؤسفني ان اعارض هذا الاتفاق, لكنني لن اذهب الى الحفلة كضيفة, وهذا كل ما اريد قوله فهناك الكثير من العمل علي القيام به."
سالتها لافينيا: "مثل ماذا؟ الطعام البارد اصبح جاهزا, كذلك الاطباق الساخنة, اما المعجنات وقطع الدجاج ولفائف اللحم الشهية التي صنعتها يمكن تسخينها في الوقت المحدد. يمكننا ان نعمل جميعا لنتمكن من القيام بذلك, كما وان ستيفن سيساعدنا في تقديم العصير."
قالت كانديس بفرح: "يمكنني مساعدته, فقد علمني مرة كيف اسكب عدة انواع من الشراب."
"لا."
"دافينا." قلن معا.
سمع صوت مختلف عنهن: "اسمعن, دعوها وشانها."
استدارت كل النساء في الغرفة لتنظرن الى ستيف وهو يتكئ على حاجب الباب وينظر اليهن بفقدان صبر واضح.
تمتمت دافينا: "شكرا لك."
سالت لوريتا بحرارة: "لكن لماذا؟"
اجاب بضيق: "لا علاقة لك مطلقا بذلك لوريتا, اذا ارادت دافينا ان تكون منعزلة فهذا امر يعنيها, اما بشان كل هذا الاحتفال..." واستدار ليقول لجدته بانزعاج: "فقط لا تبالغي لافينيا, لان ليس هكذا افضل ان امضي وقتي الغالي على هذه الجزيرة."
زفرت لافينيا بضيق واحابت: "انت في خطران تصبح محبا للوحدة ايضا هذه الايام ستيفن."
قال محذرا: "اذا عزيزتي هذا امر يعنيني وحدي, فقط لا تبالغي لافينيا."
تنهدت بحزن واجابت: "تمنيت ان تكون في مزاج فرح هذا المساء."
"هذا ما سافعله, طالما ان ليس هنك المزيد من هذه التصرفات الطائشة."
استدار نحو كانديس وتابع: "وانت غزالتي, ماذا سترتدين الليلة؟" هذه كلمة محببة اعتاد على مناداة اخته بها, وطالما ضحكت لذلك.
نظرت اليه بفخر واجابته ان دافينا كوت لها فستانا ووعدتها ان تجفف لها شعرها لتتمكن من تركه منسدلا على كتفيها.
علق قائلا: "ماذا سنفعل جميعا بدون دافينا؟" مع ان صوته حمل سخرية ما ونظر نحو دافينا باستياء قبل ان يغادر.
قالت جدته: "من الصعب جدا احيانا التعامل معه."
اجابت زوجة ابيه: "واحيانا يكون على حق بما يفعله ويقوله."
قالت كانديس: "حسنا انا احبه كيفما يكون."
فاجابت دافينا بشكل مفاجئ: "ساذهب الى الحفل من فضلكن, لا تعلن اي كلمة. لقد بدلت رايي هذا كل شيء."
"عليك ان تعترفي انني لست سيئة ابذا فيما افعله, ففي النهاية هذا عمل من دون اي قياس." وتراجعت لوريتا الى الوراء لتبدي اعجابها بما صنعته.
حدقت دافينا بنفسها في المراة ولم تستطع الا الموافقة. الفستان البنفسجي يناسبها تماما ويبدو رائعا, انه يصل الى ركبتيها ولديه ياقة مرتفعة مع ظهر عاري.
سالتها لوريتا: "ما رايك؟"
ابتسمت دافينا بخخجل وقالت: "انه رائع, لكن الا تعتقدين انه يبدو الكثير من..."
"لا تفكري بالامر, فما غاية ان يكون لك كل هذا الجمال ولا ترغبين في اظهاره؟"
تنهدت دافينا ونظرت مرة ثانية الى نفسها في المراة وسالت نفسها كيف سمحت لستيف بنظرته الساخرة ان يدفعها لتحاول القيام بما تفعله كي تبرهن انها لا تفكر بالعيش حياة منعزلة وبمفردها. لكن ما حدث حدث.
"ما الثوب الذي سترتدينه؟"
"ثوب اكثر جمالا عزيزتي, واعتقد انك سترين ثوبك تقليدي جدا امام ثوبي."
"حسنا حسنا, انه ثوب جميل وانا اشكرك على ما قمت به, لكن ما كان عليك القيام بذلك."
"لقد استمتعت بكل لحظة عمل فيه, كما وان هذه تناسبه ايضا." تبين ان هذه جوارب حريرية من ذات اللون لكن اكثر لمعانا. تابعت:
"كما وانني اعتقد ان قدمك بذات مقاس قدمي." انتعلت واحدا من عدد من الاحذية وهزت براسها موافقة. تابعت لوريتا: "اذا استريحي قليلا وتعالي باجمل ما يمكنك, واخبرك ان كاندي سمحت لي ان اصفف شعرها, كما وان لافينيا تتولى مهامها في المطبخ, ساتركك الان." وسارت مغادرة بمرح.
تنهدت دافينا وخلعت ثوبها لتذهب الى غرفة الحمام للستحمام.
بعد مرور ساعة اصبحت جاهزة, رفعت شعرها قليلا وارتدت قرطين من اللؤلؤ, وهما كل ما لديها من مجوهرات, كما اونها وضعت مكياجا على وجهها اكثر من المعتاد, بعض الظلال فوق العين والمسكارا لرموشها وبعض المساحيق على وجهها, لكنها فعلت ذلك باقل ما يمكنها من اهتمام. فبدت وكانها بالكاد تضع مكياجا, ورغم ذلك شعرت وكانها انتهت من الاستعداد للحفلة.
بدت وكانها مستعدة للذهاب الى حفلى رائعة مرتدية ثوبا انيقا ومميزا. اما في اعماقها فشعرت كانها تدخل الى حقل الغام. هذا امر سخيف, لماذا سمحت لنفسها بالتورط في ذلك.
لانك اردت ان تبرهني لستيف شيئا ما, اجابت على نفسها بحزن, رفعت كتفيها بعزم وتابعت, لذا قومي بذلك بالشكل الصحيح.
وجدت لافينيا بالمطبخ عندما عادت الى المنزل قبل عشرين دقيقة من وصول الضيوف. وكما قالت لها لوريتا وجدتها ترتدي ثوبا اسود من الدانتيل الناعم وشعرها القصير بلون الفضة وحبل من اللؤلؤ النادر حول عنقها كملكة متوجة, قالت بحماسة:
"تبدين رائعة سيدة وارويك."
"شكرا لك يا صغيرتي." نظرت الى ثوب دافينا وتابعت: "قد لا اوافق لوريت بامور كثيرة, لكنني لم اصل الثانية والثمانين من عمري من دون معرفة الكثير من الامور عن الاقمشة."
قالت دافينا قبل ان تتمكن من منع نفسها: "الثانية والثمانون."
اشرق وجه لافينيا واجابت: "فاجاتك بذلك, كما افعل مع معظم الناس, وكل ذلك بسبب الحياة الصحية التي اعيشها, ولانني املك رايا ادافع عنه, تبدين جميلة انت ايضا, كما يجب علي القول, مع ان... حسنا. لا."
"قولي ما تشائين لافينيا."
دخل ستيف المطبخ وسار حتى وقف امام دافينا, رفع حاجبيه مستغربا وهو ينظر اليها من اعلى راسها حتى حذائها, تمتم قائلا:
"هل بدلت رايك سيدة هاستنغز؟ بامكان المرء ان يقول انك بالغت في موقفك ايضا بعد ان رفضت الحضور بقمة اناقتك."
علمت دافينا ان وجهها يتقد احمرارا وعلمت انها لا تستطيع ان تفعل شيئا حيال ذلك, وهو ينظر اليها, لرشاقة قدها عبر القماش الناعم ثم يحدق مباشرة في عينيها.
قالت لافينيا: "حسنا كنت معتادة على القول ان لوريتا تعمل على عدم وضع ملابس على النساء اكثر من تصميم ثياب لهن, لكن وكما يبدو, دافينا رائعة الجمال ولا ينقص ذلك من قوة شخصيتها, اليس كذلك ستيف؟"
استدار وابتسم لجدته بمرح واضح وقال: "بالطبع هي كذلك."
نظرت اليه وتابعت: "اعتقدت انك سترتدي ثيابا رسمية ستيف."
قاطعها ساخرا: "حقا لا اعتقد فكرت بذلك جدتي."
نظرت جدته الى قميصه البيضاء وبنطاله الكاكي اللون, لمحت السخرية في عينيه, فقالت: "حسنا ما رايك دافينا؟"
رمشت دافينا بعينيها وادركت ان ستيف وارويك يحبس انفاسها مهما كانت طريقة لباسه رسمية ام لا. "انا..."
قال وهو ينظر اليها بعينين ماكرتين: "اجل دافينا ما رايك؟"
عضت على شفتها قالت بغضب: "لا علاقة لي بالامر مطلقا."
اجاب بنعومة: "اعتقدت انك ستقولين هذا, هذا ما تريدينه, جدتي الغالية ليس من الجيد التوجه بالتحدث عني مع دافينا, فهي ترفض اي علاقة بي, لذلك اما ان تكوني اكثر ذكاء من هذا او تتراجعي عن كل ما يدور بخاطرك, هل سمعت وصول احد ما؟"
كانت لافينيا تنقل نظرها بين دافينا وستيف ولاحظت كيف ينظر ستيف الى دافينا ففهمت ما الذي يجري بينهما, اندفعت خارجة من المطبخ وكأن ما كان يجري من حديث بينهم لا يعنيها.
تركتهما معا وهذا ما جعل دافينا تشعر وكانها وقعت بفخ ما. قالت وعيناها تلمعان بالغضب:
"لماذا فعلت ذلك؟ كانك كنت تقول لها... تقول لها..."
"اقول لها ان هناك علاقة بيننا دافينا؟" تابع بنعومة وهو يرفع كتفيه: "لاقول الحقيقة, انا لا لماذا فعلت ذلك, لكن ربما للامر علاقة بما ترتدينه."
عاد يجول بنظره عليها قبل ان ينظر الى عينيها ويكمل: "وكما انت الان, هل تستطيعين الاختباء منهما؟ لوريتا ولافينيا؟ اشك بذلك, لماذا تعتقدين دفعاك الى هذا الموقف في الدرجة الاولى؟ لنتمكن من اظهار علاقتنا في العلن, هذا ما اعتقده."
"تعتقد ماذا؟" دخلت لوريتا المطبخ وهي تشع بلون فضي, وللدهشة كان الثوب يغطيها من عنقها الى ركبتيها, ومن دون ان يظهر اي شيء من كتفيها او ظهرها, كما وانها تضع طوقا فضيا عريضا حول شعرها الاسود الطويل.
قالت دافينا وهي تعبس: "اعتقدت انك قلت لي سترتدين ثوبا كهذا."
اجابت لوريتا بمرح: "بدلت رايي, وهناك اشياء لا يستطيع احد تغييرها, وجعلك تبدين ملكة الليلة, واحد من الامور التي... بعيدا عن..." توقفت عن الكلام لتنظر من جديد الى ستيف وتكرر: "تعتقد ماذا؟"
ضحك ستيف في اعماقه من تعابير دافينا الغاضبة, قال بعد قليل: "ارايت ما اقصد؟ لوريتا انت على حق, انا ودافينا نملك شعورا حقيقيا نحو بعضنا, لاننا نظرنا الى بعضنا نظرة واحدة وشعرنا بانجذاب قوي نحو الاخر, لكن دافينا مصممة ان لا مستقبل بيننا, لذا ليس هناك من داع للقيام بالمزيد من هذه التصرفات انت ولافينيا, من دون ذكر انكما تعملان على جعل دافينا تبدو كطعم في صنارة بالنسبة الي."
نظر من فوق كتف لوريتا ليقول لكانديس التي كانت تقف بخجل وارتباك: "مرحبا غزالتي, انت حقا تبدين كأليس في بلاد العجائب. هلل يمكنني ان اصطحبك الى الحفلة؟" ثم قطع الغرفة ليمسك بيد كانديس ويخرج برفقتها وقد بدت سعيدة جدا من مبادرته.
تمتمت لوريتا وهي تنظر حولها الى كوب من الماء البارد: "الوغد."
بسرعة سكبت كوبا وقدمته الى دافينا: "اشربي هذا, اجلسي. لا تبدي هكذا انه مجرد رجل وقح وهذا ما يمكن ان يقوم به في بعض الاوقات, والتحدث بكل هذه الوقاحة."
حاولت دافينا السيطرة على شفتيها المرتجفتين وهي تجلس فجاة: "انا... كيف استطاع التحدث هكذا؟"
قالت لوريتا محاولة التخفيف عنها: "اسمعي, اشربي القليل من المياه, ليس عليك ان تاخذي كلامه على محمل الجد, ولا اقصد ذلك بشكل رسمي, لكن بامكانك ان تعامليه تماما كما يعاملك, لو انني مكانك, لكنت طلبت منه تعويضا عما قاله, فهذه هي الططريقة الصحيحة للتعامل معهم."
"تتحدثين عن المواجهة, كل الذي اريده ان ارحل من هنا وعلى الفور."
قالت لوريتا بغضب: "لا تجرؤي على التفكير في ذلك, وكانك تعترفين بان كل ما قاله صحيح."
"لا اعلم كما وانني لست متاكدة مما قاله."
رفعت لوريتا حاجبها وقالت: "انك جبانة؟ وهذا افضل ما يمكن ان يفكروا فيه."
قالت دافينا بانزعاج: "لكن الا ترين؟ كل ما في الامر انني لا اريد التورط بكل ما يتعلق باي شيء مع اي رجل."
رفعت لوريتا كتفيها وقالت: "انت على حق, لكن بالنسبة الى ستيف, لم اره مرة يلاحق امراة بالفعل هكذا, واعتقد انك اثرت به كثيرا دافينا."
قالت دافينا بانزعاج: "وعدني انه لن يتحدث بالامر."
"اذا يبدو انه لا يستطيع الاعتناءبك وانا لا استطيع التوقف عن التفكيرانك بحاجة لمن يعتني بامورك."
"لكنني اريد شخصا يحبني بالفعل." توقفت دافينا عن الكلام, ثم رفعت كتفيها قبل ان تتابع: "وكل ما بيننا حتى الان هو الشجار والخصام."
دخلت لافينيا المطبخ في تلك اللحظة وقالت بحزم: "هيا ماذا تفعلان؟ كل الضيوف هنا, وهناك نزاع على المقبلات والشراب, وانا بحاجة لكل مساعدة."
بدات لوريتا بالسير في الوقت الذي سالت فيه دافينا: "نزاع؟"
حدقتا بها وعلى مضض ابتسمتا, ثم تنهدت دافينا, لكن لوريتا قالت: "ارفعي ذقنك. لا اهتم بما حدث بينكما في السابق, لكن الليلة ستدعينه يرى شيئا جديدا, لنذهب."
"]"انت دافينا سميث هاستنغز اليس كذلك؟"
حدث ذلك بعد مرور سااعة او اكثر من تواجدها في الحفلة والتي كان عليها ان تعترف انها استمتعت بها, فقد اخذتها لافينيا تحت جناحها وعرفتها على ضيوفها بانها دافينا صديقة للعائلة, لكنها بقيت تشعر بالقلق لانها لم تتمكن من تذكر كل الاسماء والوجوه, غير ان كل شخص في الحفلة كان على استعداد للتحدث معها ولو لوقت قصير. حتى ان واحدة او اكثر ابدت اعجابها بثوبها وسالتها من اين حصلت على هذا الثوب الرائع. وهكذا اصبحت اكثر هدوءا وشعرت وكانها واحدة من هؤلاء الضيوف, مع انها لم تعر ستيف اي انتباه, لكنها لاحظت ان هناك فتاة جذابة ترتدي ثوبا احمر اللون تتقرب اليه وتعامله وكانه حبيب في كل الارقات, كانت تجد لافينيا او لوريتا قربها, مع انهما الان اختفتا في المطبخ, وهكذا اقترب منها رجل قصير سمج وقد بدا وجهه مالوف بطريقة ما, وهذا ما اربكها وزاد من قلقها.
قالت باختصار: "ماذا؟"
"كيف هو دارين؟"
تحرك عصب في خدها, سالته: "من انت؟"
اجاب ببساطة: "بول غرانجر, لقد تعارفنا من قبل. لكن يراودني شعور ان اسمي لم يعن لك الكثير."
قالت ببرودة: "تذكرتك الان سيد غرانجر, لكنني رفضت كل اتصال من محطة التلفاز التتي تعمل فيها لاجراء مقابلة في برنامج ما, ولم يتغير اي شيء حتى الان."
رفع كتفيه واجاب: "هل تعلمين ان لدي فريق عمل هنا في الجزيرة دافينا؟"
"وما يعني هذا؟"
"حسنا نحن هنا من اجل تصوير فيلم وثائقي عن هذا المكان الفريد, كما وانني افكر في اضافة المزيد من الاثارة على عملي ان استطعت الوصول الى الزوجة السابقة لدارين سميث هاستنغز. كما وانني استطيع ان اتخيل لماذا تعمل كمدبرة منزل. وهو مركزك الحقيقي في عائلة وارويك. مع انني..." نظر اليها من راسها حتى قدميها قبل ان يتابع: "اتساءل.. ان كان ستيف وارويك هو زوجك التاي. اه, اسمعي, هناك الكثير من الامور استطيع التحدث عنها, هل تزوجت دارين من اجل ماله مثلا؟ وهل تخليت عنه عندما افلس؟ كما وانني استطيع ان اصلك به, ففي المرة الاخيرة التي اجريت معه مقابلةة, والتي لم تتم منذ وقت بعيد, بدا وكانه يستعيد مركزه السابق, انه راغب في العودة اليك, وذكر انك تزوجته فقط من اجل مصلحة والدك, الا اذا كان هناك بديل اخر."
قالت دافينا بصوت مخنوق: "ماذا؟"
"بامكانك ان تجري مقابلة معي دافينا, في غرفة لا تحمل اي اثر للمكان الذي تعيشين فيه, وهكذا لا احد يعلم اين انت, وبامكانك اخباري عن كل حياتك المقلقة مع دارين سميث هاستنغز.."
قال ستيف وارويك من وراء دافينا: "لا اعتقد انها ستفعل ذلك, اتعلم يا بول لم اعجب يوما باسلوبك الوقح في الصحافة, لكن ما تفعله الان مناف للاخلاق ايضا, ولن اشعر باي ندم لانني يجب ان اطلب منك المغادرة. والامر الاكثر اهمية, ان وجدتك تلاحق دافينا في اي مكان, فلا بد انك ستندم على عملك."
وقف بول غرانجر صامتا للحظة ثم تمتم: "حسنا حسنا, ها قد ادخلتك في حياتها, اتمنى لك ان تدوم علاقتها بك اطول من زواجها السابق يا صديقي, عمت مساء."
"اجلسي."
قالت دافينا باضطراب وقلق: "اه ماذا افعل الان؟"
سكب ستيف لها كوبا من المياه الباردة وقدمه لها وهو يقول: "اشربي هذا واجلسي قليلا."
كانا قد دخلا غرفة الجلوس واغلق الباب وراءهما مع ان الحفلة بدات تهدا وبعض الزائرين غادروا, وتعمدا الابتعاد من دون اثارة اي انتباه لهما.
قالت دافينا بدلا من ان تجلس: "انت تعلم ما الذي يحدث الان اليس كذلك؟ سنصبح ملاحقين من قبل فريق, وستعلم الصحافة بما جرى..." رمت نفسها على المقعد وتابعت: "والان هل تفهم لما انا..."
"اجل, لكن كان من الممكن ان يلتقي بك عند الشاطئ دافينا, اذا انه دارين سميث هاستنغز, كنت اتساءل ان كنت تستخدمين جزء من اسم عائلتك."
قالت بغضب: "وماذا ان فعلت؟"
"هل تعتقدين انه يريدك في حياته من جديد؟"
" لا لا اعتقد ذلك."
"تبدين متاكدة مما تقولينه."
وضعت يديها على وجهها واجابت: "صحيح, كل الذي يحاول القيام به على ما اعتقد, ان يستعيد جزء من شهرته السابقة, باظهار نفسه كالزوج المظلوم, خصوصا ان كان يحاول استعادة مكانته السابقة."
"فهمت."
رفعت نظرها محدقة به للحظة, ثم قالت بانزعاج: "انت لا تصدقني اليس كذلك؟ او على الاقل تفكر فيما قلته؟"
"لا."
نهضت بسرعة وتحركت بقلق واضطراب وهي تحاول المغادرة قائلة: "علي ان ارحل."
"لا دافينا, قلت لك لا."
تمتمت بفقدان صبر: "يجب ان ارحل."
"والى اين ستذهبين؟"
"لا اعرف لكن.."
"اذن انت خائفة ان يلاحقك دارين سميث هاستنغز الى هنا ان علم بوجودك لكي ينتقم منك, على الرغم من كونه معروفا جدا؟"
ارتجفت فجاة وهي تجيب: "اجل."
ساد الصمت لعدة دقائق وهي تحدق بالخارج والدموع تنهمر من عينيها, قال بعد قليل وهو يقف وراءها:
"اعتقد ان افضل ما لديك ان تبقي معي, عزيزتي انه لا يخيفني البتة."
تجمدت ماكنها لكن بعد قليل تحركت, حركت شفتيها لكن لم يخرج من فمها اي كلمة, بقيت عيناها خائفتان ومصدومتان.
تابع بصوت بالكاد يسمع وهو يلامس خدها بنعومة: "بينما في المقابل, هناك هذا الانجذاب القوي بيننا والذي لا نستطيع تغييره."
اجابت" لا, اقصد..."
"ها قد قلت الحقيقة في البداية دافينا." وضمها اليه وعانقها.
همست قائلة: "اه يا للهول." واغمضت عينيها فهي لا تستطيع ان تتنفس بهدوء.
ابتسم وسالها: "هل ستكونين بخير ان تركتك لعدة دقائق؟"
اجابت متلعثمة: "اجل, لكن..."
"لا تقلقي ولا تذهبي الى اي مكان, ساعود بعد قليل."
غادر لمدة خمسة عشر دقيقة, حيث عملت دافينا على استجماع قوتها, حاولت ان تصفف شعرها, لكن لم يكن هناك مراة في الغرفة فسرحته بقدر ما تستطيع باصابعها. سكبت لنفسها كوبا من الشراب وشربته على مهل. اخيرا وقفت في وسط الغرفة وقد لفت ذراعيها حول نفسها تفكر, هل من السوء ان يهتم بها شخص مثل ستيف؟ لكن هل سيحبها فعلا؟ انها لا تعلم, تعلم انه صعب جدا في بعض الاحيان, لكن هل يؤمن بالحب لممدى العمر؟ ولماذا لم يتزوج بعد؟ هل هناك اسرار ما في ماضيه؟ ولماذا تشعر ان بامكانه ان يكون ساخرا مثلها تماما؟
فتح الباب فرفعت نظرها اليه وقد لمع الخوف في عينيها, سالها وقد قطب جبينه: "ما الامر؟"
"ما الذي ستفعله؟ لا استطيع ان......"
نظر الى وجهها الشاحب للحظة, ثم قال: "ولا انا, لذلك سنذهب بعيدا. لا تقلقي لقد تحدثت الى لافينيا ولوريتا." مد يده اليها وتابع: "هيا لننطلق."
ترددت قليلا, ثم امسك بييدها واخرجها من الغرفة. سالت: "الى اين سنذهب؟"
"سترين بنفسك."
وضعت دافينا يديها في حضنها ما ان اقتربا من باحة الطيران, لكن ستيف مر من هناك متابعا سيره, رات حقيبتها والكاميرا في المقعد الخلفي مع حقيبة اخرى له بالطبع, لا بد انهما ذاهبان الى احد الفنادق التي يملكها في الجزيرة وكانه يريد ان يخبر العالم كله انهما معا.
لكنه مر من امام منزل الضيوف ثم قطع مسافة من الشاطئ قبل ان ينعطف صعودا, وكما يبدو انه يتجه نحو موقغ كاتالينا, لكن ما امتدت الطريق امامهما حتى لاحظت ان هناك مزارع خضراء في مواجهة جبل مالابار, ثم انعطف نحوطريق فرعية بدت وكانها مختبئة بين الاشجار الكبيرة والضخمة, ثم اوقف الشاحنة اماام منزل قديم وصغير وبالكاد يظهر تحت اشجار الصنوبر التي تحيط به.
"من فضلك قل لي ما هذا؟"
"ملاذ للعائلة. انه المنزل الاساسي لعائلة وارويك, وقد اتت لافينيا اليه وهي عروس منذ ستين عاما, وعملت مؤخرا على اعادة بنائه, ولست متاكدا ان فعلت ذلك حبا بالايام الماضية او رغبة منها في عرضه للاعلان كمثل الحياة القديمة في الجزيرة, ولا اعلم ان كنت سادعها تفعل ذلك فهي تقول لي دائما ان لا حاجةلي به الان طالما بنيت منزلا اخر. لكن اشعر بالفرح عندما اتي الى هنا, ادخلي واعطيني رايك فيه."
وقفت دافينا ونظرتحولها بدهشة واضحة, فالبيت صغير ومضاء بمصابيح على الكاز, وكانها عادت في الزمن الى الوراء, جميع الجدران خشبية ومطلية بلون العسل, غرفة الجلوس والمطبخ معا, وهناك مدفاة كبيرة ومقاعد كبيرة حولها. اما المفروشات, كطاولة الطعام والمقاعد فهي من خشب السنديان مطلية باللون الابيض, والستائر المزدانة بالتطريز الابيض تغطي النوافذ الزجاجية الملونة ويبدو الدرج المعلق على جدرانه صور قديمة رائعة الجمال.
قالت بصوت مليء بالدهشة: "انه رائع."
"تعاليو انظري الى غرفة النوم."
رات هناك ثلاث غرف وترك الغرفة الرئيسية الى الاخير.
حبست دافينا انفاسها وهي تنظر الى السرير الكبير باعمدته النحاسية والى الغطاء الابيض المطرز باليد والوسائد الحريرية, لاحظت السجاد الابيض والازرق على كل جانب من السرير وامام الخزانة الكبيرة لم تستطع الا ان تبتسم.
سالها: "اعجبتك؟"
"انها رائعة الجمال لكن..."
"اعلم لافينيا تبالغ في كل ما تفعله, وانا لا اتذكر الغرفة هكذا, لكن الغسيل والكي اهم ما تسال عنه لافينيا, وهي لا تستعمل هذه الاغطية بل تبقيها في الصندوق."
ابتسمت دافينا للمرة الثانية, استدارت وسالته: "كم من الوقت... اقصد...؟
قاطعها ليتابع عنها: "كم من الوقت سنبقى هنا؟"
نظر الى عينيها ولاحظ الخوف فيهما, فمد يده وابعد خصلة من شعرها ليضعها وراء اذنها وهو يتابع: "فقط طالما انت ترغبين في البقاء."
أنت تقرأ
المستبد روايات عبير (دار النحاس) منقوله من منتديات رواياتي
Romance"لم اقابل امراة لا استطيع العيش من دونها." لكن هذا لا يعني ان ستيف وارويك لا يهتم بالنساء على العكس تماما, لقد اوضح لدافينا ومنذ اللقاء الاول انه معجب جدا بها. اما دافيناا فقد كاننت منشغلة بامور اخرى, واخر ما تحتاج اليه هو التعرف على رجل قاس متفاخر...