الفراشة

486 30 31
                                    


كان صباحا باردا بدت فيه المدينة هادئة رغم كثرة المارة والسيارات. كل يبدو مشغولا بنفسه في هذا الحي الراقي والغنيّ نسبيا حيّ ايفانور
فتلك موظفة تحمل حقيبتها المكتبية ويبدو انها تُجري مكالمة هامة
وذاك رجل يحمل معه كتلة من الاوراق قد ركب سيارته الفخمة للتو
كل شيء يبدو منظما ومهذبا...
إلا هي!!
تجري بين شوارع المدينة كالمجنونة وتحاول مسابقة الزمن كي لا تتأخر
برودة الجو تجعل البخار الابيض يخرج من فمها بكثافة بينما تلهث جراء الركض
ووزنها الزائد لا يساعدها إطلاقا وكذلك المعطف البرتقالي الثقيل الذي ترتديه
في العادة يوصلها والدها الى المدرسة بسيارته ولكنهما وجداها متعطلة هذا الصباح فهي سيارة قديمة وتتعطل كثيرا ولكن بالنسبة لكارين فلا بأس بذلك فالجيد في تعطل السيارة هذا الصباح ان والدها قد اعطاها دولارين لتركب بهما حافلة عامة لأن المدرسة بعيدة نسبيا ولكنها قررت ان تذهب الى المدرسة ركضا وتوفر هذين الدولارين كي تضيفهما الى المبلغ الذي تجمعه منذ تسعة أشهر كاملة كي تشتري لنفسها هاتفا نقالا

طوال الفترة الماضية كانت تخزن كل فلس يقع في يدها لأجل ذلك
كما اصبحت تحضر غداءها من المنزل بتخزين ما يتبقى من طعام العشاء واخذه معها صباحا وبهذا تكون وفرت مصروف الغداء ايضا
وبينما السعادة تغمرها فكرت 'واليوم...بهذين الدولارين...يكون المبلغ اخيرا واخيرا قد اكتمل!'
لم تستطع إخفاء ابتساماتها رغم تعبها من الجري ولكنها سعيدة حقا لدرجة انها قفزت عدة مرات أثناء ركضها كالاطفال وقد رمقها البعض بنظرات غريبة ولكنها ضحكت ولوّحت لهم قائلة "اتمنى لكم يوما سعيدا"
إلا ان النظرات الغريبة لم تسقط من على وجوههم وكما هو متوقع لم يردوا عليها

وصلت الى المدرسة بعد طول عناء وقد كانت ساعة الحائط المعلقة على الجدار تشير الى السابعة والنصف اي انها تأخرت لنصف ساعة!
بلعت ريقها وفكرت
'بالتأكيد سأتعرض للعقاب او الإنذار ولكن...لمَ لا أجرب حظي؟ فربما...ربما...يتركني الاستاذ أدخل بسلام'
وبينما كانت تسير في الممر المؤدي الى صفها وقبل ان تلتفّ يمينا للجهة الاخرى من الممر سمعت صوت المديرة تصرخ عاليا
"كل هذا لتلفتِ انتباه....." لم تسمع الكلمة الاخيرة فقد اخفضت المديرة صوتها فجأة ولكنه بدا كاسم شخص ما
فكرت بتوتر 'أملي في الإفلات من عقوبة التأخير قد ضاع'
أمالت رأسها قليلا فرأتها توبخ صديقتها جولي وهي الفتاة الاكثر شعبية في المدرسة لقد عرفتها على الفور من شعرها الاشقر الطويل والمجعد
يبدو ان جولي قد لاحظت حضور كارين بينما كانت المديرة مشغولة بالتوبيخ قائلة
"كم مرة يجب ان انبهكِ يا جولي كم مرة؟! ارتداء ملابس شبه عارية مخالفة صريحة لقوانين المدرسة ثم انني لا افهم كي تستطيعين ارتداء ثياب كهذه في هذا الجو"
كانت جولي ترتدي سروال جينز ضيقا وقصيرا جدا وقميصا اصفر يظهر معظم صدرها مع سترة بيضاء مفتوحة
'واو الا تشعر بالبرد؟!'
اكملت المديرة وهي تحاول كتم عضبها
"كم انذارا وجهته لك حتى الان؟! مستواكِ سيء جدا في كل المواد وجميع المعلمين منزعجون من تصرفاتكِ اثناء الدروس وانتِ لا تُبدين ولو القليل من الاهتمام تجاه المدرسة وقوانينها"
كانت جولي تنظر الى المديرة باحتقار وتحدٍ وهي مربّعة ذراعيها ولكنها ظلت صامتة ويبدو ان نظراتها قد زادت عضب المديرة فقالت
"اسمعي يا فتاة! لا يهمني ان كان والدك رجلا مهما او كنتِ تكرهين هذه المدرسة وتكرهينني حد الموت لانكِ ستلتزمين بقوانين هذه المدرسة سواء شئتي ام ابيتي وكوني شاكرة لانني لم اطردكِ حتى الان" فرفعت جولي حاجبها وردت باستفزاز
"الشكر الجزيل لكِ على لطفك الشديد سيادتك"
فقالت المديرة "اجل يجب ان تكوني شاكرة شاكرة حقا والان اذهبي لارتداء الملابس الاحتياطية"
فتساءلت جولي بصدمة"ملابس لا ادري من ارتداها قبلي ولا اعرف كيف غُسلت وتريدينني ان ارتديها؟!"
"أجل سترتدينها جزاءً على تجاهل قوانين المدرسة"

﴿دائما متروكة في الخلف﴾حيث تعيش القصص. اكتشف الآن