١.

378 56 16
                                    


"ألا زِلتُ مُصمم على ما تفعله؟ الكثير أخبروك بأن صوتك ليس بهذا الجمال حتى تكون مشهورًا، و أكبر دليل على ذلك هو رفضهم لك بالمدرسة الثانوية"

يُضيف أبي ببعض التهكُم و السُخرية و أنا فقط أقحم الملعقة بفمي لأتناول الأرز مُتغاضيًا عن نبرة صوته.

"ألا زِلتُ تتذكر يا أبي بشأن المدرسة الثانوية؟ قد أصبحتُ بالثلاثين من عُمري و لم أُغني منذ فترة، بالتأكيد هناك شيء تغير"

بررتُ، مُتفاديًا نظرات أمي المُعاتبة لي، نعم أنا بالثلاثين و لا شيء يعيب ذلك، و بالفعل لم أتزوج أو أثبُت بعلاقة مع أحدى الفتيات اللواتي إرتبطتُ بهن.

الأمر مُزري، أعني، لم أحصل على وظيفة حتى الآن، ليس بالمعنى الحرفي، فأنا كُنت عامل الخزينة بإحدى المتاجر ذات يوم و طُرِدت، حدث ذلك لسبب تافه كاللعنة و لا أريد أن أتذكره حتى.

"ماتّ!"

صاح أبي، فقط لأتأكد أنني شردتُ أكثر من اللازم -كعادتي- ، وهذا الأمر يُضايقهما كثيرًا.

نظرتُ لأبي ولازلت أمضغ الطعام بفمي، فيبدأ بالتحدث، "يجب أن تُخرِج تلك التفاهات من رأسك و تبدأ بعيش حياة طبيعية كأخاك الأكبر"

ها نحن ذا، الجُملة ذاتها التي تتردد بمسامعي لسنوات بكُل الأوقات التي أقضيها معهما.

حتمًا سيجعلاني أفقد صوابي و أكره أخي هذا الذي يجعلاه إله على حد ظني، فهو بالنسبة إليهما الأمهر بكُل شيء، فلطالما كان يحصُل على الدرجات المُرتفعة بجميع سنوات دراسته، حتى أنه الآن طبيب، متزوج و حياته 'مثالية' على حد ظنهما.

أريدهما فقط أن يتفهَّما أنه من الطبيعي أن أكون مختلفًا، ما العيب بذلك؟ ولماذا تركيزهما دائمًا معي ليس مع أخي الأصغر؟

"سأظل دائمًا كما أنا ولن أتغير، فلتستريحا من الجدالات التي لا فائدة منها" بصرامة أوضحت قبل أن أنهض من الطاولة، "بعد إذنكما"

تركت المطبخ بخطوات سريعة و بالطبع أشعر بالغضب، الذنب و الضيق.
ليس بيدي أنني هكذا، ليس بيدي أنني أهتمُ الموسيقى و كلمات الأغاني، ليس بيدي أنني لست بارع بشيء سوى تأليف الأغاني و الغِناء!

ذهبتُ إلى الحمام، فقط لأغسل وجهي بالماء البارد لأستفيق و أدرك أنهما لن يتفهماني أبدًا حتى و إن شِبتُ و أصبحتُ كهلًا، سيظُنان أنني تافه أيضًا.

خرجتُ من الحمام لأتجه ناحية الصالة الكبيرة حيثما يتواجد باب المنزل، كُنت أرتدي حذائي وبينما أنا على وشك أن أُدير مقبض الباب إذ بي أشعر بيد أحدهم مُمسكة بذراعي.

فتى الحانة.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن