One Shot 4

5.3K 172 42
                                    

صوت تضارب قطرات المطر على المظلات، أضواء المدينة الصفراء الخافتة،طقطقة الأحذية والكعوب العالية ضد الأرصفة والأرضية عامة.
كلها كانت أشياء تجعل من تفكير نادلنا ينحرف عن العمل بجدية وتقديم الطلبات، فهو الآن مشغول بانتظار أحدهم، وأرجو منكم عدم السؤال عن هوية هذا الشخص، فمن العيب التكلم عن شخص بينما هو غير موجو-.
رنين جرس المقهى، ارتفاع درجة صوت هطول المطر خارجا ثم انخفاضها مجددا، حين انغلاق الباب.
أعتذر، فهاهو صاحب هذه الهوية المجهولة يأتي كما سبق وتوقع الكل، وبذلك أشملني أنا ونادلنا العاشق لاغير.
التفت نحو الباب بسرعة وكأنه طفل ينتظر عودة أبيه بجيوب مليئة بالسكريات، ارتسمت ابتسامة بلهاء على ثغره كالمجنون بينما ينظر للآخر يدلف المقهى الصغير المركون، ولكنها سرعان ماتحولت لآبتسامة حزينة منكسرة حين رآه يرتعش بردا، يفرك يداه محاولا إيلاد نسبة من الحرارة، ولو كانت ضئيلة.
ولكن ماجعل صديقنا المغرم متيما بهذا المشرد أمامه هو وقاره وأنفه الشامخ عاليا، حيث لم يطلب يد العون أبدا رغم احتياجه الشديد، ولم يشتكي يوما من شماتة هذه الحياة وعدوانيتها، بل كان دائما مبتسما راضيا عن حاله مقتنعا بما رزق به ولو كان كل رزقه وملكه ذلك المعطف وتلك الدراهم القليلة المعدودة، والتي وبكل سرور واعتزاز أقولها؛يجنيها بعرق تصبب نهارا ليلا من جبينه المثالي.

تقدم نحوه بطلبه المعتاد؛قهوة دافئة بدون سكر، كان يرتعش توترا أكثر من ذاك الذي يفعل بردا، فهذه هي سخرية القد- أقصد الحب.
"مرحبا.." بادر قائلا بنبرة صوت مهزوزة بينما يضع الفنجان على الطاولة ليومأ الآخر ببطء دون التفوه بحرف، لا،ليس غاضبا أو حزينا، بل هو هادئ كما هي عادته.

"إ..إذا كيف الحال معك،سيهون." سأله محاولا تجاذب أطراف الحديث معه، لكن لا فائدة، مجرد همهمات وإيماءة صغيرة بسيطة لا تكفي هذا المحب ولاتشبع فضوله وشوقه اللذان يأكلانه حيا.
"أظنني سأدعك الآن تشرب قهوتك براحة." تمتم بتوتر ليومأ له الآخر مجددا ويجذب الكوب نحوه ويطوقه بأصابعه محاولا التدفأ، أراد أن يصفعه غضبا وغيضا،فهو ومنذ لقاءهما الأول هناك لم يتحدث إلا قليلا، حتى أنه قد طلب من جونغ ان منذ أول مرة أتى فيها أن يقدم له القهوة بدون سكر فور رؤيته،فهو قد يسأم التكرار والإعادة، ليس وكأنه ينفق على كل حرف يتفوه به مال جيوبه!..

"لما لاتتحدث سيهون؟! هل أنا لا أستحق سماع صوتك؟أم أنك فقط مزاجي أحمق متعجرف لتتكرم وتلقي التحية وتجيبني كسائر الزبناء؟" صاح به بقهر ليلتفت إليه سيهون هذا ببرود،يرتشف من قهوته بكل جمود وكأنها تزيده برودا وتحجرا مع كل رشفة.
"أتتجغم قهوتك؟أجل أجل أنفق مالك على قهوة صنعها من تتجاهله!" أضاف بينما يستدير متجها نحو مطبخه بسخط،لكن الآخر قد قاطع ماكان يفعل بصوته الخافت المبحوح الخالي من أي نبرة تذكر.
"مالي..مالي وأنا حر."
أدار جونغ ان رأسه إليه ثم كامل جسده ليضحك ساخرا ويجيبه.
"أهذا كل مايهمك؟ المال وحسب؟" إجابته لم تكن تخلو من السخرية ومحاولة الابتزاز،لكنه كان متأكدا بأنه لن يحرك ساكنا في هذا المثلج أمامه.
ربما كل مايؤثر به هو البرد، البرد وحسب.

Sekai OneShots حيث تعيش القصص. اكتشف الآن