الإيمان بالقدر نظام التوحيد:
ما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد, يجب أن نعلم علم اليقين أن المصائب التي يسوقها الله لعباده تنطوي على خير كبير، أول أنواع هذا الخير هو الإبتلاء, مركبة ذات محرك قوي، لا تبدو قوة هذا المحرك في الطريق المنبسطة، ولا في الطريق الهابطة، لا تبدو قوته إلا في الصعود الشديد، لذلك مهمة الابتلاء فرز الناس، والكشف عن خباياهم، وامتحان نفوسهم, قال تعالى:﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ﴾(سورة العنكبوت الآية: 2)
مستحيل، لا بد من أن نُمتحن، لا بد أن نُبتلى، وقد خلقت الدنيا من أجل أن نُمتحن, قال تعالى:
﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً﴾( سورة الملك الآية: 2)
﴿وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ﴾( سورة المؤمنون الآية: 30)
﴿مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾( سورة آل عمران الآية: 179)
أول هدف كبير من أهداف المصائب الابتلاء، فهذا المؤمن على هذا الدخل الكبير، وعلى هذه المكانة، وعلى هذه الصحة، وعلى هذا البيت المريح، وعلى هذه الزوجة المطيعة، وعلى هؤلاء الأولاد الأبرار، محب لله عزّ وجل, ما مصير هذه المحبة إذا قلّ دخله، أو مرضت زوجته، أو فصل من عمله، أو أصيب بمرض شديد؟ لا بد أن تأتي المصيبة لتمتحن صدقك في الطلب، لا بد أن تأتي المصيبة لتكشف عن معدنك، فالناس معادن، لا بد أن تأتي المصيبة لتفرزك أمع المؤمنين أنت، أم مع غير المؤمنين؟.
أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام كلهم يحبونه، وكلهم طامع بمودته، وكلهم متعلق به، جاءت معركة الخندق، طوقهم الكفار، وأخلف اليهود عهدهم، وانكشف المؤمنون من ظهورهم، جاءهم الأعداء من كل حدب وصوب، حتى إن أحدهم قال: أيعدنا صاحبكم أن تفتح علينا بلاد قيصر وكسرى، وأحدنا لا يأمن أن يقضي حاجته؟﴿هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً﴾
( سورة الأحزاب الآية: 11)
﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً﴾( سورة الأحزاب الآية: 23)
فكانت معركة الخندق وسيلة فعالة ودقيقة لكشف خبايا المؤمنين, ولكشف خبايا المنافقين