الفصل الرابع

24.3K 345 6
                                    


  لــفــصــل الرابع
*********

تسطحت بضعف علي فراشها البسيط ، وهي تتألم قائلة بحنق : حيلي أتهد ، اه يارجلي ، أه يا أيدي ، اه ياراسي ، أه ياسناني
فتضحك ريما عليها قائله : طب وايه الي دخل سنانك في الموضوع
فتضحك مريم هي الأخري قائلة بتعب : هي جات عليها يعني ، وكادت أن تكمل تأوهاتها ...
حتي قالت ريما : وقفي شريط الأهات ده، وتعالي نتعشا .. اما أنا عملالك ...
لتقطع مريم حديث صديقتها قائله : شربة عدس بالجزر ، حفظت وجبتنا الأساسيه طول الشهر
فتضحك ريما علي صديقتها : لاء الجدول أتغير النهارده وبس ، اصلك صعبتي عليا وعملالك أكله تجنن .. وتذهب ريما لتعود ثانية وهي محمله ذلك الطبق قائله : شوفتي وجيبالك الأكل كمان لحد عندك ، يعني خدمه خمس نجوم
لتنهض مريم سريعاً وهي تتأمل ذلك الطبق ، قائلة بتبرم كالأطفال : ايه ده ياريما
ريما بفخر : بريك بالتونه ..
فتضحك مريم قائلة :تونه !
وتشرد قليلاً لتقول : أكل ماما وحشني اووي ، وقبل أن تهرب دموعها
نظرت الي صديقتها لتجدها ، قد بدأت في تذوق طعامهما ، بل ألتهامته بشده ، لتتطلع مريم اليها قائلة بحنق : طب أنا اكل ايه دلوقتي ، مفضلش غير قطعه ، انتي بتعملي فيا كده ليه ياريما ، والله أنا مش عايزه أخس
فتضحك ريما بشده وهي تنظر اليها : لاء أكتر من كده الصراحه مش هينفع ، فتمد يدها بتلك القطعه قائله : ما أنتي اللي سرحتي في أكل مصر ، أعملك أيه
لتتطلع اليها مريم قائله بعدما قذفت بتلك الوساده عليها : وانتي سرحتي في الطبق كله وطمعتي عليه ، صح
لتتعالا صوت .. ضحكاتهم ، وتجلس ريما بعدما أختلط صوت ضحكاتها بالأنين قائله بدموع : انتي الي بتصبريني علي الحياه هنا، بدي أرجع بلدي
فتتطلع اليها مريم بعدما مدت بيدها لتمسح دموعها : أحنا أتفقنا نقول ايه ، لما نحس بالخنقه
فتنظرإليها ريما قائله كالاطفال : الحمدلله !
لتحتضنها مريم ، وهي مدمعه العينين قائله بحنان : اومال لو جون بيعملك زي ما بيعملني هتعملي ايه
فتبتعد عنها ريما بعد أن أزالت خصلات شعرها الحمراء : كنت أنتحرت
لتضحك مريم وهي تتذكر صوته الكريهه : ربنا يصبرني عليه ، ويرحمني من أكلك
فتصبح ضحكات ريما هي من تعلو ثانية دون توقف .. حتي يغمضوا عيناهم سوياً لينعموا بقليلا من الراحه وتشرد كل منهما في عالمها ولمن أشتاقت
..............................................................
وعندما حل السكون علي قصره ، ووضع له خادمه ذلك المشروب وأنصرف ،مد بيده كي يتذوق مشروبه الكحلي المثلج وهو يتابع أحاول البورصه هذه الفتره ، وبعد دقائق كان قد انتهي من تصفحه ومشروبه هذا أيضا ..
لينهض من علي كرسيه الوثير ، ويظل يجول داخل تلك الحجره ذهاباً وأياباً ، حتي وقع ببصره علي بعض الصور التي تجمعه هو وجده ووالدته عندما كان طفلاً ، واخري جده ووالدته ، وصورة أيضا لجدته التي لم يراها بل سمع عنها من احاديث جده العاشق .. فأبتسم بألم وهو يراهم حتي تطلع الي صورته وهو في عمر الشباب ليتذكر كلام جده وهو يقول : بقيت شبه يايوسف ، كارمن لو كانت فضلت عايشه لحد دلوقتي كانت هتشوف عبدالله فيك ، انا بكره عبدالله عشان هو السبب في موت بنتي الوحيده ....
فيفيق من شروده هذا علي سماع عقارب الساعه التي تدق معلنة عن بداية منتصف الليل !
...............................................................
تسطحت سالي بجانبه علي الفراش بعد أن أنتهت من وضع زينتها ، فنظرت الي زوجها بسخريه وهي تراه يقرء في أحد الكُتب ثم ألتفت بجسدها بأكمله بعيدا عنه ، لتسرح في ملامح من فتنها بجماله وجسده ..وتغمض عينيها بقوة كي تشاهد تلك التخيلات التي صنعها لها عقلها ، فتتخيله تارة يضمها وتارة اخري يقبلها بشغفً شديد وتارة اخري يضمها الي صدره واخري يراقصها وهي تتمايل بين يديه مثل الفراشه ، فتفيق علي لمسات امجد وهو يقول : سالي انتي نمتي
فتفتح سالي عيناها ببطئ قبل ان تعود وتغلقها ثانية وهي تلعن حظها بأن من تزوجته ليس من فتن قلبها وانما كان اختيار العقل بأن تقبل بأحدهما حتي لا يفوتها قطار الزواج
فينحني امجد قليلا نحو احد خديها ليقبلها بحنان ثم دثرها بالغطاء جيدا ، واطفئ نور تلك الاباجوره واصبح الظلام يحاوطهما كما يحاوط قلب احدهما
.................................................................
نظرت نهال الي خطابها طويلا وهي لا تعلم أكان ما تفعله صواباً ام خطأً .. فتضع بأصبعها علي ذلك الزر الألكتروني قبل أن تبعث برسالتها التي تخبره فيها بأشتياق والده له ، وكم تتمني أن تراه ويراها فهو حتي لا يعلم ملامحها الا بتشويش بسيط حين رئهم في ذلك الفندق اللعين الذي يُذكرها دائما بالخذي من أخاً يربطهم القدر به بالأسم فقط لا أكثر ، فأغمضت عيناها بألم وهي تتذكر نظرات والدها الحزينه وهو يقبل صوره التي تجلبها هي اليه من بعض المجلات او صفحات الانترنت بعد ألحاح طويلا منه فهو مثل أي أب مكلول علي فراق احد اولاده .. لتضغط علي زر الارسال وتبعث له برسالتها علي بريده الخاص المفعل لبعض الاشخاص المحدودين ومن ضمنهم امجد ابن عمتها ... وتجلس قليلا علي حسوبها ... لتنتظر رده ثم تعاود قراءه رسالتها مرة اخري ومرة اخري تقطم اظافرها بقلق من رده
فتسرح بخيالها وتتخيل رداً مهيناً منه من المحتمل ان يبعثه لها
او تجاهلا لرسالتها ...
لتغلق حسوبها سريعا وهي تسمع صوت نداء والدها لها ، فتتذكر موعد دوائه وتذهب سريعا اليه
...................................................................
أغلق يوسف حسوبه بعنف ووقف يرنو ذهاباً واياباً بخطوات سريعه في غرفة مكتبه الي أن وصل الي احد الشرف التي تطل علي مساحة خضراء ... ليتذكر تلك الرساله التي بعثته له تلك الفتاه التي تدعي أخته أسماً
ليدخل في تلك اللحظه أمجد وهو يحمل أحد الملفات قائلا بوجه بشوش : مبرووك يايوسف الصفقه الجديده شركتنا فازت بيها ..لسا حالاً عاميلنا في ألمانيا مبلغني بالخبر ده
فيلتف اليه يوسف بوجه لا يبدو عليه أي ملامح قائلاً : مين نهال ديه اللي بتقول انها اختي ... ليتذكر شئ : اوعي تكون البنت اللي كانت معاه يوم الفندق
فينظر اليه أمجد طويلا ويبتسم بحسره : اللي بتقول انها اختك ديه فهي فعلا اختك صحيح انتوا مش اشقاء من الام والاب .. بس دمكم واحد واسمكم مرتبط ببعض
فيتهكم وجه يوسف ليقول ساخرا : والله هي تقريبا كان اسمها نهال عبدالله احمد ، وانا أسمي يوسف ادور تفتكر فين بقي الترابط ...
فيسير امجد نحوه مقتربا منه ليقول : انت ليه مصدق ان خالي كان نسيك ومش بيسأل عليك .. بس هقول ايه للأسف جدك الباشا هو اللي كان انسان ديكتاتور عايزك ليه وبس ... حتي بعد ما مات بقيت ليه وبس
فينظر اليه يوسف طويلا قائلا : امجد انت عارف انا قد ايه بعزك فبلاش تخليني اخسرك انت كمان
ليبتسم أمجد بحزن : بتعزني عشان انقذتك بدمي يأبن خالي صح ، رد جميل مش أكتر ..
فيتذكر امجد ذلك يوم .. عندما أردف بقدميه الي تلك البلد الغريبه عنه قلبا وقالبا ، ولكن رغبته في ان يحيا حياه كريمه جعلته ينسي غربته واحبابه وكان عزائه الوحيد هو ... بأن في هذا الموطن أبن خاله الذي تمني دوما بأن يري فيه كم تكون صلة الرحم قويه مهما كانت المسافات .. ولكن قد تلاشي كل هذا مع اول نظرة رئها في عينيه وكأنه يقول له ليس لدي اقراب ولا اريد تلك القرابه .. ولكن قد شاء القدر أن يتعرض هو لحادث قوي قد علم به من احد الصحف الكنديه عندما كان يجلس علي احد المقاهي ينظر الي عناوين التوظيف وعندما وقع بعيناه علي هذا الخبر .. وانه بحاجة اليه ذهباً سريعا ناسيا قسوته معه واحتقاره له في اول لقاء كان بينهم ... ليدخل ذلك المشفي سريعا ويعلم بحاجته للدماء ولحظه كانت دمائهم متطابقه
فيفيق امجد علي صوت يوسف الهادئ ليسمعه وهو يقول : فين ملف الصفقه
.............................................................
ظلوا يتجولون بسعاده في انحاء هذه البلد ، ويتمتعون بمنظر القلاع التي تحيطهم .. لتقف ريما فجأة قائله : انا تعبت من المشي يامريم ، ايه الفسحه الغريبه ديه
فتتطلع اليها مريم ضاحكه : بنحاول نخس ياريما ، انتي مش شايفه احنا بقينا شبه الفيله ازاي
لتنظر ريما الي جسدها وجسد صديقتها قائله : قصدك بقينا شبه السحالي ، فتتأمل المطاعم حولها قائله : شايفه المطعم ده اه مش اي حد يقدر يدخله ويتعشي فيه غير الاغنيا وبس ،ياا نفسي اوي ادخله حتي لو هشتغل طباخه فيه
فتبتسم مريم لحديث صديقتها : لاء انا بقي هحلم ادخله عشان اتعشي فيه ، هي الاحلام بفلوس ... وتغمض عيناها وهي تتذوق بعض الاكلات الشهيه قائلة بمتعه : أمممممم ياسلام علي طعم الفراخ المشويه ، ولا المكرونه أممممممم
لتضحك ريما علي خيال صديقتها : مكذبوش لما قالوا ان المصريين عشقهم الاول والاخير هو الاكل
فتفتح مريم عيناها ضاحكة وتداعب وجنتي صديقتها : عذرا انسه ريما ممكن تقولينا الاخوه الجزائرين بيعشقوا ايه
وتنتظر رد صديقتها ، حتي تجدها سارحه في ذلك العروس وهي تتمايل بخفه في احضان عريسها وشخصاً اخر يقف يأخذ لهم بعض الصور ، فتلمع عين مريم ايضا وهي تشاهد ذلك المشهد المفعم بكل المشاعر الصادقه التي تتمنها اي فتاه
فتلتف ريما اليها قائله بحنين : تفتكري هيجي يوم وهنتصور زيهم كده ، وهنلاقي حد يحضنا اووي
فتبتسم مريم لصديقتها بعدما أفاقت من بركان هذه المشاعر القويه : اكيد يا ريما ، ربنا مبيحرمش عباده من اي متعه في الحياه مدام كانت في الحلال ... المهم ندعي ونثق في كرمه وحده
لتلتف ريما اليهم ثانية وهي حالمة بمثل ذلك اليوم، فتشاركها مريم في كل هذا... وتشيح بوجهها سريعاً عندما تراهم يتبادلون احد القبلات بشغفً وذلك المصور يلتقط لهم تلك الصوره
...................................................................
ظل يركض ويركض وشريط ذكرياته يسير امامه ليتذكر طفولته ، فتأتي أحد صوره عندما كان طفلا في السابعه وبدأت أصابعه تخطو بالقلم علي الورق .. فنكب علي مكتبه الصغير وكتب اول خطاب لوالده وذهب سريعا الي جده قائلا : أنا كتبت جواب ياجدو لبابا ، شايف ياجدو انا شاطر ازاي وبقيت بعرف أكتب .. ويخطوا سريعا من أمام جده الذي تتبعه نظراته بجمود .. فيقف أمام ذلك الصندوق البريدي الصغير بجانب قصرهم ويضع اول جواباً له أستطاع ان يكتبه الي أباه البعيد عنه
لتتكرر فعلته هذه كل يوماً ولكن لا يوجد رد .. فيتأمل صندوق البريد بحسره وهو فارغ من أي جواب قد بُعث اليه من مصر من والده .. حتي مر خمسة اعوام علي ذلك فتصيبه خيبة الامل ويجلس يوما امام ذلك الصندوق بفرحه عندما رأي أحد الرسائل فتأملها بسعاده وهو يركض بالداخل مهللاً : جدو بابا بعتلي جواب ، وقال انه جاي عشان يشوفني .. وياخدني معاه أنت أكيد مش هتزعل يا جدو
فيحتضنه جده وهو يتأمل صورة أبنتها القابعه علي مكتبه الوثيربحسره : عايز تسيب جدو يايوسف
ليقبله يوسف بحب : ما انا مش هسيبك ياجدو ، هجيلك علطول وانت كمان هتجيلي .. انا رايح اقول الخبر ده لمعلمتي ماري عشان تساعدني ان اشتري هديه لبابا
فيفيق من شروده بعد أن اتعبه كثرة هذا الركض المهلك ويجلس علي احد المقاعد ناظرا الي المياه التي امامه متذكراً خيبته الاخري عندما ظل شهرا بل سنة ينتظر قدوم والده ... الي ان وقف امام جده ذات يوم وهو يمزق صور والده : انا اكره والدي ياجدي ولم اعد احبه .....
لتظهر أبتسامه مخفيه علي وجه ذلك الجد العجوز وهو يحتضنه قائلا : مدام هذه رغبتك يابني ، فافعل ما شأت
فيرفع يوسف بوجهه بعد ان تصبب العرق علي جبينه بغزارة ويحرك رأسه بقوة رافضاً حنينه لذلك الاب الذي قد تركه ورفض حبه بقسوه عكس جده العجوز الذي ظل دائما بجاوره يشاركه احزانه ونجاحه ويغمره بحبه ...فتنهد قائلا : يوسف ادور هذه هي كنيتي وليس كنية ذلك القاسي.......
............................................................
وقفت مريم تتمايل بين الحمام الذي اصبح يحاوطها كي تطعمها بغلاته المحببه له ، فتتعالا أصوات هديل الحمام حولها وهي تبتسم كالأطفال .. وتتأمل الحمام الذي يصطف امامها واخر يطير حولها ، فترفع عيناها لأعلي بسعاده قبل تقذف بعض الحبوب عالياً لتتناثر حولها بعشوائيه فيطير الحمام ويرفرف بجناحيه حتي يسقط علي الأرض ويلتقط الحبوب
فتلتف بأعينها كي تري عين تلك الصغيره التي تتبعها بفرح
فتقترب منها مريم وهي تبتسم قائله : انتي احلي من الورد اللي بتبعيه
فتنظر اليها الطفله بفرح بعدما فهمت حديثها ، ممسكه بأحدي الوردات كهديه لها ، فتقربها مريم اليها قائله : الورده الحلوه ديه تستاهل تكون هديه لاحلي بنوته .. وتشير بأصبعها نحوها : اللي هي أنتي
فتلمع عين الصغيره بسعادة ... لتقربها مريم اليها ثانية بعدما انحنت بجسدها كي تصبح في مستواها ، وتمد بتلك الورده التي قد حصلت عليها كهديه للتو فتضعها خلف خصلات شعرها الأشقر الناعم قائله : انتي حلوه اووي ياحببتي
وأخرجت تلك الكعكه التي تضع بحقيبتها قائله : تعالي نتقاسم بقي الكعكه ديه
لتتابعها نظرات ذلك الشخص الذي يجلس عن بعد يتأمل هذه الفتاه العجيبه .. حتي سقط بأعينه ليراها تخرج بعض النقود وتتأملها ثم تتقاسمها مع الصغيره ..كما قسمت معها تلك الكعكه ، فأبتسم وهو يتأملهم رغما عنه
حتي أشاح بوجهه بعيدا عنهما وظل يتابع شريط ذكرياتها حتي قطع تفكيره صوت رنين هاتفه ، ليتحدث مع المتصل وقتاً طويلاا وقبل ان يُنهي تلك المحادثه العمليه
سمع صوت صراخ يحاوطه أجبره بأن
يلتف حوله ليري من اين يأتي ذلك الصوت ، حتي وقع ببصره علي تلك الفتاه نفسها ولكن هذه المره كانت محاطة بثلاث شباب يبدو عليهم السكر ، فوقف يتأمله صراخها لبرهه
ليصل صوت نحيبها العالي وصراخها اليه بقوة قد جعتله يتحرك اليها وهو لا يعلم هل ما سيفعله دليلاً بأن اصله الشرقي مازال في عروقه ام ماذا ؟؟؟

...................................................................

عشق القلوبحيث تعيش القصص. اكتشف الآن