~الفصل الخامس~

212 24 11
                                    

      كانت عائلة السيد "عمر" تقوم ما بوسعها لايجاد طفلتهم. كان الأب خائفا بشدة عليها، فماذا لو أصابها مكروه أو ماذا لو تأذت، فهو لن يسامح نفسه أبدا. سيبحث عنها و سيجدها مهما كلفه الأمر، فلا حياة له من بعدها. لكن أولا ليعد بعائلته نحو المخيم فقد تمكّن منهم التعب كما يبدوا.

"عزيزتي، ما قولك لو نعد إلى المخيم ها؟ لقد تعبتي كثيرا و أيضا الطفلان، حسنا؟"

"مستحيل عمر مستحيل، لن أعود دون ابنتي و لو كلفني ذلك تمشيط الغابة اللعينة أكملها بمفردي واضح"

"كفى، لست وحدك المتوترة هنا، انها ابنتي سلمى ابنتي بحق الله! أريد ايجادها مثلك بالضبط، لكن على الأقل راعي الطفلان هنا. اُنظري إليهما، إنهما منهكان جدا. و أيضاً، ماذا لو أن براء قد عادت و ام تجدنا؟ على الأقل سنعرف"
صرخ السيد عمر بتوتر بينما شرعت زوجته في النحيب بشدة، فقلبها المنهك لم يعد يتحمل.

اقترب منها و كفكف لها دموعها برقة ثم احتظنها بحنو في محاولة منه لتهدئتها. لكن في الحقيقة هو يحاول تهدئة نفسه قبلها.

****
رجعت العائلة إلى المخيم إلا أن خيبة الأمل وجدت مفرها إليهم. تألم الأب لذلك فهو كان يرجو أن يلقاها. أما الأن أخذت بندائها لترجع خائبة ككل مرة و عيناها المنتفختان قد تخللتها عروق شديدة الحمرة محملة بهالة من عذاب.

كل دمعةٍ انسابت منهم كانت عبارة عن سقوط ذكرى لهم، ذكرى عذبت قلبًا كان سعيدًا يومًا إلى حين الفقدان.

شعر عمر بأحدهم و هو يشده من يده ليلتفت لساني الذي قال "أبي، هناك أحدهم يريد التحدث إليك"
"من"
"حراس الغابة"
انتفض خوفا لما يريده الحراس منه و اتجه نحوهم للإستفسار.

"مرحبًا، هل أنتَ السيد عمر؟" تساءل الحارس. فق كان يرتدي قبعة سوداء مزينة بشريط أزرق، مع قميصٍ باللون الأسود عليه شعار المدينة، مُزيِّنًا جهة الكتف بشعارٍ آخر ميزه بأنه من حراس الغابة.

"أجل إنه أنا" أجابه بتوتر واضح.

"نحن نأسف على هذا الخبر لكن ابنتك... في الحقيقة هي..." لم يستطع إتمام جملته فأخذ نفسًا ثم أعقب: "لقد وجدها أعواننا ملقاةً على جانب البحيرة، و هي في حالة يرثى لها؛ أعتقد أنها قد تعرضت لاعتداءٍ جنسي."

"اعتداء جنسي" توقف الزمن عند تلك الجملة، خفتت الأصوات تدريجيًا و لم يبقى سوى صداها!
تخشب جسده و شُل تمامًا، كل ما يراه هو ضباب يمنع عنه الرؤية، بات يلتقط أنفاسه بصعوبة.
كل ذرة هواء يستنشقها تزيده اختناقًا، كان وقع تلك الجملة عليه صعبًا كاللعنة التي تصيب الإنسان فقط لقتله و هو على قيد الحياة، فقد الإحساس لوهلة.

"اعتداء جنسي! ما الذي تهذي به بحق الله، أين ابنتي؟ أريد ابنتي حالًا"
أخذت المسكينة تصرخ بقوةٍ وهي تدور حول نفسها كالمختلة التي فقدت عقلها. فقط تصرخ بهستيرية مدمرة للأعصاب، وما لبث أن تقدم منها الحارس لتهدئتها حتى وقعت على الأرض مغشيًا عليها.

شعر أن شيئًا ما يشده من قميصه بخشونة، كأنه يسمع صوت أحدهم يصرخ عليه، ولم يستطع الإفاقة حتى أحس بألم شنيع يتخلل وجهه، وذلك بسبب صفعة حادة تلقاها من ذلك الحارس ليعيده إلى أرض الواقع.

"تحرك معي، زوجتك في حالة حرجة، هيا ساعدني واتصل بالإسعاف!"

انتفض جسده جراء تلك الصفعة، ثم انطلق مهرولًا نحو جسد امرأته الملقى أمامه!

*****

انسابت من بين شفتيها ابتسامة لتلك الذكرى الحالمة، لكنها اسودت فجأة عند اصطدامها بواقعها المر.
اشتد عويلها و تضاعف همها، تساءلت عن كيفية استقبال خطيبها لها بعد خسارتها لنفسها، وعدته بأنها له، وستكون دومًا كذلك! إلا أنها خلفت بوعدها، فكيف سيتقبّلها؟ ذلك الرجل الذي لطالما اشتعلت غيرته فقط لابتسامة تقدمها لغيره فماذا سيكون موقفه عند علمه أن ذكورًا غيره قد شهدوا جسدها؟ هل سيقبل بها عندها؟

"مهما حدث في حياتك، ومهما أغرقتك المشاكل، فلا تدخل ربوع اليأس حتى لو ظلت جميع الأبواب موصدة، بإذن الله سيفرج الهم، ويفتح درب جديد لك؛ فاحمد ربك!"
لطالما آمنت بهذا الإقتباس و حاولت الإقتداء به، لكن هذه المرة كانت مختلفة.

ابتسمت بسخرية لهذا المبدأ الذي لطالما آمنت به، لكن حالة الضعف التي اكتسحت قلبها وغزته بوسوسة شيطان رجيم قد تسللت إلى روحها.

لعلّها تعفي عائلتها من فضيحتها التي ستحشر رأسهم بالطين! و لعلّها تحمي الرجل الذي أحبت من وصمة العار التي ستلحق به منها! ولعلّها تريح نفسها من الألم الذي يقتلها.

وكأن القدر قد تحالف ضِدها!
لمحت قطعة بلورية تلمع تحت ضوء البدر المنير.
زحفت ناحيتها محاولة التقاطها بين يديها، لكنها خدشت بها أصابعها الرقيقة. لم تهتم بالألم وواصلت في التقاطها. حملتها بين يديها وهي تشعر براحةٍ غريبة غمرتها، لم تشعر بالخوف أو القلق.

بقيت تنظر إليها كأنها ملاذها الأخير، راودتها ثقة مريبة، تلك الثقة التي تهوي بمالكها نحو الحضيض.
تحمل تلك اللامعة بين كفيها، و تنظر إليها بجموح.
ملامح شاحبة، جسم ملطخ، قلب متألم، وعقل مترنح!

و في لحظة جامحة، أخمدت صوت العقل و افتعلت الجرم بنفسها، فما المفرق في أن تدفن فوق التراب أم تحته!
ويا لسخرية القدر!

بَراءْحيث تعيش القصص. اكتشف الآن