عروس بالإكراه

19.5K 342 7
                                    

*المظفار و الشرسة*

الحلقة (13) - عروس بالإكراه - :

تلفت حوله في توجس يتأكد من عدم وجود "عاصم" بالقاعة ، ثم إقترب منها قليلا و قال بخفوت أقرب إلي الهمس:
-انا مستعد امشيكي من هنا .. ممكن اهربك !
إرتجفت "هانيا" فجأة بشكل لا إرادي و حدقت به في غضب ..
أخذت موجات الإستياء تجتاحها ، إذ طرأت علي الفور بذهنها فكرة إنتمائه الخالص لـ"عاصم" .. فعلي حسب ما قاله لها منذ لحظات ..
أنه صديقه المقرب ، و مستودع أسراره ، و رجله المخلص .. إذن فكيف يجرؤ علي تجاهله و مساعدتها ؟ لا شك أن تلك لعبة منهما معا للإقاع بها ..
كان الإحتقار يفوح من ملامح "هانيا" .. إحتقار الغرور و الإعتداد بالنفس ، و قد توصلت بإستنتاجها إلي أن الرجل الواقف أمامها يحدثها و علي وجهه إبتسامة متحمسة ، لم يكن يمثل فقط دور المتعاطف معها ، بل أنه أيضا وجدها فرصة سانحة للتمتع بمنظر إمرأة تخضع لظرف قاهر غصبا عنها ..
و هنا إرتسمت صورة "عاصم" في مخيلتها بوجهه الأسمر و ندبته الخشنة ، و بكل سطوته و قوة رجولته ..
و فجأة .. سرت في جسمها قشعريرة غريبة ، فكادت تنفجر غيظا ، إلا إنها ردت بهدوء ناقض تلك الشرارات الثائرة في عينيها:
-ممكن تهربني ! .. يا تري دي لعبة جديدة متفق عليها انت و صاحبك ؟ عايزين تعملوا فيا ايه تاني ؟ اصلا لسا في حاجة ماعملتوهاش ؟؟!
نظر "زين" إليها بدهشة ، ثم هز رأسه بنفي قائلا:
-انتي فاهمة غلط .. انا بجد عايز اساعدك و الله انا مش بكدب عليكي .. انا عارف ان ليكي حق تقلقي مني و تشكي في كلامي ، بس برغم ان انا و عاصم صحاب من زمان و زي الاخوات و يمكن اكتر كمان ، الا ان الوضع اللي انتي فيه مايرضيش حد ، و انا اخلاقي ماتسمحليش اشوف حاجة زي دي و اغفل عنها حتي لو اتصرفت عكس رغبة عاصم ، انا هكون بحميه اولا من اي ضرر ممكن يوقع  نفسه فيه منغير مايحس ، و ثانيا هكون طلعتك انتي من حفرة مش بالساهل تخرجي منها .. و فكري كويس .. فرصتك الوحيدة و الاخيرة معايا .. لو عايزة تخرجي من هنا ، محدش غيري يقدر يخرجك من هنا.
قطبت حاجبيها و هي تنظر إليه بتشكك .. فقد كان في نبرته الهادئة و المنفعلة شيء كاد يجعلها تصدقه ، و لكنها لم تكن متأكدة من نواياه !
فإستدارت علي عقبيها و إتجهت إلي الدرج قاصدة غرفتها ..
بينما عاد "عاصم" في تلك اللحظة و هو يتابع خطواتها المبتعدة ، ثم نقل بصره إلي صديقه و رمقه في تساؤل ..
أجفل "زين" بتوتر و قد أربكته نظرات "عاصم" المباشرة له ، لكنه إستطاع أن يقول بثبات:
-كانت نازلة تدور عليك علي ما اعتقد ، لكن اول ما شافتني طلعت تاني.
و بإهتمام زائف تساءل مغيرا مجري الحديث:
-خير مين كان بيكلمك دلوقتي ؟؟
هز "عاصم" كتفيه قائلا و هو يتجه نحو أحد المقاعد بقاعة الجلوس:
-ده الدكتور اللي بيشرف علي حالة شهاب .. قالي انه بقي كويس و يقدر يقضي فترة النقاهة هنا في البيت.
إنفرجت أسارير "زين" ثم قال مبتسما و هو يجلس بمقعد قبالته:
-حلو ، ده خبر كويس جدا .. شفت مش قلتلك انه هيتحسن في المستشفي اسرع من هنا.
أجاب "عاصم" و هو يشعل تلك السيكارة الرفيعة بين أسنانه:
-بردو لو كان كمل علاجه هنا كان هيتحسن و يبقي كويس.
هز "زين" رأسه ضاحكا لعناد صديقه صعب المراس ، ثم نهض واقفا و قال:
-طيب انا همشي بقي ، عايز مني حاجة ؟؟
-خليك قاعد معايا شوية !
-معلش مرة تانية .. اصلي هسافر بكرة البلد اشقر علي ابويا و امي ، فلازم اروح احضر شنطتي و انام بدري.
سأله "عاصم" بإهتمام:
-هتتأخر هناك ؟؟
هز "زين" رأسه نفيا و أجابه:
-يومين تلاتة بالكتير و هرجع .. يلا تصبح علي خير.
أومأ "عاصم" مرددا بخفوت:
-و انت من اهله.
و رحل "زين" .. بينما سحب "عاصم" نفسا عميقا من سيكارته ، ثم إنحني و هو ينفث الدخان و أطفأها بالقداحة الرابضة فوق الطاولة أمامه ..
إبتسم "عاصم" فجأة حين لاحت صورة "هانيا" أمام عينيه ..
لقد رآها منذ قليل في ثوب قمحي اللون أبرز لون شعرها الذهبي و لون بشرتها الناصعة النضرة ..
إزدادت إبتسامته إتساعا و هو يفكر أنها بدأت تنفذ آوامره بطواعية حتي و أن كانت تنفذ بدافع الخوف .. هذا يروقه ..
نهض "عاصم" من مجلسه و عبر قاعة الجلوس ، ثم الردهة المؤدية إلي حجرة الطعام حيث كان الخدم يضعوا اللمسات الأخيرة للمائدة ..
وقف "عاصم" يتأمل التحضيرات برضي ، ثم تقدم من أفراد الخدم متسائلا:
-خلاص العشا جاهز ؟؟
إلتفتت إليه كبيرة الخدم ، و كانت إمرأة طويلة و بدينة قليلا ، و قالت:
-تمام يا عاصم بيه .. كله تمام.
أومأ "عاصم" رأسه بإستحسان ، ثم قال آمرا:
-طيب اتفضلوا انتوا علي اوضكوا .. و مش عايز اشوف حد الليلة دي خالص.
إنصاع الجميع لأمره ، بينما خرج هو من الحجرةو صعد الدرج ، و إتجه إلي غرفة "هانيا" ..
طرق بابها مرة ، إثنان ، ثلاث .. و لم يتلق ردا علي طرقه ، فأدار المقبض و ولج ..
جاب أنحاء الغرفة ببصره بحثا عنها حتي وجدها تقف بالنافذة و قد إنحنت خارجها بطريقة غريبة ..
تقدم منها "عاصم" دون أن تسمع له وقع أقدام بفضل السجادة السميكة التي إفترشت الغرفة ، بينما فاجأها بصوته الناعم الماكر:
-بتعملي ايه يا جميلتي ؟؟
إستدارت "هانيا" بسرعة و قد تلاحقت أنفاسها بغضب ..
نظرت إليه بحدة و رفعت وجهها تريد حماية نفسها من هجومه الوشيك ..
ظلا للحظات ثقيلة صامتين في مواجهة بعضهما البعض ، حتي قطع "عاصم" الصمت بينهما عندما قال برقة ساخرة:
-ايه ! .. كنتي بتختبري المسافة من الشباك للجنينة تحت ؟ اوعي تكوني بتفكري في حلول الافلام الابيض و اسود .. انك تجمعي ملايات السرير و تربطيها في بعض و تعملي منها حبل طويل تربطيه في الشباك و تنزلي عليه !!
عاد "عاصم" برأسه للخلف و قهقه بمرح ، ثم نظر إليها قائلا بتسلية:
-لأ يا جميلتي .. اوعي تعملي كده ، الطريقة دي خطر و ممكن الملايات تتفك عن بعضها و انتي في النص فتقعي علي الارض و تتكسر رجلك او ايدك .. لأ ماتعمليش كده .. انا مش هستحمل يجرالك حاجة و بعدين كده كده هتلاقي نفسك هنا في اوضتك تاني.
إبتسم بخبث معبرا عن سروره و سخريته و هو يتخيل "هانيا" تعاني و تجاهد كثيرا كي تخرج من القصر دون جدوي ..
بينما تآججت نيران الغيظ و الغضب بصدرها ، فضمت قبضتيها بقوة و هي تسمعه يطلق ضحكة أخري هادئة ، ثم يتقدم منهت أكثر و يمسك كتفيها بكلتا يديه و يقول مبتسما:
-ماتحاوليش تهربي مني يا هانيا .. انا لا يمكن اسيبك تبعدي عني ، مش هتعرفي تهربي اصلا .. هتلاقيني بمسكك في كل مرة قبل ما رجلك تخطي حدود القصر و هرجعك .. ارجوكي اقبلي نصيحتي و ماتتعبيش نفسك علي الفاضي.
بهذه الكلمات .. أطفأ "عاصم" شعلة الأمل في عيني "هانيا" التي حسبت أنها علي قيد شعرة من النجاح ، و لكنه أحبطها و إنتصر عليها كالعادة ..
غير أنه محق ، فحتي لو نجحت محاولتها الركيكة تلك ، فلم تكن لتنجح في تخطي حدود القصر دون أن يدري بها و يمسكها كما قال ..
نظر "عاصم" بساعة يده و أعلن بهدوء:
-الساعة 8 و العشا جاهز تحت .. يلا بقي ننزل قبل ما الاكل يبرد.

" المظفار و الشرسة " 🔞حيث تعيش القصص. اكتشف الآن