أين المفر ؟

18.6K 316 2
                                    

*المظفار و الشرسة*

الحلقة (14) - أين المفر ؟ - :

إشتد هطول المطر مع هبوب العواصف الشديدة ..
بينما ظنت "هانيا" أن الإغتسال بالماء الساخن سيريح أعصابها ..
و لكنها خرجت من الحمام بأعصاب مشدودة كالأوتار ..
جلست أمام المرآة تسرح شعرها .. فوقع بصرها فجأة علي علبة المجوهرات التي أهداها "عاصم" لها حين أرغمها علي إرتداء ما تحتويه مستغلا وجود أمه بينهما ..
فتحت "هانيا" العلبة لتجد العقد المزين بأحجار الياقوت الأزرق ، داخل بطانتها الحريرية و حوله باقي القطع الثمينة التي تكمل الطقم ..
حدقت "هانيا" في المجوهرات التي سحرتها بجمالها ، فشعرت أنها تسخر منها ..
فأمسكت بالعلبة و أطاحت بها في الهواء بغضب .. هزتها دموع القهر ، و أحست بالغثيان لمجرة فكرة أن هذا الرجل يريد أن يلمسها ، أو يقترب منها حتي ..
عليها الفرار من هذا المكان ، بعيدا عن هذا الرجل الذي لا يعرف حدا للإذلال و الإهانة ..
لم تعد تفكر في ميراثها ، و لا حتي في الثأر لوالدها .. كل ما تتمناه هو الفرار و إنقاذ نفسها ..
هبت "هانيا" واقفة و إتجهت صوب خزانة الملابس ، إرتدت أول شيء صادفته يدها ..
و كان ثوب أحمر قاني ، سميك ، قصير ، و لكن أكمامه طويلة و رقبته مغلقة ..
إرتدته بسرعة و هي تفكر أن أفضل فرصة يمكن أن تغتنمها لإستعمال الهاتف الأن ، إذ أن جميع أفراد الخدم آووا إلي مضاجعهم ، غير أن الساعة متأخرة و هذا الوقت لا يتجول فيه عادة "عاصم" بالأرجاء ، و إذن فهذه كانت فرصتها الذهبية ..
و في الحال خرجت من الغرفة علي رؤوس أصابعها ، نزلت إلي الرواق ، و منه مشت بخفة إلي حجرة مكتب "عاصم" ..
فتحت الباب بحذر ، و أطلت برأسها من خلال الفتحة الصغيرة ..
كان المكتب خاوي ، فإرتاح بالها .. دلفت مسرعة و أغلقت الباب خلفها ، ثم إتجهت إلي الهاتف الرابض فوق المكتب ..
رفعت السماعة و ضربت رقم عمها علي الأزرار و بقيت علي قيد إنتظار الرد  بأعصاب تالفة و جبينها يتصبب عرقا رغم برودة الجو ..
مرت اللحظات ثقيلة جدا ، حتي أجاب الطرف الأخر بصوت ناعس:
-الو !
باغتته "هانيا" بلهفة و هي تجاهد كي تبقي نبرة صوتها منخفضة:
-انكل توفيق ، انا هانيا !
و سرعان ما رد "توفيق" بصوت واع متزن لا يقل لهفة عن صوتها:
-هانيا ! انتي فين يا حبيبتي ؟ بتتكلمي منين ؟ انتي كويسة ؟ حد عمل فيكي حاجة ؟؟
قالت له "هانيا" و هي تطبق أسنانها و تقاوم الدموع:
-انا جوا قصره يا انكل .. و لحد دلوقتي انا كويسة ، بس مش عارفة بعد كده ايه اللي ممكن يحصل ! الحقني يا انكل ، خرجني من هنا بالله عليك.
و هنا بدأ باب المكتب ينفتح قليلا قليلا ..
فرفعت "هانيا" نظرها لتري رجلا ينتصب شامخا أمامها كتمثال قديم ..
تجمد الدم في عروقها و حل في حلقها جفاف رهيب ، و لما رأته يتقدم نحوها بخطي واسعة ، قررت أن تقول كلمتها مهما كلف الأمر ، فصاحت بعمها علي الطرف الأخر من الخط:
-انا بتكلم من المـ ..
و لم تقدر أن تكمل جملتها ، إذ أن يد "عاصم" الغليظة كانت قد أطبقت بقوة علي سماعة الهاتف في يدها ، بينما إنبعث صوت "توفيق" الهادر منخفضا من خلال السماعة:
-هاانيا .. هانيااا ردي عليا ! في ايه اللي حصل ؟؟!
أغلق "عاصم" سماعة الهاتف ، بينما إستولي عليها الخوف الشديد ، و لكنها تمالكت نفسها أمامه ..
فيما تصلب جسده الطويل الضخم ، و إرتسم غضب شديد في عينيه ، ثم تمتم بخشونة:
-يعني انتي فاكرة ان ممكن حد يجي ياخدك من هنا ؟ من بيتي ؟ .. الظاهر انتي لسا ماعرفتيش مين هو عاصم الصباغ يا جميلتي ، و مع ذلك ماعنديش مانع .. ممكن اعرفك عليا كويس اوي.
و إقترب منها و قد قست ملامحه بشكل لم تعهده فيه من قبل أبدا ، مما زرع الرعب في أعماقها و دفعها للتراجع ببطء و هي تتلفت حولها بحثا عن مهرب ..
بينما هتف بقسوة و هو لا زال مستمر في التقرب منها علي نفس الوتيرة البطيئة:
-عايزة تسيبيني و تهربي ؟ .. بعد كل اللي عملته عشانك ؟ .. بعد ما انقذت حياتك من شوية الكلاب اللي كانوا هيسرقوا شرفك و يرموكي ؟ بعد ما جبتك هنا في بيتي و حافظت عليكي و علي كرامتك ؟ بعد ما عرضت عليكي الجواز بمنتهي الذوق و الاحترام ؟ .. عايزة تهربي مني بعد كل ده ! .. مستحيل .. انا دفعت تمن غلطة ابوكي معايا طول السنين اللي فاتت و لسا ماخدتش المقابل .. و انتي المقابل يا هانيا ، انتي التعويض اللي لازم اخده ، مش ممكن تفلتي مني ابدا.
وجدت أطرافها ترتعش تكاد تصاب بالشلل .. ركزت بصرها علي باب المكتب القريب منها و فكرت بإنها إذا فاجأته فإنها ستتمكن من الهرب منه قبل أن يمنعها ..
و لكنه قرأ أفكارها ، فأمسك بها قبل أن تصل إلي الباب .. قاومته بشراسة و هي تصيح:
-اوعي سيبني .. سيبني انا مش عايزااك .. مش عايزة اقعد هنا ، انا بكرهك ، بقرف منك و من صوتك و من لمستك و كل حاجة فيك ، مستحيل هكونلك ، فاهم ؟ .. مستحيل.
برزت أوردته و أحمرت عيناه ، فغمغم بصوت قذف الذعر بقلبها:
-عارف انك بتكرهيني .. و بتكرهي تبصي في وشي .. بس للأسف ماعندكيش اختيارات تانية .. مضطرة تقبلي تعيشي عمرك كله مع المسخ اللي واقف قدامك ده.
صرخت بوجهه:
-مش هتجوزك !
فرد بصرامة لاذعة:
-في طرق تانية كتير ممكن تغنيني عن طلب الجواز منك كل شوية .. و ساعتها غصبا عنك هتوافقي علي الجواز .. و يكون في علمك انا صبري عليكي نفد خلاص.
عند ذلك .. راحت "هانيا" تتخبط بين ذراعيه بكل طاقتها لتتخلص منه و هي تنشج و تغص بريقها صائحة بهستريا:
-هقتلك .. هقتلك و هقتل نفسي قبل ما تقدر توصلي .. يا مجرم يا حرامي .. انت قتلت ابويا .. كنت السبب في موته .. هقتلك ، هقتلك.
لم تعرف "هانيا" كم بدت ساحرة بنظره في تلك اللحظة ، فراح يتفرس في ملامحها الرقيقة ..
و تحديدا في شفتيها الحمراء المنداة بدموعها ، كما شعر بنهديها النافرين منغرسين بقوة في صدره ، فأحس بغتة بالرجل في أعماقه يتمطأ ..
و بدون أن يعرف ماذا يفعل بالضبط .. أخذ يعتصر بدنها اللدن البض بين ذراعيه بعنف ، بينما أشاحت بوجهها عنه يمنة و يسرة و قد أقشعر بدنها من ملمس جانب وجهه المشوه لجلد عنقها الناعم ..
تلوت بين ذراعيه بجنون محاولة الإفلات منه و هي تصيح بيأس:
-سيبني .. انت مابتحسش ؟ ماعندكش قلب ؟ ابعد عني و كفاية بقي حرام عليك.
و بتصميم فجائي ، دفعته عنها بقوة ، فإرتخت ذراعاه و أصبحت حرة .. و بحركة تلقائية .. إرتفعت يدها و صفعته علي خده الصارم بعنف ..
رأت غضبه يتأجج ، فإستعدت برعب لمواجهة نقمته العارمة ..
و لم تشعر بعدها إلا بإنقضاضه عليها كمفترس علي فريسته .. شدها إلي جسده بعنف متعمدا معاقبتها و إيلامها ، فشعرت "هانيا" بالغرفة تدور من حولها ..
فغصت و شهقت كغريق صغير لا حول له و لا قوة ..
تملكها هلع غمر كيانها .. فراحت تلكم كتفيه بقبضتيها .. فأعتقلهما "عاصم" بشراسة ..
و بفم جائع متلهف .. كتم شهقاتها .. عجزت "هانيا" عن مجرد مقاومته حتي .. فقد كانت قبضته عليها محكمة جدا ..
فيما راح يلتهم شفتيها بقوة و عنف لدرجة شعرت بتمزقها بين شفتيه ..
يده الأخري تمسك برأسها .. لقد سيطر عليها كليا ، و من بين إمتصاصه و تقبيله لها بقوة و قسوة تمتم بحرارة:
-انتي ملكي.
تئن "هانيا" و تحاول الفرار ، أسنانه تنغرس أكثر و هو يمتص إحدي الشفتين و يشعرها بطعم الدماء ..
عند ذلك .. تفجرت الدموع من عينيها ، و تعالي صوت نحيبها المكتوم ..
كان هذا الشيء بمثابة الصفعة التي نبهت"عاصم" لما يفعله و جعلت وجهه يرتد للخلف مذهولا بوهن و إنهيار تلك الجميلة المتوحشة التي وقفت بوجهه و تحدته ..
إختفت قسوته بلمح البصر عندما رآي شفتها المجروحة المتورمة إثر قبلاته العنيفة ..
شحب وجهه و تركها مبتعدا و كأنها تحمل وباءا خطيرا .. بينما تهاوت "هانيا" علي الأرض و هي تبكي بحرقة ..
لم تع بعد ذلك ماذا حدث لها .. بالكاد إستطاعت أن تشعر بذراعي "عاصم" القويتين تحملانها حتي أوصلها إلي الفراش المريح ، و مددها عليه و ركز رأسها علي الوسائد الناعمة ..
ثم سمعت صوته و كأنه آت من مسافة بعيدة جدا ..
بدت الغرفة لناظريها سابحة في ضباب رمادي كثيف ، فرفعت يدها يائسة ، محاولة أن تمسك بأي شيء ، فأحست بيد تمسك يدها ، و سمعت صوت "عاصم" آتيا من بعيد البعيد ..
إستطاعت أن تميز أخر جملة همس بها بدفء لها:
-مش هآذيكي تاني .  اوعدك !
فيما تلي .. غابت عن وعيها و هي في حالة ضعف و وهن لم تعرفها مطلقا في حياتها قبل أن تراه ...

" المظفار و الشرسة " 🔞حيث تعيش القصص. اكتشف الآن