سأُهدي الجوري لِمَن أُحِبّ!

60 4 1
                                    

لم أنسَ ذلك اليوم أبداً.. اليوم الذي لم تكن أحداثه مجرد صدفة.. بل أحداثاً مهمة مرتبطةً بمستقبلٍ جميلٍ ينتظرني..

في ذلك اليوم كنت في العاشرة من عمري.. كان يوماً مشرقاً قررت فيه والدتي اصطحابي إلى حديقةٍ جميلةٍ تنوعت فيها الورود والأزهار وكست المروج الخضراء أراضيها.. وفي أثناء تجوالنا ومشاهدتنا لتلك المناظر الخلابّة... نظرتُ إلى أمي ببراءة وسألتها بطفولة:

_ أمي، إن الورود منوعةٌ وجميلة.. ولكن ماذا تفضلين منها؟

الوالدة :إنها كذلكَ بالفعل، وبالنسبة لي فأنا أحب ورود الجوري وأرى بأنها ورود الحب.. فقد أهداني والدك باقةً جميلةً منها في يوم خطبتي، ولذلك فهي مميزةٌ عندي وأحبها بشدة..!

في تلك اللحظة نظرت إلى أمي بدهشة وقد أعجبتني كلماتها.. فوقفت بهمةٍ وقلتُ بحماس: وأنا أيضاً! سأجِدُ من أحب عندما أكبر وأهديها أجمل باقةٍ من هذه الورود الجورية!

أحمد: نعم، سأهدي الجوري لمن أحب فقط!

في ذلك الحين لفتت نظري طفلةٌ في السادسة من العمر تقريباَ تلحق بشابٍ جامعي وهي تحمل ورقةً بيدها ولكن ذلك الشاب لم يسمع نداءها الضعيف.. فظل يمشي على عجل وهي تتبعه، شعرتُ بالفضول فقررت أن أتبعهما لأعرف سبب لحاقها به، و بعد مسيرةٍ طويلة تعبتُ منها حقاً وصلنا إلى محطة القطار وكان الشاب يهمُ بالصعودِ إليه ولكن الطفلة أمسكت بطرف معطفه تشده وهي تقول: لقد أسقطت هذه !!

نظر الشاب إليها باستغراب ومن ثم أمسك بالورقة فتفاجأ وقال بسعادةٍ كبير: لقد أنقذتني! هذه الورقة مهمةُ جداً بالنسبة لي وهي مفتاحي لدخولي الجامعةَ قبل التخرج!! أشكركِ حقاً وأعدكِ بأني سأرد هذا المعروفَ يوماً ما!

وقبل أن يصعد إلى القطار أعطى الطفلة ورقةً صغيرة ومن ثم ودعها وغادر بالقطار مسرعاً..

أعجبتني تصرفات تلك الفتاة ولكنها كانت أول مرة أراها فيها معتقداً بأنها ستكون آخر مرةٍ كذلك..

بعد عشر سنوات

كنت أذهبُ إلى تلك الحديقةِ بشكلٍ يومي بعد انتهاء دوام الجامعة.. أتذكر تلك الأيام التي كنت أذهب فيها برفقةِ والدتي إلى الحديقة.. كانت تمسكُ بيدي بحنان وأنا مشغولٌ بتفكيري.. "أياً من هذه الورود سأفاجئ بها أمي؟ ماذا سأهديها اليوم؟" .. كانت أياماً جميلة بالفعل..

و في أحد الأيام أنهيتُ دراستي مبكراً فذهبتُ إلى المكان المعتاد لأشعر بالراحة وأنا أشم رائحة الورود العطرة.. وأستنشق الهواء العذب النقي.. فأشعر بأن رئتي تقدمُ لي شكراً وأنا أبعدها عن أجواء المدينة الملوثة.. لأتفاجأ ذلك اليوم برؤيةِ شخصٍ جديدٍ يزور هذه الحديقة..

أنا إنسان (مجموعة قصصية إنسانية)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن