《٨》:|بلا جاذبية|

1.1K 253 141
                                    

غادرت المعلمة في أعقاب جلسةً طويلة لقّنتني فيها قواعد متقدمةٍ في الصّرف والإملاء، لأُلملم حاجيّاتي قبل أن أنضمّ للرفاق في الباحة حيث يُسمح لنا عادة باللهو لفترة قبل انتهاء نشاطات برنامج التدريب الصيفي.

أخرجت دفتر رسمي لأتمرّن تحت الشّجرة، فمعلّم برنامج الفن الذي اشتركت فيه أخبرني أن البعض لا يمكنهم الرسم بشكلٍ صحيح إلا عندما ينظرون لمجسمٍ ما، وتعلم قدرٍ من الأساسيات في البداية، وبتطبيق نصيحته اكتشفت مهارتي الدّفينة في نسخ ما أراه، لذا أصبحت آتى إلى هنا كلما سنحت الفرصة لأتدرّب على الزّوايا والأبعاد.

"نرجس" كعادتِها تتباهى بارتفاع درجاتها، "وكِنان" يُناقش "ليان" حول آخر كتابٍ قرأه. أما الفتيان فيلعبون الكرة ويضايقون الفتيات اللاتي يثرثرن حول توافه الأمور

مستندة الخدين على الكفين، حاورت نفسي بابتسامةٍ بينما أتأمّل أحوال الرفاق عقب إغلاق الكرّاس.

الجميع من حولي تغير بطريقة ما، وكذلك أنا، ولكن، لست مُتأكدةً تماماً ما إذا كان ذلك عين ما صبوت إليه  منذ البداية!

لسببٍ ما، أستشعِر مؤخراً فراغاً ينهش أحشائي ببطء، وكأنّ شيئاً ما بداخلي مفقود، أو لعلّها واحدةً من تلك اللحظات الغارقة في التّيه، حين تصبح الأحلام معاناة المرء الوحيدة.

لطالما كرِهت سابقاً كوني منبوذةً بلا جاذبية أرضية أو تواصل اجتماعي، ثم اكتشفت بعد ذلك أن النّقص الحقيقي كان كامناً داخلي أنا، فهل تراها الجاذبية لم تتخلّى عني منذ البداية بل كانت نعمة مقنّعة، وأنا من عمي عن إبصار ما تخفيه خلف قناعها؟

"تباً، منذ عادت قوة الجاذبية، لم يعد بإمكاني بلوغ السّطح العالي مجدداً، عجزت عن تأمّل فراخ الطّير السعيدة، وفقدت زاويتي المميزة في رؤية الحياة!"

ندبت حالي بينما أنسدح على العشب المبلل، فالآن أدرك أن تلك الظّاهرة التي سعيت للتخلص منها لم تكن إلا دلالةً على تميّزي عن الآخرين، طوق حرية، ونسيمٌ يُطهر روحي من دنس الجمود والملل.

"ليتني أعود تلك الصبية التي استكشفت خريطة النّضج بحريةٍ يوماً ما لا العبدة المقيدة إلى الأرض بسذاجة المراهقة وعوادم اللهو"

كبّلت عيوني بذراعاي، فلا أريد لدمعةٍ غادرة أن تهز صورتي الآن قبل أن تُناديني "ليان" قائلةً:

أحضرت نصيبكِ الذي نسيتيه من حلوى الصّباح "سارة" ف...

قطعت كلامها إذ فجأة لتُكمل:

السائِرة على السحابحيث تعيش القصص. اكتشف الآن