بلقيس
الأغواط في 25 جوان 2004 :
نظرت للقصاصة الورقية الصغيرة بإمعان ثم رفعت رأسها تتأكد من العنوان الذي كتب عليها، أعادت طي القصاصة وخبأتها في جيب حقيبتها اليدوية ثم تنفست بعمق و شدت قبضتها لتضرب الباب الحديدي ذا التعرجات !.
- صباح الخير.. اممم هل هذا منزل ... !
قاطعتها العجوز صاحبة الملمح المحبوب والوجه المليح وهي تفتح الباب على مصراعيه متيحة لضيفتها الدخول قائلة والابتسامة لا تفارق وجهها:
- نعم عزيزتي ، تفضلي تفضلي يا ابنتي لا تظلي واقفة على الباب.
ضحكت بلقيس وهي تهز رأسها بسرور لقد كانت تقول لنفسها أنها نجحت في أول الخطوات وها هي أم ياسر الطيبة واللطيفة تبدو قد أحبتها بل وأحبتا بعضهما البعض.
- تفضلي القهوة عزيزتي.
- شكرا لكِ خالتي.
قدمت أم ياسر لضيفتها القهوة وظلت تلاحظها بدون انتباه منها، قالت الحاجة يمينة فجأة:
- في الحقيقة يا ابنتي ياسر لم يخبرنِ باسمك.
- آه صحيح أنا اسمي بلقيس.
- بلقيس آه جميل!
توقفت قليلا ثم نطقت من جديد تسأل:
- أترانا جيرة يا ابنتي؟
- لا خالتي أنا.. لست من المدينة .. أسكن في برج السنوسي .
- امممم جميل جميل ! هل تريدين المزيد من القهوة عزيزتي؟
- لالا خالتي ... شكرا.
ابتسمت العجوز ثم حملت الصينية إلى المطبخ وعادت إلى ضيفتها، قالت وهي تشير إلى الصوف الذي ما غيرت محله منذ أيام:
- إذن أخبريني فيما تفقهين أيتها الجميلة؟
نظرت بلقيس إلى حيث تشير السيدة ثم قالت بحكمة متحدية بذلك أم ياسر:
- في أشياء كثيرة
ضحكت متابعة:'' لا تعد ولا تحصى ''، ضحكت أم ياسر وبدون أن تنظر إلى بلقيس قالت كرد على تحدي بلقيس :
- لا أظن أن الصوف وتنظيفه من بينها.
ارتبكت بلقيس ولم يخف ذلك على العجوز التي نظرت إليها بدقة فقالت مواربة:
- بنات آخر الزمن يا عزيزتي.
بعد أخذ وعطاء من هذه وتلك انصرفت بلقيس مودعة وقد أعجبها ما استطاعت على تقديمه مع أم ياسر، أخذت ترتب هندامها عند خروجها من منزل أمه ثم شردت في خاتمها الذي يطوق بنصرها الأيسر والذي أهداه إليها ياسر من مدة متأملا في واحد آخر مثله عندما يتزوجها ، ابتسمت ثم رفعت هاتفها إلى أذنها منتظرة صوت شخص ما على اتصالها :
- ألو مرحبا.
قالت بلقيس وقد سرى في نبرتها نوع من الحماس:
- كان لقاء جميلا ياسر، أحببت والدتك كثيرا لماذا لم أتعرف عليها قبل الآن يا الاهي! أظنها قد أحبتني أيضا.
أجاب ياسر بلهجة ذات معنى متظاهرا بالاستغراب والتعجب:
- أمي؟ أمي أحبتك بلقيس حقا؟ رائع
- أجل أتمنى ذلك.
- بالمناسبة عزيزتي أريد أن أخبرك أمرا.
علت وجه بلقيس حمرة طفيفة وهي تقول:
- كلي آذان صاغية، تفضل!
- لقد بدأت العمل هذا اليوم وأنت أول من يعرف من أهلي ، لقد وجدت عملا لدى والد صديقي مالك تعرفينه أليس كذلك ؟ وهو محل حلويات إن شئتِ ....
قاطعته بلقيس و نوع من الشجن يغطي نبرة صوتها: '' أحقا ؟ رائع مبارك لك ياسر '' وفجأة فصلت الخط وعادت إلى منزلها غاضبة ...
بدون أن تقف عند أي من أفراد أسرتها الذين وقفوا مستغربين من مزاج بلقيس السيء دخلت غرفتها وأغلقت الباب بالمفتاح وأخذت هاتفها تحاول الاتصال بشخص ما! وقبل أن تسمع الرد على الطرف الآخر جاءتها أصواتهم من خارج الغرفة، والدها الذي كان يشاجر أمها قائلا:
- تلك تربيتك الفاسدة تلك تربيتك ، سنرى كيف سيعود لكِ كل هذا الدلال.
كانت تسمع صوت أمها الخافت الذي يحاول تهدئة والدها قائلة:
- أرجوك أن تهدأ أرجوك، إني ... إني ...
ويقاطعها والد بلقيس بغضب : '' ما زلتِ تقولين اهدأ ، إلى متى يا امرأة هه ؟ إلى أن تفسد الفتاة تكون كلمتي مجرد كلمة عابرة لا تعني لها شيئا؟ اسمعيني فاطمة.. ابنتك المدللة هذه عليكِ أن تعيديها إلى الطريق وإلا ... ''
كانت بلقيس تسمع أصواتهما وكلامهما الذي جرحها بصمت وهي تضع يديها على فمها مغطية شهقاتها القاسية، فجأة جاءها رد الطرف الآخر من الهاتف قائلا:
- بلقيس هذه أنتِ يا فتاة؟ أهلا وسهلا أيام وشهور مرت عن مكالمتك.
- آسفة سأتصل لاحقا، أعذرني الآن!
- !!!!
رمت هاتفها على الفراش وخرجت من غرفتها لتدخل في الجدال الذي سبق ودخله والداها بسببها قالت بغضب في وجه والدها:
- عفوا؟؟ لماذا تقول هذا عني يا أبي ما الفاسد في تربيتي فيما أخطأت يا ...
قطعت جملتها تلك الصفعة التي جاءتها من يد والدها الغاضب وكانت ستأتيها على خلاف تلك مجموعة من الصفعات الأخرى لولا أن أمها منعت عنها الأذى!
- أنظروا من يتحدث؟ تأدبي وأنتِ تتكلمين إلى والدك في المرة القادمة أتفهمين؟ ثم أين كنتِ هاه أين ! وبهذا المنظر أيضا ؟؟.
وبدون أي كلمة أخرى انسحبت إلى غرفتها باكية ما تلقته من والدها كان صعبا عليها، فما الخطأ الذي ارتكبته حينما خرجت من منزلها؟ ما الخطأ الذي وقعت فيه حينما أرادت أن تقابل أم زوجها المستقبلي! ما الذي وقع على ظهرها في النهاية وأودى به الذي جعلها تنهار وتسقط على أعقابها كطائر جريح؟ بأي حق يلومونها وما اهتموا لها قبل أن ترتكب ما يسمونه خطأ.. هي لم تخطئ حينها وإنما ... لم تعرف كيف تتوب فحسب!
![](https://img.wattpad.com/cover/118413438-288-k821922.jpg)
أنت تقرأ
أَيَامُ الَخرِيفْ
Espiritual(أيام الخريف) رواية تبنتها أفكاري و رعاها خيالي ، بناء على قصة واقعية التمستها من حياة صديقتي... أرجو أن تلمسكم مثلما لمستني ..