المجنون

384 15 11
                                    

الكل منغمسون في الاكل و الكلام . في كل مائدة يجلس ثمانية تلامييذ . وها نحن طلاب السنة الثالثة في جنووب القااعة
و بما أنه وقت الامتحانات . فزملائي في المائدة كادوا أن يمزقوا طبلة أذناي بأمور الإمتحانات والنقاط و المداكرة 
إلا واحد منهم كان يجلس قربي على اليمين  . صديقي،  هو قليل الكلام أثناء الاكل . عجيب امره  يأكل بسرعة كبيرة ولا يتكلم ويكون اخر من يغادر قاعة الاكل . وفوق كل هذا نحيف جدا كأنه لايأكل ضحكت في نفسي . مادا اقول سامحني الله ... رمقني بنظرة كأنه سمع ما أفكر فيه .. فقلت له :
- اراك لاتتحدث عن الامتحانات والنقاط.   
قلت له هذا مع ان شعبته مختلفة عن شعبتنا ..   
اراد قول شيء لكن تابعت كلامي
-قلت لي أن لديك امتحان فرنسية الاسبوع الماضي . اظنكم استلمتم نقاطه ... ماهو معدلك ... فأضفت مستهزأ -فأنت جيد في اللغاات  كما نعرف .                                           
    حرك بؤبؤة عينيه الى الجانب تجاهي واحدى حاجبيه مرفوعة وهو منغمس في الاكل . وفي الاخير حرك اصبعه نافيا من الشرق الى الغرب ...
ثم قلت له بصوت عاال :                                           

ماذااا لا تقل انك لم تخبرني فهذه عادتك .. 

نظر إلي نظرة تفحصية من رأسي الى قدمي . وأخيراً نطق وببرودة تامة .                                       
-ناولني اناء الماء الذي بقربك ...          
اعطيته الاناء  فشرب وقال لي                   
-لم أنجز الامتحان ...                                             
-لما ؟؟؟                                                  
- تأخرت في الطريق انذاك ﻷجد الباب مغلق ..             
-مجددا ... يالك من قليل الاهتمام ..
-ادا شئنا ...                       
   فأضفت قائلا - الم تطلب من الاستاذة ان تعيد لك الامتحان ؟                                           
- رفضت ...                                    
-انت لم تطلبها فقط اخبرتها  .
   فقال وفمه ممتلئ بالطعام ... وهو يتدنى نحوي .
- أنه الكره ياا عزيزي "أحمد " انها تكرهني .. الامر وااضح  .                                       
   ضحكت ضحكة خفيفة ...                           
-  تكرهك ؟؟؟ يااا أحمق الاساتذة في مثل هذه الحالات ان لم تطلبهم و تتوسل اليهم وتعيد طلبك فلن يعيدوا لك الامتحاان ...
فضحك و الطعام يتناثر من فمه ... "يا الهي هذا الفتى لا يملك اي ادب للطعاام" ... فقال لي
-    الهذا سروالك مقطووع على مستوى الركبة ...                                                              
ضحكت قليلاً ثم قلت له          
- سحقا لك، هذا ليس السبب ...                         
   فرد علي بكلمته المعهودة... وقد عااد للاكل مجددا وبكل برودة ..                              
-أعلم ...
    ﻷقول له بسخرية ... والابتسامة تملأ وجهي ..
- انت لا تعلم شيء فقط تدعي هذا كعادتك ...
   فتوقف عن المضغ فجأة ونظر الي نظرة استفهام مع تحريك احد حاجبيه كأنه يريد اخذ اذن مني لقول شيء ... ليقول لي ...
-حقاً ؟؟؟                                     
    فقلت له بكل فخر ... - أجل ..
نظر الي ثم هز كثفيه ...                   
-حسناً لا شيء انسى الأمر. ...
-الم اقل لك انت فقط تدعي العلم ...
وبينما كنا نتكلم صرف انتباهي تحديق زملائي في المائدة بنا .ثم عرفت انهم يتابعون حوارنا ... نظر اليهم صديقي  ثم نظر الي متبسما .                         
ثم عدنا للاكل مجدداً والهدوء يملأ المائدة. وعندما انتهينا توجهنا الى قاعة النوم حيت تتواجد خزاناتنا واسراتنا . وهي قاعة كبيرة يوجد فيها ما يقارب سبعين الى ثمانين  تلميد وهناك اربع قاعات اخرى .                      
وبينما انا اسير نحو القاعة كنت انظر إلى سروالي المتقطع،" أهو واضح لهذه الدرجة". وفجأة يتكلم صديقي من خلفي وهو   يتناول ياغورثا .                                            
-الم تسقط من على الدراجة قبل الغذاء في طريقك من الثانوية الى هنا وكان علي معك . (علي هو احد زملائنا في المائدة وهو ايضا يدرس في نفس مستوانا )
ثم تابع صاحبنا كلامه ... وقد سقطتم قرب موقف عربات الاحصنة التي توجد على يسار مستشفى المختار السوسي ..
اوبس يا الهي اصاب الاحمق رغم اني تأكدت انه لم يرانا احد من زملائي الداخليين الذين يدرسون في نفس الثانوية آنذاك لاننا كنا اخر من خرج من الثانوية . ثم قلت له : هلا اخبرتني كيف عرفت او من أخبرك بهدا ...
ضحك واراد ان يضع يده فوق كتفي ليشرح لي إلا اني تراجعت قليلاً للوراء ﻷن يده آنذاك كانت ممتلئة بالياغورث فقد كان يأكل بأصابعه ثم نظر إلي وقال : اووه عفوا ظننتك ستغير ملابسك الان ...         
فانذهلت وقلت له قل لي كيف عرفت ودعك من هذا .
- سروالك من الأسفل على مستوى الكعب ممتلئ بزيت سلسلة الدراجة فلقد امسكت السلسلة بسروالك الواسع. فسقطت على ركبتيك ويديك وقد تأذيت على مستوى الكوع ليدك اليسرى .
انهى كلامه هذا والقى بعلبة الياغورث في سلة المهملات التي كانت تبعد عنا بضع امتار بطريقة كرة السلة .
فقلت له :- اصبت ... 
فقال لي مستهزءا :
- الاستنتاج ام الرمية ...
- في كلامك ...
-يستحسن تسميته استنتاجا يا رجل ... وضحك مرة اخرى
-  كل ما قلته صحيح فسقوطي على ركبتي واضح من انقطاع سروالي على مستوى الركبة .لكن ما يخص يدي اليسرى واني تأذيت فيها ... كيف عرفت هدا مع انه ليس هناك جرح ولا علامة ...               
-هل تدكر عندما طلبت منك ان تسلمني اناء الماء ... كان الاناء على يسارك انذاك وكنت تأكل بيدك اليمنى ... كان من المفترض ان تسلمني الاناء بيدك اليسرى نظرا لقرب الاناء منها و ان اليد اليمنى تمسك الطعامه . ولكنك مع كل هدا استدرت وحملته بيدك اليمنى ... ثم ابتسم ... هل يضهر لك هدا كلاما انه استنتاج يا عزيزي "احمد"
فضحكت قليلا ...-لا ليس كلام انه نهيق ...
-اذن لم تفهم استنتاجي ...
-لالا بل فهمته ...
-الحمير تفهم بعضها ..
تظاهرت بعدم الاهتمام وقلت له : لكن اللغز المحيير هو كيف عرفت مكان سقوطنا وانني كنت مع علي ...
  بسيطة يااا عزيزي "احمد" اولا ملابسك شبه مبللة ثانيا تفووح منك رائحة عطر وبشدة و دالك العطر كان يستخدمه "علي " وتفوح منه ايضا الرائحة بدالك القدر عكس ما يفعله كل يوم ... اضافة انك لا تضع العطر نهائيا فقد التقيتك في السااحة ولم اشم فيك شيئا ولم يكن سروالك متقطعا انذاك. 
   ثم ضحك مجددا و تابع كلامه .. وياليته لم يتابع ..
- لأنكم سقطتم في دالك الماء المقزز الدي يخص الاحصنة و الذي يتجمع قرب موقف العربات ... وراائحته كرييهة فأردتم ان تبعدوهاا فاستعمل "علي" عطره و كدالك انت فلم يستطع العطر ابعاد الرائحة الكريهة فاستعملتم الكثير منها .إضافة ان علي لم ينطق بكلمة في قاعة الاكل وهذا يظهر مزاجه العكر  ... 
وبما ان الطريق كله نظيف وليس فيه برك ماء إلا دالك المكان ... استنتجت  هدا ...
فقلت له : طريقة هولمز اذن ....
قلت له هدا لأنه مهووس بهولمز وروايااته .
فرد علي مغمض العينين : يستحسن قول الدكتور جوزيف بل ...
-لم اعتقد ان الرائحة ستكشف لك ما حدث ...
-قال كونان "التفاصيل الصغيرة هي السبيل الوحيد لحل اصعب القضايا"
--هي ليست لكونان انها لهولمز أصلا ...
--من صنع شخصية هولمز ..؟
--ارثر كونان دويل ...
فغمض عينيه مرة اخرى وقال : يستحسن قول كونان إذن .
لماذا تنسب اذن الاقوال لهولمز بعض الاحيان ...   
فضحك وقال -- ادا شئنا ... 
-- بالمناسبةألهذا لا تريد اخباري في المائدة تخاف ان اصبح اضحوكة ...                            
فضحك مجددا ... وقال                   
-  ومتى اصبحت غير دالك ... فقط لكي لا يصبح علي اضحوكة ...
ياالهي ... بئسا لحسن الظن ...
وصلنا للقاعة ... فرتبنا اغراضنا و صلينا الظهر في جماعة وبدأ البعض يراجع مراجعة خفيفة للدروس والبعض يرتب خزانته ... نظرت لصديقي فإدا مستلق في فراشه و هو مستغرق في النوم ... وااضعا كتاباً على وجهه ... اردت ان اعرف ما هو هدا الكتاب ... فاقتربت منه قليلاً ... كان كتابا ابيض مكتوب عليه "اكاثا كريستي "مقتل روجر اكرويد" ياا الهي رواية جريمة مرة اخرى ...  يا له من مجنون .

فقط تشجع ( لغز جريمة الأنابيب )حيث تعيش القصص. اكتشف الآن