مرت الأسابيع الثلاثة الأخيرة كالحلم . وشعرت فينيتيا أنها غير حية على الإطلاق فقد غطت الذكريات التي أخذت تجترها واقعها الحالي . حتى عريسها بدا أمامها وكأنه خيال من تصوراتها أكثر منه مخلوقاً من لحم ودم . ورمقته بنظرة باسمة بينما كانت طائرة روسي تستعد للهبوط في مطار الغيرو . وكان البحر الأبيض المتوسط يموج فوق الشواطئ البيضاء في شمال سردينيا .
.http://www.liilas.com/vb3بدا وجهه شاحباً وفمه متجهماً وقد ظفرت بالكاد بابتسامة صغيرة منه منذ عقد قرانهما وأصبحا زوجاً وزوجة في احتفال هادئ وذلك منذ ساعات قلائل . ولكنها وجدت له عذراً لذلك في أنه أرهق نفسه وذلك بالإصرار على زيارة كل فرع من شركة روس البريطانية المنتشرة في أنحاء بريطانيا ، فهي لم تكد تراه أثناء الأسابيع التي سبقت الزفاف مع أنه كان يتصل بها هاتفياً كل ليلة . وارتسمت ابتسامة صغيرة على شفتيها وهي ترمق بعينيها الكحيلتين قامة زوجها الرائعة .
لقد أدركت الآن السبب في ارتمائها في أحضان العمل مكرسة له كل اهتمامها دون أن تخرج قط مع الشبان ، ونادراً ما كانت تحضر المناسبات الاجتماعية . لقد كانت في عالم النسيان ذلك أن قلبها ونفسها كانا رهن الرجل الوحيد الذي ليس في إمكانها أن تحب سواه . وقالت بصوت خشن : " كم تبلغ المسافة إلى الفيلا؟ وكم تأخذ من الوقت؟ " أجابها كارلو : " إنها على بعد حوالي عشرين دقيقة بالسيارة وسيكون لويجي في انتظارنا بالسيارة . " كان كارلو مشغولاً بالأوراق هذه أثناء مدة الطيران . وقد استولى عليها النوم أثناء الرحلة حوالي ساعة بعد أن غمرها الإرهاق حيث أن عينيها لم تعرفا النوم طيلة الليلة الماضية ، فقد كان عقلها مشغولاً بالتفكير في يومها الآتي .... يوم عرسها .
وكان هو يتابع قائلاً : " وبعد ذلك يمكنك أن ترتاحي . " وكان في هذه الأثناء يقفل حقيبته بعنف ويفك حزام مقعده بعد أن حطت الطائرة . واستطرد قائلاً : " وستوصلك روزا إلى غرفتك ثم تحضر إليك صينية الشاي وبعد ذلك ترتاحين ساعة قبل أن يحين موعد العشاء . "
قالت فينيتيا : " روزا ؟؟ " واستدارت إليه عيناها متسائلتين ولكنه لم يكن ينظر إليها وكان تألق ابتسامته موجهاً نحو المضيفة الجميلة التي أخذت تساعدهما على النزول من الطائرة . وأمسكت فينيتيا لسانها عن الكلام ، فالوقت لم يكن مناسباً لكي تسأله لماذا ليس هو من سيوصلها إلى غرفتها .
في بريطانيا ، كان قد أوضح لها وهما في طريقهما إلى المطار أن روزا ولويجي يرعيان الفيلا التي تمضي فيها الأسرة إجازاتها . وهما من مواطني الجزيرة ويكنان لهم ولاء عميقاً وهي فينيتيا ستجد عندها كل مساعدة تطلبها لأنها زوجته بالرغم من صعوبة اللغة بينهما . وأثارت هذا الموضوع الآن بعد أن ابتعدا عن المطار في طريقهما إلى الفيلا وذلك بقولها : " إن علي أن أتعلم هذه اللغة أليس كذلك؟ " وألقت ابتسامة ناحية لويجي . كان هذا رجلاً قصيراً قوياً ممتلئ الجسم وفي منتصف العمر ، قدم إليهما تحية حارة غير مفهومة . وكانت عيناه البنيتان تطرفان بالسلاسة والنفس المرحة . وبجانبها كان كارلو جالساً وهو يهز كتفيه قائلاً : " إذا كنتِ تريدين ذلك حقاً . "
أجابت فينيتيا : " طبعاً أريد . فالإيطالية لغة أسلافي رغم كل شيء وعندما أقابل أفراد أسرتك سيكون من السهل علي التخاطب معهم . " وكانت لهجتها وهي تقول ذلك مشوبة بشيء من السخرية ما جعلها تتساءل عما حدث لها ، فقد كانت و كارلو في بداية شهر العسل فلماذا ردت عليه بهذا الشكل بينما جوابه لها كان مناسباً تماماً لتعليقها : " أسلافك؟ لقد كانت أمك إنكليزية . "
فقالت تصحح كلامه : " إنها في الحقيقة من منطقة ويلز . "
أجاب برقة : " ولكن أسرتي التي ستتعرفين عليها عندما نعود إلى بلدنا كل أفرادها يتكلمون لغتك وبالنسبة إلى روزا ولويجي فانهما يتكلمان الكاتالانية ذلك أن مواطني سردينيا متعصبون للغتهم القومية المختلفة عن تلك وعلى كل حال ... فهم جميعاً يتكلمون الإيطالية بشكل يدعو إلى الإعجاب . وقد تقبل روزا أن تعلمك شيئاً منها . "
كانت هزة كتفيه الخفيفة والطريقة التي أدار بها رأسه ليحدق من النافذة بجانبه جعلتها تفهم أنه لم يكن ليهمه ذلك . وكان لالتواء فمها باستياء أن يخبره لو أنه كان ينظر إليها ، أن رغبته في الإلقاء بها على عاتق روزا لم تكن بالضبط ما تصورته عن شهر عسلهما .
وأدارت رأسها لتحدق من النافذة هي أيضاً ولكن عينيها المغرورقتين بالدمع لم تسمحا لها بأن ترى أياً من المناظر على الإطلاق . لقد كان بعيداً عن التصرف كزوج محب تواق إلى ابتداء حياتهما الزوجية التي ابتدأت منذ نصف نهار فقط فقد كان يتصرف وكأنها تسبب له الملل . أنه يسبب لها الاضطراب والشعور بالتعاسة والتوتر ، وهذا محض جنون!
وعضت بشدة على شفتها وهي تكبح آهة كادت تفلت منها ، ولكن كان عليها أن تتمالك نفسها أمام لويجي الذي كان يوقف السيارة أمام فيلا كارلو . و أمكنها بشكل ما أن تتصرف بشكل طبيعي حتى أنها ابتسمت للسائق الذي استدار ليفتح لها الباب كان المنزل نائياً عن العمران ولكنه رائع الجمال ، كان بقعة مناسبة تماماً لقضاء شهر العسل . ولكن شهر عسلها ليس كما كانت تتوقعه أن يكون . لقد راودتها هذه التأملات بينما كان كارلو يضع يده تحت مرفقها دافعاً إياها إلى الأمام تاركاً لويجي يتصرف بالأمتعة .
ودفعها شعور غبي إلى أن ترفع عينيها إليه متكلفة الابتسام وهي تقول : " إنني حتماً سأحب هذا المكان فهو رائع كما أن الهواء رقيق دافئ . كم هذا جميل . "
فالتقت عيناه بعينيها بنظرة فارغة مختصرة وهو يقول : " هذا صحيح ربما هذا أفضل أوقات السنة . إذ أن الحر يشتد في أواسط الصيف وتزدحم المدن . و المعتادون على الجو الإنكليزي مثلك ..... "
وخبطت فينيتيا قدمها في الأرض قائلة بحدة : " هل علينا أن نمضي الوقت بالحديث السخيف عن الجو؟ " إنها لم تفهم سبب كل هذا ولماذا ينأى عنها بهذا الشكل المقيت ، وكل ما تعرفه أن تصرفه هذا يؤلمها بشكل لا يحتمل وتابعت تقول : " ألا تظن أنه ما زال مبكراً بالنسبة إلى حياتنا الزوجية أن يقتصر حديثنا على مثل هذه الملاحظات التافهة ؟ "
فأجاب : " لقد ظننت خطأ أن هذا قد يهمك . " وانفرجت ملامحه بشيء من المرح وذلك للحظة واحدة ما جعلت فينيتيا تنظر إليه بريبة بينما كانت يده تشتد على ذراعها وهو يدفعها إلى الأمام بعد أن وصل إليها لويجي وهو يحمل حقائبهما وهكذا لم يكن الوقت مناسباً للانخراط في شجار ، ليس لأنها كانت تريد أن تتشاجر معه ، فقد كانت بعيدة عن هذا ، ولكنها كانت تريده أن يخبرها كم يحبها .
لا بد أن المرأة القصيرة البدينة الجسم التي جاءت لاستقبالهما هي روزا لقد كان وجهها يشرق بالابتسام وكانت خصلات من شعرها الأبيض قد أفلتت من الشريط الذي شدت به شعرها . وحياها كارلو بابتسامة تنضح عطفاً ودفئاً وهو يجري التعارف بينهما . ذلك التعارف الذي جدد عزم فينيتيا على أن تتعلم لغة زوجها . ولكن تأملاتها تلك ما لبثت أن تبددت عندما قال لها كارلو بلطف : " لقد أخبرت روزا أن تأخذك إلى غرفتك ثم تحضر إليك الشاي ... على الطريقة الإنكليزية فأنا متأكد من انكِ تريدين فرصة ترتاحين فيها من عناء السفر وسأراك فيما بعد . أما العشاء فموعده في التاسعة والنصف . "
أنت تقرأ
سجينة الذكريات
Randomرواية سجينة الذكريات للكاتبه ديانا هاميلتون الملخص : تهافتت فينيتيا , المليئة بالثقة بشبابها وجمالها , على رجل الاعمال الايطالي البالغ الجاذبيه كارلو روسي مقدمة اليه فعليا , كل شيء ولكن صدمتها من رفضه جعلتها بمرور الوقت تفلح في ان ترمي بذكريات تلك...