الفصل الاخير😍😍

1.1K 25 3
                                    

لم تعرف فينيتيا كم مضى عليها من الوقت وهي تمشي وأين أصبحت الآن أو ما إذا كان في إمكانها أن تجد طريق العودة إلى الفيلا مرة أخرى ولكنه لم تهتم بذلك . كانت تسير وقد أجهدها التعب والشمس تصب أشعتها من سماء زرقاء خالية من الغيوم . وكانت النسور تحوم والأغنام ترعى الأعشاب ولكنها كانت غافلة عن هذا كله . إنها لا تستطيع ولا تريد أن تستمر على هذه الحال .

خلال اليومين اللذين أمضتهما في سردينيا ، رأت كارلو مرة واحدة فقط ... عد عن تلك الليلة الأولى المفجعة وكان ذلك أثناء عشاء أمس وكانت هي المرة الوحيدة التي قام بها للحفاظ على المظاهر وذلك بالتحدث معها بتهذيب بالغ جعلها تريد أن تصرخ ، يتحدث عما قام به في ذلك النهار و أين كان قائلاً لها بلطف أنها ليست في حاجة إلى اعتبار نفسها سجينة و أن لويجي يصطحبها إلى أي مكان تريد ،
فهو يفهم قليلاً من الإنكليزية ولكنه ذكي بما فيه الكفاية ليفهم رغبتها في الذهاب إلى أي مكان خاص . ولكنها لم تستمع ولم تدل بأي جواب ولم تأكل سوى القليل غير عابئة بما قد يظن لويجي و رزوا بهذه العروس الغاضبة وبذلك العريس الذي يغيب طيلة النهار دون أن يهتم لشيء إذ ما هي الفائدة؟ إن كارلو لا يمكن أن يستمع لشيء يتعلق بالدفاع عن نفسها ذلك أن فكرته عنها كانت من الرسوخ بحيث لا يمكن أن تتزحزح . لقد أصبحت تكرهه وهي ستكافح لأجل بقائها وتنسى أنها أحبته مرة أكثر من نفسها ، إنها لن تقع في الشرك هنا فتكون زوجة مهجورة في بلد غريب إن عليها أن تفعل شيئاً إزاء وضعها هذا ولكن بحذر فهي لا تريد أن تعرض كل تلك الوظائف في شركتها إلى الخطر .
ليلة أمس بعد أن انسحب لويجي و روزا تاركين إياها في مواجهة كارلو عبر مائدة العشاء نهضت على قدميها ملقية بفوطتها بجانب وجبة طعامها الذي لم يمس ثم قالت له بلهجة فارغة من كل شعور : " من المؤسف أن كبرياءك قد أعمتك عن الحقيقة لقد تزوجت من آنسة . "
وقطب حاجبيه بعنف جعلها تبتسم بوهن وهي تدير ظهرها إليه خارجة من الغرفة لتقول له من فوق كتفيها : " وأنت الآن لن تكتشف أبداً ما إذا كنت أنا أقول الحقيقة فاستمتع بانتقامك هذا الذي أرجو أن يدفئك في الليالي . " .
إنها المرة الأخيرة التي ستكلمه وهذا عهد منها . وتنهدت وهي تدعك جبينها الحار بأطراف أناملها . لقد كرست نفسها هذا النهار لتضع حلاً لمشكلاتها وهاهي قد وجدته ورأت وهي تقف على قمة هضبة حجرية ، الفيلا أمامها على بعد نصف ميل أو حوالي ذلك ما جعلها تتفاءل . لقد عادت أدراجها في نفس اللحظة التي تكاملت خطتها عن كيفية رحيلها من هنا . وقابلتها روزا وهي تسرع داخلة من الباب الرئيسي ، كان الوقت منتصف النهار تقريباً وتبعاً للطريقة التي مر بها نهار أمس فان كارلو لن يظهر إلا قبيل العشاء فهو يمضي النهار مع مستخدميه في الكروم وأصدقائه ، ليبقى بعيداً عنها قدر استطاعته .
سألتها روزا مستطلعة : " الغداء؟ " ولكن فينيتيا هزت رأسها طالبة بالإشارة التحدث هاتفياً . و أومأت روزا وقد فهمت ما تريد ، ثم سارت أمامها إلى مكتب ضخم حيث أخذت تفتش في دليل الهاتف إلى أن عثرت على الرقم الذي تريد . قبل زفافها بأسابيع أخذت تقرأ كل ما وجدته من كتيبات الرحلات المتعلقة بسردينيا وعلمت أن هنالك رحلات متعددة داخلية بين الغيرو وكالياري ولهذا لم يكن ثمة داع للقلق ، ولكنها كانت تريد اتصالاً من لندن وأمكنها الحصول عليه ولكن الغريب أنها لم تشعر بكثير من الارتياح لذلك . هناك وقت كافٍ فأن الرحلة إلى لندن لن تقلع باكراً ولكنها لم تشأ أن تتأخر . إنها لا تستطيع الانتظار ، وشكرت حظها على بعد نظرها الذي جعلها تحضر معها شيكات سياحية .
واستبدلت ملابسها بسرعة لترتدي بنطالاً خفيفاً أبيض وقميصاً حريرياً أسود ، ووضعت أغراضها الخاصة في حقيبة الكتف الجلدية واضعة على ذارعها جاكتة ملونة دون أن تهتم بأن تأخذ معها أياً من ثيابها التي أحضرتها معها لشهر العسل الذي لم يتم .
وكانت كتابة رسالة إلى كارلو أول ما قامت به راجية أن تكون كافية لكي تمنعه من أن يندفع في تدمير أعمال الأسرة وإثارة الشغب هناك في انكلترا . و قد أعلنت في رسالتها أنها لن تسعى إلى الطلاق وستبقى صورياً زوجته وستستمر في العمل في شركة روس الإنكليزية تحت إدارته هو ، وهي مستعدة لرؤيته في أي وقت يرى هو فيه ضرورة لذلك ثم ألصقت المغلف وتركته على فراشه .
وقالت للويجي الذي كان في المر آب هو يغسل سيارة الليموزين : " المطار . " وبدت عليه الحيرة وهو يقول مستفهماً : " سنيورا؟ " وقطبت هي حاجبيها وأخذت تشير إليه بيدها مقلدة هدير الطائرة وهي تعلو وأومأ لويجي برأسه قائلاً : " المطار لقد فهمت . " ولكن الحيرة بقيت على وجهه وهو يسدل كمي قميصه الأبيض ويتناول جاكتته من على مسمار خلف أحد الأبواب . و أمضيا الطريق صامتين وقد سرها أن كلاً منهما لا يفهم لغة الآخر . ولكنه أخذ يتسكع حولها أثناء شرائها تذكرة السفر ، كما يفعل أي حارس يقظ ودفعت ثمن تذكرة السفر إلى كالياري بينما وقف هو يراقبها وهي تخطو نحو الطائرة . وقفت وقد اغرورقت عيناها بالدموع . لا يمكنها أبداً أن ترحل بهذا الشكل وبكل هذه البساطة . إن عليها بأي شكل كان أن تحاول إفهامه أنها لم تكن كما يظنها . وبينما هي تعدل من وضع الجاكتة على ذراعها ، شعرت بيد على ذراعها وسمعت صوتاً يقول شيئاً بالإيطالية فنظرت لترى الاهتمام في عيني المضيفة الجوية . وتمتمت وهي تمسح دموعها التي أخذت تتدفق دون توقف : " إنني آسفة . " وأخذت تكرر بغباء : " إنني آسفة . " . ابتسمت لها الفتاة ذات العينين السوداوين وهي تقول بعطف : " آه ... إنكليزية . انك لست على ما يرام . " وعلمت فينيتيا أن مكانها لا ينبغي أن يكون هنا . فهي ليست جبانة في العادة أن عليها أن تجد كارلو وأن تقنعه وهزت رأسها وهي تتراجع إلى الخلف قائلة بصوت خشن مرتجف : " إنني آسفة . لا يمكنني أن أقوم بهذه الرحلة . لقد أدركت على التو ....... " واستدارت عائدة لتسير بسرعة في ظلال المباني ومن حسن الحظ أن لويجي لم ينتظر رؤية الطائرة تتحرك ولم يكن ثمة أثر للسيارة فقد كان آخر شيء تريده هو أن تعود ، محروسة إلى الفيلا مباشرة .
ولم تجد مشكلة في العثور على سيارة إلى الغيرو ومن حسن الحظ أنها كانت أحضرت معها مبلغاً من النقود لكي تشتري تذكارات لأصدقائها عندما تعود إلى الوطن . أنزلها سائق سيارة الأجرة في وسط منتجع عام عامر بالناس ولو كانت ظروفها غير ما هي عليه ، لوجدت تسلية كبرى في الجلوس والتفرج على المباني المختلطة الطراز بين الحديث والقديم ، المدينة القديمة مع حصونها ، الشوارع الضيقة بأبراجها المهيبة . ولكنها كانت بعيدة عن الظروف العادية ، وأخذت تجول في الأنحاء دون هدف معين لتقودها خطاها نحو المرفأ. وعند مقهى على الرصيف جلست إلى منضدة تحت مظلة مخططة ثم طلبت كوب عصير نسيت أن تشربه وشعرت بالهدوء ولكنه كان هدوء القبول بالهزيمة كما أدركت . القبول بالألم الدائم بين أضلعها . كانت ثورتها على ما فعله كارلو قد خمدت الآن . وكل ما بقي منها هو حزن مروع . لقد كان أمامهما حظ كبير ذات يوم .
وكلمات كارلو ما زالت في مسامعها وهو يقول انه يعتقد بأنه كان يحبها منذ ست سنوات وكان ينتظرها لقد أراد ذات يوم أن يتزوجها لأنه كان يحبها فعلاً . كان هذا منذ وقت طويل وبعد ذلك بست سنوات عرض عليها الزواج ، حقاً انه أراد أن يسيطر على الشركة ، ولكنه كان أيضاً يريدها إنها متأكدة من أنه سيحبها يوما ما خصوصاً إذا هي استطاعت أن تقنعه بأن ماضيها لم يكن كما يظنه وأن سيمون مرة أخرى هو الذي دمر كل شيء بالنسبة إليها .
وتحركت في مقعدها بضيق ، وعيناها الفارغتان لا تريان شيئاً مما حولها من المناظر ، فقد كانتا تائهتين في الماضي تنوحان على ما كان يمكن أن يكون . إنها ترى الآن وبكل وضوح ما عليه سيمون من نفاق وجشع للمال . فعندما كانت في الثامنة عشرة كان لا يكاد يكف عن التحرش بها . ليس لأنه كان يكن لها أي شعور حقيقي و إنما لأنه كان مكلفاً بحراستها فوجد في ذلك فرصة مناسبة ذلك أن الزواج من ابنة رئيسه هو فرصة العمر . وقد أخفى هدفه ذاك أثناء السنوات التي تلت لكي يستعيد ثقتها به عارضاً نفسه لمساعدتها عندما التحق بالشركة وهو يخدعها طيلة الوقت بتصرفاته المصطنعة تجاهها . حتى عندما أوقعته أنجي في فخ الزواج لم يتخل عن هدفه هذا كلياً إذ أن أول ما قام به ، بعد أن طرده كارلو من الشركة هو أن أتى إليها عارضاً عليها الزواج . ولكن لم يعد في إمكانها حتى أن تستجمع ما يكفي من الغضب لكي تصلح من تلك الأمور المنحرفة الملتوية . ذلك أن مشاعرها كانت مضطربة للغاية ولم يبق في نفسها سوى القنوط . هذا إلى أمل ضعيف في أن كارلو قد يقتنع أخيراً بشكل ما بأن يستمع إلى القصة بلسانها هي .
كان على الخوان المجاور لها ، شخص يستمع إلى الموسيقى من خلال راديو لتتوقف هذه فجأة محدثة خشخشة مفاجئة تبعها صمت قصير عاد بعده المذيع يدلي بخبر مستعجل .. لابد أنه كان خبراً سيئاً كما أدركت فينيتيا من ردة الفعل الهائجة من الحاضرين حولها . وشهقت فينيتيا وقد نسيت هذه الانفعالات البسيطة حولها عندما ارتفعت أصوات غير مفهومة في هذه الحلبة الغوغائية ... ما الذي يا ترى هز هذه الجموع هكذا؟ ...
وتصلبت أعضاؤها من طول الجلوس كما أدركت من نظرات النادل الجانبية المتشككة نحوها ، ولم تكن لديها فكرة عن طول المدة التي أمضتها هنا ، ولكن الشمس كانت في قبة السماء ، وعليها أن تستعجل في العثور على سيارة تقلها إلى المنزل قبل أن يعود كارلو . وبعد أن أخذت رشفة من كوب العصير ، حملت حقيبتها ثم وقفت تحرك أعضاءها المتصلبة . تاركة إكرامية تعويضاً عن تأخرها هذا في شغل الخوان . إن عليها أن تذهب لتجعل كارلو يستمع إليها . آمله أن يتخلى عن مرارته مؤقتاً لكي يستمع إليها . و اعترفت لنفسها وقد غمرتها التعاسة ، وهي تسير نحو حافة الرصيف تستدعي سيارة بأنها ربما أفسدت بأقوالها دفاعها عن نفسها ، وذلك رداً على تلك العاصفة الكلامية التي وجهها إليها مما قوى من فكرته الراسخة تلك عنها . كل ذلك زاد من صعوبة مهمتها ألف مرة .
لا أمل في هذا ، فهل من الضرورة أن تحاول؟ ربما من الأفضل لها أن تتبع خطتها الأولى وتكمل طريقها إلى كالياري ، ولكنها الآن قد تأخرت كثيراً عن اللحاق بالرحلة الليلية إلى لندن ، ولكنها إذا هي استعملت شيكاتها السياحية الدولية ففي إمكانها أن تبيت ليلتها في فندق في انتظار أول رحلة تالية إلى الوطن ، ومنعها التردد من أن تتحرك من مكانها في الطريق ، غافلة عن حركة السير المندفعة حولها ، إلى أن جعلها صرير كابح سيارة ، وصفق بابها في وجهها تماماً ، جعلها تتراجع إلى الخلف مصطدمة بإحدى موائد المقهى .
حك مسمعها هذا الهتاف حين انقض عليها جسد رجل قوي وتمسكت بها أصابع من فولاذ . وتوقفت أنفاس فينيتيا وهي ترى كارلو هو الذي انقض عليها تاركاً سيارته منحرفة في وسط الطريق ، لا بد أنه قد عاد إلى منزله مبكراً عن نهار أمس ليكتشف ما فعلت فجاء يسحبها عائداً بها . عائداً إلى الفيلا لاستكمال انتقامه . وحاولت أن تضربه لتبعده عنها ، ولكن قبضتيها الصغيرتين كانتا أعجز من أن تحرك جسده الذي لا يتزحزح .
وعاد هو يهتف وذراعاه القويتان تجرانها إليه : " فينيتيا آه ... " ونظر إليها غير مصدق وشفتاه تتمتمان بكلمات الإعزاز والملاطفة بلغته ، وقد تدفق صوته بالمشاعر وهو يتابع : " أهذه أنتِ حقاً؟ أرجو ألا أكون حالماً . " وكانت هي ترتجف بين ذراعيه دون أن تفهم شيئاً . لقد كان ممسكاً بها وكأنه لن يدعها تذهب على الإطلاق ، وقد نسي كل شيء عن التأديب والانتقام ، أو هكذا بدا عليه . ثم تركها على الرغم منه ولكن ليتمكن من التمعن في وجهها بعينيه المنهكتين المتقرحتين لأجفان . رفعت أنظارها تحدق فيه وما زالت ترتجف دون أن تصدق ما يحدث وقد صدمت تماماً لمرأى عينيه تتألقان بالدموع .
.http://www.liilas.com/vb3

سجينة الذكريات حيث تعيش القصص. اكتشف الآن