Vol.1

1.8K 104 74
                                    


أنا ألتَاير، ألتَاير فقط..نَزيل في مُستشفى إلينايو Illenau للأمراض النفسيّة في ألمانيا منذ تسع سنوات..
ومع ذلك أنا شخص ميت، شخص لا وجود له، فقدت أعضائي ومِتُ من حِدّة النزيف.
تم تشخيصي على أنني مريض بتوهّم كوتار..
(Cotard delusion)
لكنني جُثةٌ هامِده بالفعل كيف لي أكون مريضاً!

أُخرِجت من الحُجرة البيضاء وأُخذِت إلى غُرفة أُخرى، وُضعت فيها مُقيّداً كما المُختلين...
رأيت جُثثاً متناثِرة وبعضها مُكَوّم في زوايا الغرفة،أحشاء خارجة من أجسادها ولحم مُقطّع يسبح في الدماء ،وعند قدماي جُثة لفتاةٍ صغيرة بدت في الثامنة من عُمرها معصوبةَ العينين بقطعة من القُماش الأبيض شبه الشفاف، تكفي لتخبِر بأن فُتحتَيْ العينين تحتها فارغة.. وتبّاع الجيف يحوم حولها.
مُمرضة ترتدي ذلك الروب الأبيض الملطخ بالدماء وعلى وجهها ترتسم اِبتسامة اليأس مع تلك العيون الصفراء المُتوهجة كما القناديل..
مَرّ سواد خاطف من أمام عيناي المُحمرّتان فجأة..
هل كان شبحاً؟
ما زِلت أتساءل، هل هذا هو الجحيم الذي يُبعث إليه البشر بعد مماتهم؟
اقتربت مني و وضعت يدها المُلطخة بالدماء على خَدي بينما الأخرى تحمِل سكيناً..
ومرةً أخرى مثل كل يوم، تضع السكينة على رقبتي ثم تمررها بِبُطء لِتخترق جلدي العاري..
لا أشعر بالألم.. لماذا؟ سؤال غبي! أولست بالفعل ميتاً؟
قيل مُسبقاً بأن البشر يُعاقبون في الجحيم على خطاياهم.. ما الذي فعلته في حياتي؟ أي خطيئة إقتَرفتُها عندما كُنت ما أزال حياً؟

تحدث الطبيب إلياس ليُمحى كل شيء أمامي..الجثث والدماء على الجدران والممرضة الغارِقة في اليأس كل شيء إختفى وكأنه لم يكُن..
"لقد إنتهى الفحص ،ممرضة صوفيا خذي ألتاير إلى حُجرتِه أنتِ والمُمرضة ماري"
نظر إليَّ بابتسامتِه الحذِقة
"أحسنت صُنعاً ببقائِك هادئاً هذه المرة ألتاير."
ربت على رأسي وتِلك الِابتسامة ما زالت تعلو وجهه الكَهل..
نظرت حولي مجدداً قبل أن يتم أخذي لِحُجرتي مرةً أُخرى..لوهلة عاد ذلك المشهد مرةً أخرى واَختفى في جزء من الثانية.

بينما أمشي في الدهاليز البارِدة على يميني صوفيا وعلى يساري ماري كلاهُما مُمسِكتان بي بإحكام حِرصاً على ألا يحدث كالمرّة السابقة..
المرة السابقة؟ ما الذي حدث بالضبط؟

أرفع عيناي لأُشاهد المذبحة التي تحدُث حولي..
إنه الجحيم.. بالتأكيد هذا هو الجحيم..
كالوُحوش، يَقتات بعضهم على بعض بِلا رحمة والبقاء للأقوى والأرض تنفُخ النيران مِن تحتهم وهُم لا يشعرون، كلما سقطت جُثة تفحّمت قُبيْل وصولِها للأرض.
وفي نهاية الممر تقِف تلك المُمرضة اليائِسة تنظُر إلي حامِلةً سكينتها، تضحك بهستيرية، هستيرية يائسة مُتعطشة للدماء.. وفي كل خُطوة أخطوها؛ الأنوار تَزيد خُفوتاً.
لو كُنت على قيد الحياة لَرغِبت بالموت حقاً، في هذه اللحظة بالذات،سأجري إلى السَّطح وسأُلقي بنفسي عوضاً عن أن أُلتهم بعد أن يتم تَقطيعي لأشلاء بتلِك الأنياب.
عاودت النظر لنهاية الممر.. اِختفت تلك الممرضة اليائِسة
أخذتُ نظرةً أخيرة قبل دخولي لحُجرتي المنفردة..
كل شيء هادئ، لا أحد يَقتات على الآخر، لا أحد يقطع الآخر بأنيابه، النيران إختفت، لا جُثث مُتفحِّمه..

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Jan 20, 2020 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

المصحةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن