6

3.3K 71 0
                                    


الفصل السادس:

بساعة واحدة ، كانت قد اكتسبت عداوتهما معاً . غضب جون وحقده لا يشكل بالنسبة لها مشكلة كبيرة .
لن تراه ابداً بدون شك ، ولكن كارل ... كارل سيبقى مقيماً في الفندق وستلتقي طريقهما دائماً في هذه البلدة الصغيرة .
كيف ستتمكن من مشاهدته والنظر في مقلتيه بعدما حصل بينهما ؟.
هو لا يشك حتى الآن بمشاعرها الحقيقية وحبها الكبير له ، ومن اجل مصلحتها وكرامتها يجب عليها ان تتجنبه وتهرب منه .
لا يمكنها بعد الآن ان تثق بنفسها ، في يوم او آخر ، اذا لم تحافظ على مسافة معه ، ستخونها مشاعرها .
ما ان خرجت من الحمام حتى التقت لسلي .
" اوه ، هذا انت .. جوليت ؟"
" عفواً !"
" اخبرني كارل انك واجهت مشاكل مع جون ..."
قالت لسلي بسخرية ،" بالمناسبة ، البارونة تبحث عنك ، انها تفكر بأن يرسوا المركب في مرسى مدرستك ، ليتمكن الضيوف من زيارتها ، باختصار انها تنتظرك في الصالون ".
كانت ماغدا متحمسة جداً لفكرتها والحت على جوليت بالقبول .
" بهذه الطريقة ، ستسفيدين من الدعاية لمدرستك ، ويكون الضيوف ايضاً قد انهوا سهرتهم بطريقة لطيفة مفاجئة ".
" لكن المشاغل يسودها الفوضى "، اعترضت الفتاة ، وفكرت فجأة انها بقبولها عرض البارونة ، تتوفر على نفسها عناء الطلب من جزون او غيره مرافقتها الى المنزل ، طالما ان المركب سيرسوا امام المدرسة ... فوافقت بدون تردد شكرتها البارونة وهمست باذنها .
" اتعلمين ان لسلي تجد فكرتي سخيفة ؟"
" حقاً؟ هي حرة ..." اجابتها جوليت بابتسامة ماكرة .
عندما رسى المركب امام رصيف المدرسة ، طلبت جوليت من المدعوين ان ينتظروا لحظات ، ثم نزلت تتفحص المشاغل ، لحسن الحظ ، كان العمال قد نظفوا المكان ورتبوا الادوات قبل مغادرتهم اطمأنت جوليت وعادت ودعت الضيوف للدخول .
لمدة نصف ساعة ، لعبت دور الدليل واجابت على اسئلتهم حول العمل الفني . سرعان ما اصبح الجو خانقاً ، فخرجت لتتنشق الهواء المنعش وتركت ضيوفها يتجولون وحدهم في المشاغل .
لمحت في الخارج وعلى نور القمر تحت احدى الاشجار لسلي كرانتز تتحدث مع رجل لم تتمكن من معرفته . اثارها الفضول فانحنت واصغت لحديثهما .
" نعم بالتأكيد"، كانت تقول ليزا .
" كل هذا جميل وفولوكلوري ، لكن العمال هم مجرد فلاحين فقراء ... وهذه الفتاة الانكليزية التي تحميها البارونة ، ترفض الاعتراف بان ايام مدرستها اصبحت معدودة ، وانها ستجد نفسها قريباً بدون عمالها . سيبقى معها المسنون والمعاقون اما الاقوياء فيجذبهم بسرعة طعم الرواتب المرتفعة التي تدفعها شركة ادلر ".
تكلم المتحدث الآخر ، لكن جوليت لم تنجح في فهم كلماته .
" تعتقد ان المكان سيفقد سحره ؟" اجابته لسلي .
" هذا ممكن ، ولكن التغيير مفيد ، كارل فكر بذلك وتوصل لنفس استنتاجاتي ... والآن ، لنعد الى المركب ".
عادت جوليت الى الداخل وهي تغلي من الغضب ، لماذا لم تفهم من قبل تكتيك كارل ؟ لكن حيلته لن تنجح لانها ستضاعف اجور عمالها كي لا يتركوها وتضطر لاقفال المدرسة . لا يمكنها تحمل فكرة انتصار لسلي وكارل عليها .
عندما غادر المدعون المدرسة ، تأخرت جوليت عمداً في المشاغل . كانت تعلم انه لن يلاحظ احد غيابها على متن المركب عندما يرحل ، وقررت ان تتصل بماغدا لاحقاً لتعتذر لها وتشكرها ، اطفأت الانوار ببطء . وفي الممر ، كانت تستعد لاطفاء الانوار الخارجية عندما جمدت يدها مكانها .
الباب لايزال مفتوحاً ، وكارل يقف على المدخل ...
" ماذا ... ماذا تريد ؟" سألته متلعثمة .
" لماذا لست مع ..."
" لماذا لست مع الآخرين ؟ وانت ؟"
" الحفل انتهى تقريباً ، وليس من الضروري ان اعود الى القصر حتى انزل من جديد ..." دافعت عن نفسها بسرعة .
" كان يجب ان تستأذني البارونة ..."
" سأتصل بها عندما تكون قد وصلت لاقدم لها اعتذاري وشكري ..."
" كنت تخشين ان تطلب البارونة مني ان ارافقك بسيارتي ، اليس كذلك ؟"
" طالما انك دقيق الملاحظة ، لماذا تطرح علي هذا السؤال ؟"
" اذا ، انا حذرت ..."
" بعد طريقتك الوقحة في تصرفك معي ، هذا المساء ، اتعتقد انني كنت سأقبل ان ترافقني ؟ انت مخطئ! كنت سأفضل العودة سيراً على الاقدام !"
" كما يجب ان افعل انا الآن ..."
" انت السبب . لماذا لم تصعد الى المركب ؟ كنت تريد رؤية ضحيتك من جديد ، لتدفعها الى مشاجرة جديدة ، لقد استحقيت العقاب ، سيد ادلر، وانا سعيدة لذلك!"
" لا ، لم ابق لهذا السبب ..."
" لا ؟ ربما كنت تفكر بعقد هدنة سلام معي ؟"
" بمثل هذا الوقت المتأخر ؟" سألها مبتسماً.
" لست بمزاح جيد لاتقبل المزاح !"
" ولا انا ، الآن ، اطفئي الانوار ، واقفلي الابواب ، واخلدي للنوم ، لا تشكريني لانني جنبتك غضب شاب مصمم على الانتقام منك ، تصبحين على خير ".
" انتظر ... الى من تلمح ... الى جون ؟"
" نعم! كان ينوي ترك المركب يرحل بدونه ..."
" كي ... كي يعود الى هنا ؟"
" لم يدهشني ذلك ... كان بيسعى بدون شك للانتقام ".
" وماذا فعلت انت ؟"
" ارغمته على الصعود الى المركب ، اعتقاداً مني انك ستفضلين زيارتي على زيارته ".
" شكراً لك ..." تمتمت واخفضت رأسها .
" لا تشكريني ". قال وهو يداعب خدها بأصابعه .
" انت الد اعداء نفسك ، آنسة هارمون ... اتدركين ذلك ؟ لكنك محظوظة. معي انا ، لا خطر عليك ... تصبحين على خير !" ثم انحنى امامها وابتعد بسرعة في الظلام .
لم تعد جوليت تعرف بماذا تفكر . في البداية ، وقف كارل موقف الدفاع عن جون سيبر ، واكد لها انه يحق له بالانتقام ، فيما بعد ، وقف مدافعاً عنها ومنع جون سيبر من تنفيذ تهديده .
موقفه يحيرها ، يعاملها باحتقار ثم يسرع لانقاذها بالموقف المناسب . ربما كان يسعى لجرح كبرياءها بانقاذه لها . بعد ان اتصلت بالقصر وتركت رسالة للبارونة ، نامت على امل ان تنسى هذه السهرة اللعينة . لكن الحقيقة لحقت بها الى احلامها . كانت تحلم بأنها تقف وحدها في مشغلها الهادئ المهجور .
وعندما استيقضت ، كانت الدموع تسيل على خديها . لسلي لم تكن تتكلم عبثاً . الخطر الحقيقي . حتى الآن ، استقال بعض عمالها وانضموا الى معسكر عدوها .
فهمت جوليت الآن فقط لماذا سمح كارل للمدرسة بالاستفادة من اخشاب الغابة . كان يعلم مسبقاً ان العمال سيهجرونها وبالتالي تعود بحاجة للاخشاب .
نهضت الفتاة وهي تحمل همها على كتفيها واستعدت لمقابلة رئيس عمالها . سألته على الفور اذا كان كارل ادلر قد اتصل بالعمال وقدم لهم عروضاً مغرية .
" لا "، اجابها ويليام " ولكني سمعت شائعات رجالنا رؤوا الحطابين الذين يعملون لشركة ادلر وجيوبهم ملئ بالمال ... بالتأكيد طرحوا عليهم بعض الاسئلة ..."
" اسئلة ؟"
" سألوهم عن الرواتب ، وشروط العمل ، باختصار ، اغراهم المال ". ثم نظر الى الفتاة واضاف .
" وانا ايضاً".
" اوه ، ويليام !" صرخت بقلق وبصوت مخنوق .
" اطمئني "، اضاف ويليام بسرعة .
" لقد فكرت كثيراً ، وقلت لنفسي ويليام ، توقف عن التصرف كالصغار ، انت اصبحت مسناً لا يمكنك تغيير نمط حياتك ومهنتك . انت فنان في الحفر على الخشب ، كوالدك وجدك ، وستبقى !"
" اوه ، ويليام ". صرخت جوليت ضاحكة .
" لقد اخفتني ! ولكن الآخرين ؟ كيف نعرف اي جهة سيسلكون ؟ ايجب علي ان اجمعهم واكلمهم ..."
" لا ! وفري قواك ليوم المعركة . اشعر انه لن يتأخر كثيراً ... بانتظار ذلك ، ابقي طبيعية ".
رغماً عنها ، اعترفت جوليت ان وليام على حق والتزمت الصمت . كان اليوم يوم احد ، فقررت ان تقوم بنزهة طويلة وحدها .. وهكذا اعدت سلة الزاد وسلكت عند الظهر طريق الجبلواختارت ممراً صغيراً كان القرويون قد شقوه في القديم عبر الغابات . عندما وصلت توقفت تتأمل المنظر الرائع الذي جعلها تنسى همومها : البساط الاخضر الممتد تحتها ، البحيرة الزرقاء المتلألأة تحت اشعة الشمس .
وتنمت لو تستطيع ان تبني منزلاً في هذا المكان حيث لا يعيش اي كائن على بعد عدة كيلومترات . لكن الطريق تسمح اذا قضت الحاجة بالوصول الى عالم الحضارة بأقل من نصف ساعة فقط . الموقع مثالي حقاً.
عادت الى الواقع ، واختارت مكاناً بين الاشجار ، بسطت فيه شرشفاً وافرغت عليه محتويات سلة زادها . فجأة سمعت هدير سيارة تقترب .
هل سيتابع السائق طريقه نحو قمة الجبل ام انه سيسلك الطريق الفرعي ؟ بعد لحظات فهمت الفتاة انه يجب عليها ان تودع احلام الوحدة . توقف السائق ونزل من سيارته يحمل لوحة رسم وآلة تصوير .
رأى الفتاة جالسة تحت الشجرة فاتجه نحوها بعد لحظة تردد .
" مرحباً ، فراولن اتمنى ان لا اكون قد ازعجتك ..."
" لا ، ابداً". اجابته بدهشة .
" انا هيرمن برنتل ". قدم نفسه .
" انا مهندس ويجب علي ان التقي هنا بأحد زبائني ..."
" هنا ؟ لكن المكان ملك للبارونة فون بودن ".
" نعم ، لكن زبوني يأمل ان يشتري هذه الارض منها ، شرط ان اوافق على اختياره ... من النظرة الاولى ، اعتقد انني لن اعارض " اضاف وهو ينظر حوله .
" ايرغب زبونك ان يبني منزلاً هنا ؟" سألته بفضول .
" نعم ... لماذا تضحكين فراولن ؟"
" لانني كنت اتخيل منذ لحظات اي نوع من المنازل ابني هنا ، اذا كنت املك المال الكافي ! يالها من صدفة !"
" انا وصلت باكراً على موعدي ، لكن ، لاتقطعي وجبتك ، بامكاني ان انتظر الزبون في سيارتي ..."
فهمت انه لا ينتظر منها سوى كلمة واحدة ليجلس ، فدعته لمشاركتها طعامها .
" بكل سرور ، فراولن "... ثم جلس على الاخشاب وبدأ يلتهم السندويش الذي قدمته له .
" هل انت من عائلة دون بودن ؟"
" لا ، انا انكليزية "
" لهذا السبب لهجتك مختلفة ".
" انا ادير مدرسة الفنون اليدوية في ريتغن . ولكن ... ايمكنني ان اعرف اسم زبونك ؟ ربما اعرفه ..."
" هذا ممكن جداً . انه كارل ادلر ، مدير شركة ادلر " هذا الخبر لم يفاجئها، كانت منذ لحظات تتوقع سماع اسمه .
" اعلم انه اشترى كل اخشاب الغابة لكنني لا اعرف شيئاً عنه في الاقامة هنا ..."
" لا شيء مؤكد حتى الآن . السيد ادلر ينتظر سماع رأيي ليقدم بعده عرض شراء البارونة ."
فكرت جوليت ان كارل لن يتأخر اكثر في الوصول ، وهي لا ترغب بلقائه ! لكن ضيفها كان يحدثها وليس من اللطف ان تجمع اغراضها وتنهض بهذه السرعة لكن املها مات عندما سمعت هدير سيارة اخرى تقترب .
انهى هيرمون برانتل قطعة الحلوى الثالثة وقفز على قدميه ليستقبل كارل . ابقت جوليت رأسها منخفضاً وبدأت تجمع بقايا زادها .
لكنها كانت تشعر بنظرات كارل منصبة عليها بدهشة ...
" وصلت باكراً " شرح له هيرمن .
" وهذه الفتاة الساحرة ، الآنسة هايرمون دعتني لمشاركتها طعامها ."
" حقاً ؟" اجابه كارل بسخرية .
" مع انك تعلم بأننا سنتناول الطعام في الفندق عندما تنتهي من عملنا " ثم اقترب من جوليت واضاف .
" اي سحر لا يقاوم يملكه صديقي هيرمن كي تسمحي له بما رفضته من اجلي ؟" سألها بتهكم .
ثم التفت نحو المهندس الذي يستمع له بدهشة .
" ذات يوم " شرح له كارل " التقيت انا ايضاً بالآنسة هايرمون تنتاول طعامها لكنها لم تدعني للجلوس ، انا اي سحر تخفي اذاً ، هيرمن؟ اني اتساءل ... ربما التقيت انت بها في لحظة من اللحظات النادرة التي تكون فيها مزاجها سمحاً ..."
" يبدو انك غيور ، كارل "، مازحه هيرمن .
" من ماذا ؟ من سندويشات اكلتها ، ام من نجاحك امام الآنسة هايرمونن ؟ لن اجيب بالتحديد ... والآن ، لنأتي الى المهم ، ما رأيك بهذا الموقع ؟"
" انه مناسب تماماً ، ولكن سعر الارض سيكون بالتأكيد مرتفعاً جداً ..."
" لا تهتم بهذه التفاصيل . عندما ارغب بشيء ، احصل عليه مهما كلف الامر ".
" اي اصرار !"
" لا ، انا عنيد ، وصبور ... حسناً ، اذا اعجبتني خططك ، متى يمكنك ان تبدأ بالورشة ".
" بعد ثلاثة اسابيع ."
" ومتى ينتهي البناء ؟"
" بعد تسعة اشهر او سنة على الاكثر . اتساءل اذا كنت تريد بناء هذا المنزل لتستقبل فيه زوجة المستقبل ".
" بالتأكيد لا . من اين لك بهذه الافكار ".
انتقل الرجلان للحديث عن الطريق وتوسيعها . ثم انحنيا فوق لوحة المهندس . استغلت جوليت هذه اللحظة ، وانسحبت خلسة ، لكنها لم تكن قد ابتعدت اكثر من ثلاثة خطوات عندما ناداها كارل .
" انتظريني لحظات ، سأرافقك بسيارتي الى البلدة ."
" لا ، شكراً ، اريد ان اعود سيراً على الاقدام كما اتيت ."
" كنت اريد ان اسمع رأيك حول تشييد المنزل هنا ، ما رأيك ؟"
" الموقع مثالي ..." اجابته بحذر .
" الن تتهميني بتدنيسه ايضاً هذه المرة ؟"
" كارل ادلر انا لا ازال اعارض فكرة انشاء المنشرة على ضفة البحيرة ، لكن هنا ، في هذا المكان المعزول ، لن يؤثر منزل على المنظرالطبيعي ..."
" عظيم! كنت اخشى ان تكني لي ضغينة اخرى ..."
" انت محق بطلب رأي الآنسة " تدخل المهندس .
" اثناء تناولنا الطعام ، اخبرتني بأن لديها افكار حول بناء منزل احلامها، هنا، تماما !"
"لا ابدا". احتجت جوليت بارتباك،"كنت اتخيل فقط افضل وسيلة للاستفادة من هذا الموقع المميز!"وكان قد ادهشها اتفاقهما على اختيار نفدس الموقع لتشييد منزل احلامهما.
"هيا، هيا" قال المهندس مبتسما.
"النساء تحب تشيد منازل الحب ، ويكون لديهن دائما مخططات في رؤوسهن . على كل حال، في مهنتنا نحن المهندسين نعلم جيدا اننا نشيد المنازل للرجال، لكننا نتبع تعليمات زوجاتهن!"
استأذنت جوليت ورسارت بين الاشجاردون ان تلتفت خلفها.
هذا المساء، اتصلت بها البارونة واخبرتها بأن كارل زارها وبأنها قبلت بيعه قطعة الارض التي ستبني عليها منزله.
"لم اكن اعتقد انك ستتخلين عن هذه القطعة من اراضيك"، قالت لها جوليت بدهشة.
"انها ليست سوى جزءاً صغيراً بالنسبة لما املكه كارل كان مصمماً ومتسرعاً ودفع ملبغاً كبيراً. كنت اعتقد انه سيبني منزلاً صغيراً. لكنني تفاجأت عندما اخبرني المهندس انه يريده منزلاً واسعاً يتسع لعائلة كبيرة.... ربما يفكر بالزواج."
"هذا ممكن."
سأدعك الآن ، جوليت، وسأتصل بك فور عودتي من برلين".
اثناء غياب ماغدا،تفاجأت جوليت بالعاملين الجديدين يقدمان استقالتهما ، فسألتهما بجفاف :
" لماذا ترحلان ؟ الا يعجبكما الراتب ؟"
اجابها الشابان بأن هذا قرار والديهما .
" ولكن لماذا ؟ ايفكران بنقلكما الى مدرسة اخرى ؟"
تظاهرا الشابان بأنهما لا يعرفان شيئاً . ففهمت جوليت انها لن تحصل منهما على شيء . فذكرتهما انه يجب عليهما الاستمرار في العمل حتى انقضاء الشهر ثم اسرعت الى ويليام وسألته اذا كان يعرف سبب استقالتهما .
" اعتقد انهما يبحثان عن عمل في شركة ادلر لصنع المفروشات ".
" اتظن بأن كارل ادلر قدم لهما عروضاً؟"
" لا ، هذا كان سيدهشني ، لانه بحاجة لعمال ذوي خبرة وليس لمبتدئين كهذين !"
بدأت جوليت تشعر بالقلق يزداد يوماً بعد يوم . هل ستتحقق تنبؤات لسلي؟ استقالة هذين الشابين هي اشارة مخيفة ... فضاعفت اجر الحرفيين القدماء الذين يعرفون قيمة فنهم . انهم القوة الحقيقية الفاعلة في مشاغلها .
لكن صباح يوم السبت ، استقال ثلاثة شبان مساعدين بدورهم ولم يعطوا اسباباً محددة كسابقيهما .
تأسفت جوليت كثيراً لغياب ماغدا . هي لا يمكنها ان تفعل لها شيئاً ، لكن لطفها يساعد الفتاة كثيراً .
يوم الاحد ، حاولت جوليت ان تجد حلاً ، فخرجت الى الحديقة تنزع اعشابها . كانت منحنية فوق احد الاحواض عندما سمعت صوتاً يناديها .
" صباح الخير ..."
رفعت عينيها وتعرفت على كارل ، كان قد جاء سيراً على الاقدام ولهذا لم تسمع هدير سيارته .
" صباح الخير ..." اجابته بلا مبالاة بينما اجتاحها ارتباك داخلي كبير ككل مرة تراه فيها .
" اترغب بالكلام معي ، ام انك تحييني اثناء مرورك من هنا فقط ؟"
" هذا يتوقف على ... اذا كان مزاجك جيد ، اريد ان اطلب منك خدمة ."
" خدمة ، مني انا ؟"
" اطمئني ، تناولت فطوري ولن اطلب منك كسرة خبز ".
" الا تعتقد ان هذا المزاح اصبح سخيفاً؟"
سألته وهي تتابع نزع الاعشاب ، واحست بغضب كارل ونفاذ صبره .
" اذا كنت تنوين انتزاع الاعشاب طوال النهار ، اخبريني وسأمر عليك غداً ". قال لها بحدة .
" والا فأعيريني انتباهك كلياً ..."
" ولكني استمع لك ".
لكنه بسرعة امسك ذراعها واجبرها على النهوض .
" اتفعلين ذلك عمداً لاغاظتي ؟" سألها وهو يهز كتفيها بعنف .
" ماذا تقصد ؟"
" منذ لقائنا الاول وانت تفقديني صبري !"
" اذا كان الامر كذلك ، مالذي جاء بك اليوم ؟ انا لم ادعوك لزيارتي !"
تركها فجأة وادار ظهره ليسير بضعة خطوات .
" الامر يتعلق بماغدا . ستعود غداً كما تعلمين ، اثناء غيابها ، قامت لسلي ببعض التعديلات على الفندق ، انها تعديلات ضرورية ، لكنني اعتقد ان البارونة لن تكون راضية ..."
" لحظة ... الى اية تعديلات تشير ؟"
" على سبيل المثال ، طردت لسلي كل العمال واستبدلتهم بعمال جدد ، شبان ... والغت المطعم وجعلت مكانه بوفيه حيث يخدم كل شخص نفسه بنفسه ... كما وانها ..."
" ولكن قبل ان تقوم بهذه التعديلات ، الم تستشر لسلي البارونة ".
" لم يكن لديها خيار آخر . ماغدا امرأة مسنة ترفض كل افكار التحديث... الصبر والتعقل لا ينجحان في اقناعها . انا اوافق لسلي على رأيها ، فهي تعرف اكثر منا بما يخص تجهيز الفنادق ".
" حقاً ؟ انت تدعمها ضد ماغدا ، مع انها ليست سوى مدبرة للفندق وليست مالكته ! الا يصدمك تصرفها من خلف ظهر البارونة ؟"
" عندما اوظف مديراً ، انتظر منه ان يدير ..."
" الا تعترض عندما يتخطى حدود مسؤولياته وحقوقه ؟"
" فقط اذا كنت اكثر منه خبرة في مسألة معينة ..."
" لكن لسلي تصرفت وحدها دون اي اذن من البارونة ..."

" لهذا السبب جئت طالباً مساعدتك كي تفعلين كل ما بوسعك لتخفيف الصدمة عن البارونة لدى وصولها ... حاولي ان تظهري لها ان لسلي محقة في ارائها وان الفندق بحاجة لهذه التعديلات ".
" افهم ان الآنسة لسلي تخشى ردة فعل البارونة وارسلتك لتقترح علي دور المحامي المدافع ! هذا ما اره ".
" انت لا ترين شيئاً ! كالعادة ، كرهك لي يدفعك لاستنتاجات خاطئة ! لسلي لسنا سوى مخادعين بدون ذمة ، اليس كذلك ؟"
" اسمح لي بعدم الاجابة ... انت كنت انت متفقاً معها ام لا ، فالامر وقع . ويجب علي الآن رؤية ماغدا تنهار من الغضب ... اما انت ولسلي ..."
" لا افهم لماذا تعتبرين لسلي شيطانة او ... ما ان الفظ اسمها امامك حتى تصابي بجنون الغضب . لماذا ؟"
" انه نفور متبادل بيني وبينها ... هي ايضاً لا تحبني ..."
" نعم ، اعلم ..."
" آه ، تعلم ! هل شرحت لك السبب ؟"
" لا ، لكنني ربما افهم ... مهما كان الامر ، هذه المشكلة لا تهمني . احاول فقط اقناعك بان لسلي لم تفكر بالاحتماء خلفك لحظة واحدة عندما تأتي البارونة . انا فقط اطلب منك ان تستعملي نفوذك امام البارونة كي توافق على مافعلته لسلي ..."
" ماذا يجب ان اقول لها ؟ اقبلي بالامر الواقع مبتسمة ، ماغدا؟ ام دعي مديرتك تدير الفندق كما تشاء البارونة لم تتدخل ابداً في شؤوني وفي مدرستي ، وانا لا انوي التدخل بشؤون فندقها !"
" اصمتي !" وامسك كتفيها بكل قوته .
" غيرت رأيي " صرخ بحدة .
" كان يجب ان اتنبأ بأن محاولتي معك ستكون فاشلة ... ولكني اعلم الآن انك تعارضينني وتتلذذين بمعارضتي ولاي سبب كان . مع اولئك الذين تعتبرينهم كأعداء لك ، تتعاملين بالخداع والوضاعة ، بكلمة اخرى ، تكشفين عن طبيعتك الحقيقية ".
" الاعداء الذين من نوعك لا يستحقون الافضل ..."
اجابته بتحد " هيا ، ارحل من هنا ، واضربني ، اقتلني اذا شئت ، هذا ماترغب به انا متأكدة من ذلك . ساد صمت قصير بينهما ، ثم تركها كارل ونظر اليها باحتقار .
" لن انزل لمستوى ضربك هذا اسلوب ربما ينفع مع الاطفال ، ولكن ليس مع امرأة مثلك ..."
في مساء اليوم التالي ، زارتها ماغدا فون فجأة ، وكان من عادتها اذا احبت لقاءها ان تدعوها الى قصرها ، يبدو انها اليوم ترغب بالكلام معها بعيداً عن اعين وآذان المتطفلين ...
" هل علمت بما حصل في الفندق ؟" سألتها ماغدا على الفور .
" نعم ، تقريباً ..."
" وكيف علمت ؟ هل زرت الفندق اثناء غيابي ؟"
" لا ، كارل زارني ليخبرني ".
" كارل ادلر ؟ لماذا ؟ ... آه ... فهمت ، لسلي كانت تعلم كيف ستكون ردة فعلي ... فأرسلت كارل ادلر لاقناعك بلعب دور المفاوض ، انا متأكدة انها تغار منك ، وتسعى لايذاءك ".
" اعتقد ذلك ، ولكن كارل دافع عن نفسه بحدة عندما اتهمته بانه رسول لسلي ... اكد لي انها لاتعلم بزيارته لي ، اعتقد ايضاً انه يحاول ان يخفف عنك صدمة ما حصل بطلبه مساعدتي ... هذا دليل على حسن نواياه ..."
" لكنكما افترقتما متخاصمين كالعادة ؟"
" نعم ..."
" بسببي " تنهدت ماغدا بأسف .
" لا ، هذا الرجل وانا على خصام دائم ، وكأن القدر شاء ان نكون عدوين، وانت لست مسؤولة ، يضحكني قولك ان لسلي تغار مني ! لو انها تعلم كيف نتخاصم انا وكارل ، لكانت غيرت رأيها ... لا ضرورة لمخاوفها مني ".
" كم انت عنيدة جولييت ..."
" دعينا من امرها الآن ، ماذا ستفعلين حالياً ؟"
" للاسف ، لا شيء ، الذي يؤلمني هو هذه الخيانة المدبر لها ... اتغيب اسبوعين فلا اتعرف على فندقي لدى عودتي ! تصوري ان زبائن يقفون بالصف امام البوفيه ، تصوري انها ايضاً طردت العمال القدامى ! اضيفي الى ذلك الاوركسترا الجنوب امريكية التي ستأتي مرتين كل اسبوع ... وبعد كل هذا تتهمني لسلي بانني لا افهم اذواق الزبائن ... سامبا ورمبا في بافاريا ! هتذا سخيف ! انا بحاجة لوسيلة لجذب الزبائن الى فندقي ، ولا انوي جعله ملهى ليلي او كازينو ..."
" اهدأي ، ماغدا ..."



ضفاف سيلبرس - جان اربور -  عبير الجديدةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن