(الفصل الخامس عشر)

595 14 0
                                    

~~**بقايا ذكريات..وأحلام**~~

..]].. الليلة الأولى..[[..

بعد عاصفة من القلق... التوتر... الإضطراب... الخوف... الدوران حوالين البيت كامله أربع مرات... البحث هنا وهناك بالحوش... وعند البوابة... الجيران... السكك... والشوارع... وصل وليد لبيته وهو مهموم مسنود من جلند...
صرخ بجنون: الخنسااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااا اااااء... راحت... راحت... راحت وتركتني... أختفت... أختفت... آآآآه يا ربي...
وبكل سهولة ترك نفسه يرتمي على ركبته... دفن راسه بيده وكفوفه...
همس بصوت قاسي: أنا... أنا السبب... أيوه أنا السبب... لولا معاملتي القاسية لها... ما كانت طلعت... ما كانت طلعت...
مسكه بدر من كتوفه وشده... همس بصوت ما يسمعه إلا هو...
بدر: وليد... أوشششش الكل يناظرك... أمسح دموعك... أمسحها...
قرب جلند منه وهمس هو الثاني: تعال... تعال ندخل...
سحبوه بدر وجلند وهو مو حاس بنفسه...
وأنتشر الخبر مثل ما تنتشر النار... وصل لمسمع الجدة إلي لطمت وبكت... وصل لهدى إلي بكت وشاركت الجدة... وصل للجين إلي قطعت نفسها بالبكاء... وصل لنورة إلي حست برعشة تهز كيانها... وصل لسيف إلي من طوله طاح... وصل لخالد إلي رفض يتكلم... وصل للأطفال إلي حسوا بالتوتر... وصل لكل شخص الخنساء كانت تعنيله شيء...
أسند وليد راسه عظهر الكنب وهو يحس بصداع أليم براسه... أهله كانوا حوالينه... يحاولوا يتلقوا أي خبر عن الخنساء... أي خبر يطمن قلبهم المرتجف...
نادى وليد ودمعته تلمع بعيونه: بدر...
بدر إلي كان مستند على الباب ويكلم جلند وموبايله بيده... لف لوليد...
وليد قال: شغل السيارة بدر والله يخليك خذني معك ندور بالشوارع... أكيد ما أبعدت كثير...
وقف على رجوله وهو يحاول يدارك نفسه... يلملل شتات نفسه ويقويها بذكر الله...
همس خالد: لا يا ولدي... يكفي دوارتك بهالشوارع وروح إرتاح...
رفع وليد راسه لأبوه بثقل وقال بتمرد: لا يا ابوي ما برتاح إلا وألاقي الخنساء...
خالد حاول: وليد...
قاطعه وليد بلحظة وهو يضحك بهستيرية وأهله يناظروه بحيره: وهالمرة ليش يا أبوي؟! علشان شو؟! تبي تتستر على عمتي وبنتها على فعلتهم الشنيعة وأزفت من الشنيعة؟! وبعد شو جايين بكل جرأة يناظرون فيني... ما أستبعد... ما أستبعد يكون إختفائها سببكم إنتو...
ورفع عيونه لعمته إلي من بداية العزومة وهي تتحاشاه وتتحاشى خالد... أصلا ما كانت تبي تجي العزومة لا هي ولا بنتها بس محمد لزم وهي وافقت مجبورة... حتى بنتها نشوى كانت وراها وهي ترتجف من ساسها لراسها... وهنا أهله كلهم ناظروه يحاولون يفهموا شو السالفة بالضبط...
صرخت سلمى وأنتفظت: والله والله ما عملنا حاجة لها والله...
صرخ وليد يقاطعها: ما عملتوا حاجة؟! ما عملتوا؟! إلا إنتوا عافتكم النفس والخاطر...
قاطعه خالد بأسف: وليد يا ولدي... أذكر الله و...
ورجع وليد يقاطعه بصوت رهيب... بصوت أهله كلهم خافوا منه... بصوت طلال كان يرتجف ما يدري ليش السالفة كبيرة وكبيرة... بصوت محمد حس نفسه فيها المثقول والمهزوم... وسلمى ونشوى فخبر كان...
وليد: لا إله إلا الله محمد رسول الله...
وبعدها رجع يناظر عمته وبنتها وقالها بكل برود وجمود: إذا مو قادر يا بوي تقولها لأختك وبنتها فأنا إلي بقولها...
قالها بكل سخرية: أنا يا عمتي...ما يشرفني يكون لي عمة مثلك ما أحترمت لا أخوها ولا حتى أحترمت وأشفقت على يتيمة تكون لسخرية القدر بنت أخوها...
وكمل بكل حنق: وعمر إلي جابته نشوى حتى يغتصب الخنساء مصيره والله على يدي... مصيره على يدي... لأني حلفت كل شخص كان سبب بمرض الخنساء يلاقي مصيره... أنتي... يا عمتي... البيت... النفس عافتك... عافتك أنتي وبنتك وما عاد أشوف لكم وجه بحياتي... ما عاد تعرفوني ولا أعرفكم...
قالها وهو يصرخ: ما عاد أشوف لكم وجه بحياتي... أطلعوا... أطلعوا برا... برا... برا... برا... براااااااااا...
أهتز البيت وأركانه من صراخ وليد... صراخه إلي جمد الدم بعروق محمد وطلال... ثواني مرت كان فيها السكون غالب على صوت الأنفاس المتلاحقة... ثواني مرت طلال فيها تحرك من جموده وراح لأخته... إلي من خوفها مسكت أمها ولزقت فيها وهي تبكي... وتهذي بكلام أبد مو مفهوم... مسكها طلال وهو يرتجف...
مسكها وهو يهمس: كنت والله داري... داري إن السالفة فيها شيء... بس ما توقعت... ما توقعت أختي ومن لحمي ودمي تسوي هالسوات... تكون بهالشكل بلا دم... قذرة... متخلفة... غبية...
وما سمعوا إلا صراخ نشوى وهي تتلقى الضرب من أخوها... بكل عنف... بكل شراسة قدر فيها طلال يده توصل لأخته ضربها... حاولوا فيه ييسحبوه... يبعدوه عنها وعن أمه إلا صابها شيء من الرفس والضرب... وقدروا يبعدوه... كتفوه وهو يتنفس بضيق ودموعه تجري... موقف أبد ما يحسد عليه... اليوم عرف إنه فقد مكانته وكرامته بين أهله وبين الناس...
وقتها سمعوا صوت سقطة أعظم منها ما سمعوا... لفوا كلهم لمحمد إلي أرتمى عالأرض وطاح... ألتموا عليه يصاخوا...
صرخت لجين وهي ترتمي عند أبوها: لااااااااااااااااااااا أبوي... أبوي... أبوي.... شو صار لأبوي؟! شوفوا أبوي الله يخليكم... شوفوه... أهئ... أهئ... أبوييي...
وبهالوقت... مشى وليد بكل جمود وبرود لباب المجلس... مشى تارك أهله يصرخوا يحاولوا بمحمد يقوم... مشى تارك نشوى نصها دم ودموع وضلوع مكسرة... مشى تارك عمته تصارخ ويغمى عليها... مشى تارك الكل بحاله غريبة عجيبة...
وصل لباب المجلس الخارجي... وقف مستند عالجدار... وترك نفسه ينزلق على الأرض... جلس وكفوفه تغطي وجه وملامحه... إلي جمدت التعابير فيه... ما كان وقتها يسمع إلا صوت الصراخ يجيه مثل الهمس... وصوت الخنساء يناجيه...
.
.
صرخت الخنساء بعصبية: لا... لا... لا... ما أبي... ما أبي...
كانت واقفة عند محل من المحلات فالشارع وفيه سيارة واقفة على جنب وعندها واحد شاب جالس يحاول فيها...
قال يحاول: أوكي إنتي إركبي السيارة وبنتفاهم...
ضربت الخنساء رجولها عالأرض وقالت بتقطع: لا... لا... أصلا وليد قال لا تكلمي مع ناس...
مسكها من يدها يحاول يجرها وهو يقول بصوت خفيف حتى ما يسمعه أحد: اسمعي أنا مش غريب... أنا أعرف وليد هذا...
كانت الخنساء تناظره بشك قبل شوي يقولها ما أعرف وليد إلحين يعرفه... قلبت شوي فخلفية عقلها وبالأخير ضربت يده... وبعدت عنه...
قالت بعصبية: لا... خلاص... لا تكلمني... يلا روح... روح... ما أبي كلمني... ما أحبك أنا...
ومشت عنه وما حست إلا وهو لازق فيها يمسكها يحاول يسحبها للسيارة... ضربته ورفسته... وصرخت وحاول يكمم فمها بيده... وعضته... وعلى صراخها سمعهم رجال كبير بالسن كان يمشي بحال سبيله... وبكل قوة مسك عصاه إلي كان يستند عليها وضربه بكل قوة... تألم الشاب وشرد...
قاله بكل عصبية وهو يهدده بعصاه: تعال... تعال يا ولد... إذا ما شبعت من الضرب... تعال أزيدك وأكسر راسك وأنفك... يلي ما تستحي وتحشم أحد...
كانت الخنساء تبكي وهي تمسك بدميتها بيدها وتحضنها لها... قرب منها... وحاول يكلمها...
قالها: يا بنتي أنتي وش حادك جالسة بهالمكان وهذا الوقت؟! أنتي وحدك هنا؟!
رفعت الخنساء راسها وناظرته ودموعها تجري على خدها...
قالت بتقطيع: أهئ... أهئ... أنا ما أحبه ما أحبه...
قرب أكثر وقال: لا حول ولا قوة إلا بالله... تعالي يا بنتي عند الضوء... عيوني هالله هالله تشوف دربها...
ما فهمت شو يقول بس قلبها شوي إرتاح... وقفت لما قالها تعالي هالمكان... كانت ما زالت تبكي...
سألها: أنتي تنتظري أحد هنا؟!
هزت الخنساء بلا... ورجع يرص بعينه علشان يقدر يشوفها زين لأن نظره ضعيف... وبين له من جسمها إنها بنت فريعان الشاب...
رجع يسألها وهو يتحسر على أهلها إلي ما حافظوا عليها وتركوها لوحدها: كيف جيتي وحدك لهنا؟!
همست الخنساء وهي تتشبث بخالد: أنا جيت من هناك... من البيت طلعت...
وأشرت على مكان بعيد...
وكملت بلهاث: مشيت... ومشيت... ومشيت بعدين تعبت خلاص... جيت أبي أشرب... ماي... هذاك ما أحبه أنا... جا يبي يخذني... انا ما أبي...
هز الشايب راسه بحيرة ورجع يسأل: وليش مشيتي؟! وطلعتي من البيت وحدك؟!
فكرت الخنساء شوي ورجعت تقول: أمممم هو أنا... كنت أبي... أروح هناك بعيد... بيت... ددي...
وبعدين كأنها تذكرت قالت وهي تجلس: خلاص تعبت... أبي أشرب... أبي أنام... تعبت أنا...
تنهد الشايب وهو مازال أبد مو فاهم حاجه إلا إن هالبنت عقلها مريض وهذا إلا عرفه بعد شوي لما جا وجايب لها غرشة ماي... شربت الخنساء منها ومسكت خالد بين يديها وبدت تشربه... كان الماي يسيل بين فم الدمية لحد رقبتها وتبلل ثوبها...
سألها: وش هذا إلي فحضنك؟!
همست الخنساء: ولدي... خالد... شوف...
قرب الشايب علشان يناظر أكثر... وعرف إنها دمية من جمودها... ولما حاول يلمسها ويقربها أكثر لعيونه...
هز راسه: لا حول ولاقوة إلا بالله عليه العظيم...
وكأنه أتخذ فكرة: تعالي... تعالي يا بنتي أوديك لمركز الشرطة أكيد أهلك يدورون عليك...
الخنساء كانت مازالت جالسة ورافضة تتحرك لأنها كانت مرة تعبانة وتبي تنام...
قالها الشايب: قومي معي يا بنتي...
هزت الخنساء راسها: لا... لا... تعبت انا خلاص...
تنهد مرة ثانية وثالثة ولأنه حسبها ما تبي تروح مركز الشرطة قالها: طيب يا بنتي تعالي أوديك تنامي مع بناتي... قومي... يا بنتي الله يستر عليك...
وقفت الخنساء بعد ما أغراها بالنوم... ومشت وراه وعكس إلي سوته مع الشاب قبل دقايق ركبت السيارة وجلست بدون كلمة أو إعتراض... والشايب لأنه من أهل الخيرة والكرم فشغل قرآن بالسيارة... وجلس يردد معاه... وطبعاً ما نسى نظارته يلبسها... أما الخنساء إرتاحت بشكل كبير حتى إنها ما تدري حست بالنوم يثقل جفونها وأسندت راسها ونامت... طبعاً الخنساء غرقت بالنوم حتى إنها ما لاحظت إن الشايب كان يسوق بطريقة غريبة بسبب ضعف نظره... وإنه بالفعل طلع من القرم متجه للخوير... كأنه كذا يرجع لورا والخنساء دربها من الجهة الثانية...

((( أحرف مطمورة بين طيات الورق ...))) حيث تعيش القصص. اكتشف الآن